هكذا أنشأت اسرائيل دولة فلسطين

 

دانيال فريدمان

 

2010-09-24

 

بعد حرب الأيام الستة مباشرة عقدت الدول العربية مؤتمرا في الخرطوم وأقرت اللاءات الثلاث المشهورة: لا للسلام ولا للاعتراف ولا للتفاوض مع اسرائيل. لكن كان لاسرائيل أيضا لاءات خاصة. أحدها: لا للعودة الى حدود 67 والثانية لا لانشاء دولة فلسطينية.كان لمعارضة انشاء دولة فلسطينية أسباب ثقيلة الوزن لم تزل حتى اليوم. كان على هذا الشأن اجماع وطني خالفوا عنه في اليسار المتطرف فقط. سأبحث في البدء أسباب معارضة انشاء الدولة الفلسطينية، وبعد ذلك السبيل التي مضت فيها اسرائيل في واقع الأمر والتي أفضت الى انشاء هذه الدولة في مسار ما زال لم يستكمل.

 

معارضة الدولة الفلسطينية

 

كانت سلسلة من الاعتبارات الثقيلة الوزن في أساس معارضة انشاء دولة فلسطينية. أحد الاعتبارات يقارن مشكلة القدس: فقد سيطر المسلمون على أرض اسرائيل والقدس أكثر من 1000 سنة، ولم يجعلوا القدس عاصمتهم قط. قطع سلطان المسلمين في أرض اسرائيل الذي بدأ مع الاحتلال العربي في القرن السابع للميلاد مدة ما بالحملات الصليبية. سيطر الصليبيون في أثنائها مدة نحو من مئة سنة على القدس نفسها وجعلوها عاصمتهم.عندما احتل القائد الكردي صلاح الدين القدس من الصليبيين، عاد الى العادة الاسلامية وامتنع عن جعل القدس عاصمته.لم يتغير الوضع عندما احتلت الدولة العثمانية أرض اسرائيل في 1517 وسيطرت على البلاد 400 سنة. لم تبلغ القدس في أثناء هذه المدة كلها الى أكثر من كونها عاصمة اقليم (سنجق)، كان في الحقيقة اقليما 'مستقلا' واشتمل فقط على جزء صغير من أرض اسرائيل. وكانت أجزاء كبيرة أخرى في نطاق أقاليم أخرى: سنجق عكا (الذي اشتمل على حيفا وصفد وطبرية والناصرة) وسنجق نابلس.عندما احتل البريطانيون أرض اسرائيل من الأتراك في 1917 في أواخر الحرب العالمية الثانية، جعلوا القدس عاصمة الدولة استمرارا على تقليد المسيحيين (الذي يشابه في هذا الشأن التقليد اليهودي). بقيت السيطرة على القدس الغربية في حرب الاستقلال في يد اسرائيل، اما البلدة الشرقية فاحتلها جيش عبدالله ملك الاردن. جعلت اسرائيل عاصمتها في القدس لكن الاردن استمرت على التقليد الاسلامي الطويل وامتنعت عن جعل القدس عاصمتها. كانت عمان وما تزال عاصمة الاردن.كان الاتفاق مع الاردن في شأن الضفة الغربية يقتضي التوصل معها الى تسوية تتعلق بالأماكن المقدسة لكن سؤال جعل القدس عاصمة الدولتين لم يثر، وكان الاختلاف أقل شدة مما هو مع الفلسطينيين. فهم يرون أن جعل القدس عاصمتهم شرط لا يتجاوز. وهكذا، لأول مرة في التاريخ، نواجه مطلب جعل القدس عاصمة الدولتين.كانت اعتبارات اخرى ثقيلة الوزن لمعارضة الدولة الفلسطينية. كان واضحا ان الفلسطينيين سيعرضون ما يسمونه 'حق العودة' في رأس سلم أفضلياتهم، وهذا المطلب يعرض وجود دولة اسرائيل للخطر. والى ذلك يوجد خوف يشك في أن يستطيع اتفاق مع الفلسطينيين (اذا احرز) ملاشاته وهو أن يطلبوا العودة الى حدود التقسيم التي أقرتها الأمم المتحدة في ذلك الوقت. وهذا أيضا مطلب ليس بعيدا من مطلب القضاء على دولة اسرائيل.من الجهة الاخرى، المساحة المخصصة للفلسطينيين، اذا حظوا بدولة، ستكون ضيقة بالضرورة، والضغط الذي سيستعملونه على اسرائيل فيما يتعلق بالمساحة وفيما يتعلق باستيعاب السكان سيأخذ في الازدياد.ينبغي أيضا أن نذكر مشكلة نزع السلاح. توافق الدول في الأكثر على نزع السلاح عن بعض ارضها. يمكن افتراض أن الأردن كانت توافق على نزع السلاح عن الضفة الغربية لو سلمت اليها. أما من وجهة نظر الفلسطينيين فان نزع السلاح عن الضفة وقطاع غزة يعني نزع السلاح عن دولتهم كلها. وحتى لو وافقوا فهنالك الخوف من ألا يفوا بذلك.إزاء هذه الاعتبارات كان يمكن افتراض أن تفعل اسرائيل كل شيء للتوصل الى تسوية مع الأردن لكن ما جرى في الواقع هو العكس. فبرغم معرفة المعطيات والأخطار فعلت اسرائيل كل ما استطاعت لتعزيز الشعب الفلسطيني ولتدفع نفسها الى وضع يكون الاختيار فيه بين دولة فلسطين ودولة ثنائية القومية.

 

ديان يوحد الشعب الفلسطيني

 

في 1948 كان الفلسطينيون مشتتين في عدة دول: في الأردن واسرائيل ومصر وسورية ولبنان. المساحة التي خصصت لدولة فلسطين بقرار الأمم المتحدة قسمت بين الأردن ومصر (التي فازت بقطاع غزة) واسرائيل. كان أفضل استيعاب للفلسطينيين في الأردن. وحظوا في اسرائيل بجنسية وحقوق تصويت لكننا لم ننجح للأسف الشديد في ادماجهم وجعلهم يشايعون الدولة. ربما كنا ننجح على السنين، لكن نشبت في تلك الأثناء حرب الايام الستة التي غيرت وجه المنطقة. احتلت اسرائيل مناطق واسعة أكثر من مساحتها الاصلية بأربعة أضعاف.لأول مرة منذ فترة الانتداب كانت أكثرية الجمهور الفلسطيني تقع تحت سلطة دولة واحدة هي اسرائيل.في الحقيقة لم تضم اسرائيل الضفة (ما عدا شرقي القدس) والقطاع، ولم يجر القانون الاسرائيلي عليهما لكن وزير الدفاع آنذاك، موشيه ديان، فتح المنطقة كلها على اتساعها، ومحيت الحدود في واقع الأمر، ومن انتقل مثلا من القدس الى بيت لحم لم يشعر بأنه موجود خارج مساحة دولة اسرائيل الرسمية.كان شعور الاتساع عند الاسرائيليين مريحا ولذيذا في السنين الاولى على الاقل لكن كان لذلك معنى عميق عند الفلسطينيين: فلأول مرة بعد عشرات السنين أمكن لقاء مريح مباشر بين سكان القطاع وسكان الضفة وعرب اسرائيل. قويت الصلة ونشأت علاقات زواج أيضا. وكان معنى ذلك تعزيز الشعور بأنهم شعب واحد ذو مطامح سياسية.كانت لكل ذلك ظواهر مصاحبة: فقد رفه ذلك على البدو في النقب. كان وضعهم الاقتصادي أفضل من وضع عرب الضفة والقطاع. وفي غضون سنوات غير كثيرة انتشرت ظاهرة تعدد الزوجات ومعها زيادة كبيرة هي الأسرع في العالم لعدد سكان البدو في النقب.وإلى ذلك اعتادت اسرائيل قوة عاملة رخيصة من المناطق. تعلم عرب المناطق معرفة اسرائيل وهو أمر استعملته المنظمات الارهابية حينما حان الوقت.

 

المستوطنات في المناطق

 

بعد حرب الايام الستة فهمت حكومة اسرائيل جيداً مشكلة السيطرة على مناطق ذات سكان عرب مزدحمين. اقترح يغئال ألون خطة تسيطر في نطاقها اسرائيل على المناطق غير الآهلة في الضفة، وتعيد الى الاردن المنطقة الآهلة. لكن حسيناً ملك الاردن لم يكن مستعداً لذلك وفشل التفاوض معه.بحسب منطق خطة ألون ربما كان ثمة مكان لاستيطان المناطق غير الآهلة بكثافة والتي لم تر اسرائيل إعادتها، لكن تبين أنه لا توجد لاسرائيل سياسة واضحة ولا يعلم أحد ما هي المناطق غير المرشحة للاعادة. وتبين ثانيا أن السيطرة على الأمر خرجت من يد حكومة اسرائيل. ففي فصح سنة 1968 استأجرت جماعة ُ يهود ٍ متديّنين فندقا في الخليل، ورفضت بعد العيد اخلاء المكان. أيد ألون، خلافاً لخطته هو نفسه هذا الاستيطان، وافضى هذا الاستيطان الى انشاء كريات أربع، في قلب السكان العرب المكتظين في منطقة الخليل.كانت تلك خطوة واحدة من كثيرات أتت بعدها حينما كان المستوطنون يبادرون وتوافق الحكومة راغبة او غير راغبة على ما تم.في مقابلة ذلك بدأت حكومة غولدا مئير تستعمل خطة الاستيطان في قطاع غزة. كان ذلك الماحا الى أنها لا تنوي اعادة القطاع الى مصر. وبقي سؤال ( ماذا نفعل بالسكان الفلسطينيين الكثيرين هناك؟) مفتوحا، وبدا أنه لم يكن لأحد علم بكيفية مواجهة ذلك. ربما لم يشاؤوا فهم وجود مشكلة.أثقل استيطان المناطق الآهلة جدا على احراز اتفاق مع الأردن. وسبب تعزيز الشعور القومي عند الجمهور الفلسطيني الذي شعر بأن اليهود يدفعونه عن أرضه.

 

رابين يرفض اتفاقا مع الحسين

 

بدأت ولاية اسحاق رابين الأولى لرئاسة الحكومة في 1974، بعد استقالة غولدا مئير من رئاسة الحكومة على أثر موجة الاحتجاجات بعد حرب يوم الغفران. في ذلك العام بدأت مباحثات في اتفاقات مرحلية مع مصر ومع الاردن ايضا.في تشرين الاول ( أكتوبر) من ذلك العام كان يوشك ان يُعقد مؤتمرُ قمة عربي في الرباط في المغرب. أراد الحسين حضور المؤتمر وفي يده إنجاز يمكنه من مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية وأن يبين أنه قادر على التوصل الى تسوية مع اسرائيل ويحظى باعادة المناطق. كان من الافكار الممكنة اتفاق فصل قوات مع الأردن يشتمل على تسليم أريحا للحسين لكن رابين كان معنيا بائتلاف مع المفدال الذي عارض بشدة تسليم أجزاء من أرض اسرائيل، ورفض الفكرة.حضر الحسين بيدين فارغتين، وقرر المؤتمر أن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثل الفلسطينيين الوحيد.في السنة التي تلت ذلك تم احراز اتفاق مرحلي بين اسرائيل ومصر، اشتمل على انسحاب من منطقة كبيرة في شبه جزيرة سيناء ونقلها الى مصر. وأزيل اتفاق الفصل مع الأردن الذي كان سينقل اليها منطقة أريحا ويعطيها موطىء قدم في الضفة عن جدول العمل في ضوء قرار الرباط وموقف رابين.كان ذلك أكبر خطأ استراتيجي لاسرائيل.بعد نحو 20 سنة في أيار (مايو) 1994 في القاهرة، وقع رئيس الحكومة رابين، في مدة ولايته الثانية في رئاسة الحكومة، على اتفاق مع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.عرف الاتفاق الذي عقد على اثر اتفاق اوسلو باسم 'غزة وأريحا اولا'، وفي نطاقه سلمت السلطة الفلسطينية غزة وأريحا التي أنشىء فيها بعد ذلك الكازينو الشهير. والسؤال ( ألم يكن أفضل من ذلك نقل أريحا قبل ذلك بعشرين سنة الى سيطرة الأردن؟) ما يزال هو بعينه.

 

اتفاق السلام مع مصر

 

في التفاوض السلمي مع مصر التقى رئيس الحكومة آنذاك، مناحيم بيغن، أنور السادات الزعيم الأكثر موهبة وحكمة في الشرق الاوسط بعد بن غوريون. وللأسف الشديد كان في الجانب الآخر من المتراس. في اتفاق السلام في 1979 نزلت اسرائيل عن سيناء كلها حتى آخر سنتيمتر وأزالت جميع مستوطناتها من هناك. وكان 'انجاز' اسرائيل الوحيد من حيث المناطق هو قطاع غزة الذي بقي في يدها. فرح السادات لخلاصه من هذه المشكلة، أما بيغن ففرح بضمها اليه. بعد ذلك بأكثر من 25 سنة بقليل، في صيف 2005 تخلت اسرائيل عن القطاع في نطاق الانفصال. والسؤال ( أما كان أفضل أن نطلب من مصر إعادة القطاع مع جميع الرزمة بدل التخلي عنه بعد ذلك لسلطة حماس؟)، بقي هو نفسه.التزمت اسرائيل أيضا في اتفاق السلام مع مصر بإنشاء سلطة منتخبة للفلسطينيين ومنحهم حكما ذاتيا. كانت تلك خطوة حادة نحو انشاء دولة فلسطينية وإن يكن الحديث في تلك المرحلة عن مشاركة الأردن في التفاوض. لم تحقق اسرائيل اتفاق الحكم الذاتي واستمر بيغن على سياسة الاستيطان. وعلى أثر ذلك ترك موشيه ديان وعايزر وايزمن حكومته.

 

شامير يرفض تفاهمات لندن

 

بعد انتخابات 1984 أنشئت حكومة وحدة وطنية بنيت على التناوب. تولى شمعون بيريس في السنتين الأوليين رئاسة الحكومة وبعد ذلك اصبح اسحاق رابين رئيس الحكومة وحل بيريس محله في وزارة الخارجية.في نيسان (أبريل) 1987 التقى بيريس الحسين وتوصلا الى تفاهمات على مؤتمر دولي تجري في اطاره اسرائيل والاردن تفاوضا في احراز اتفاق سلام كان يفترض بطبيعة الأمر أن يتناول شأن الضفة الغربية. أولى بيريس التفاهمات التي تم احرازها معنى عظيما. ربما لو كانوا استمروا على هذا المسار لنضج الأمر ليصبح اتفاقا رغم انه لا يقين من ذلك. على كل حال رفض رئيس الحكومة شامير الأمر رفضا باتا وأزيل الموضوع عن جدول العمل.

 

الانتفاضة واتفاقات اوسلو

 

في كانون الأول 1987 بعد أشهر معدودة من رفض تفاهمات لندن، نشبت الانتفاضة الأولى. استمرت سنوات وكان فيها زيادة على تأثيراتها في اسرائيل والفلسطينيين ما يضائل مطمح الحسين الى العودة الى المناطق التي أصبحت ذات شعور قومي وقدرة عسكرية. كان يبدو أن الخيار الأردني الذي أضيع في ولاية رابين الأولى قد انتهى.هكذا توصل بيريس ورابين في ولايته الثانية الى اتفاق اوسلو مع عرفات والد الارهاب الفلسطيني. عاد عرفات الذي طرد من الاردن في 'ايلول الاسود' وطرد من لبنان في حرب لبنان الاولى الى مركز المنصة مع المنظمات الارهابية. وافقت اسرائيل على انشاء دولة فلسطينية. وتم التخلي عن المبدأ الاساسي الذي أيدته بعد حرب الايام الستة.

 

نحو المستقبل

 

اقتنعت دولة اسرائيل بأنها لا تستطيع الاستمرار على الوضع الذي تسيطر فيه على مئات آلاف الفلسطينيين الذين ليست لهم حقوق مواطنة، وكان كثيرون أدركوا ذلك منذ البدء.بدا حل انشاء الدولة الفلسطينية لحينه هو الحل الأسوأ والأخطر. بقي من وجهة نظر اسرائيل بمنزلة حل صعب بيد أنه نجمت حلول أصعب منه فجأة.تلوح في الأفق 'رؤيا' الدولة الثنائية القومية وتبين أن الفلسطينيين أيضا غير متعجلين. إن الزمن الذي مر، وربما ما فعلته اسرائيل منذ الأيام الستة، لم يكونا في صالحها. ربما كان الزمن في صالحهم، من وجهة نظر المطامح الفلسطينية.تواجه اسرائيل مرة أخرى قرارا (إن عدم الفعل أو تجميد الوضع الراهن هما بمنزلة قرار أيضا).دلت التجربة منذ حرب الايام الستة على أنه عندما تواجه اسرائيل في هذا الشأن عدة إمكانات، فانها تحرص بغير شذوذ تقريبا على اختيار الامكان الأسوأ لها. يجب أن نؤمل ألا يكون هذا إشارة الى ما يأتي في المستقبل.

 

يديعوت 24/9/2010

 

لصوص عربات اليد

 

صحف عبرية

 

2010-09-24

 

أتذكرون حكاية العامل السوفييتي الذي كان يخرج كل يوم مع نهاية العمل مع عربة يد، ويفتش عند الخروج ويوجد نقياً، وتبين في النهاية أنه سرق طوال السنين من المصنع جميع عربات اليد ببساطة؟هذا بالضبط ما يفعله افيغدور ليبرمان بالمجتمع الاسرائيلي. فهو أيضا لا يضيع أية فرصة للجري مع عربة يد فارغة وليحرض على مواطني اسرائيل العرب، فما إن بدأت محادثات السلام المتلعثمة وما زال لم يحدث شيء حتى قفز مع شعار انه يجب طرد العرب غير المخلصين للدولة.وكالمتوقع بدأ الساسة العرب يشاجرونه على الفور. نحن كنا قبله، يقولون، وهو مستوطن ومهاجر جديد، والعرب هم الذين أنفقوا على استيعاب الروس، وغير ذلك. أحرز ليبرمان غايته: فالعرب يصرحون تصريحات شديدة، واليهود في ذعر، ومحادثات السلام التي لم تعد تشغل أحداً تنسى، وليبرمان الذي كان في الماضي الهامش الحالم، يقترب خطوة أخرى الى مركز الوعي الشرعي. لكن ليس العرب هم الذين يهمون ليبرمان بل المجتمع اليهودي الذي يريد تغييره من الأساس. لنفرض أننا نمضي معه حتى النهاية فنرمي بحنين الزعبي الى غزة، ونرسل محمد بركة وأحمد طيبي الى ليبيا او السعودية، ليفهموا مرة واحدة والى الأبد ما هي حرية التعبير، ونبقي في اسرائيل فقط العرب الذين يقفون صمتاً في يوم الذكرى وينشدون نشيد 'الأمل' بأعلى صوت ويحدثون الجميع عن المعجزة التي حدثت لهم في 1948.ستنشأ عندنا آخر الأمر دولة يهودية كاملة طاهرة (وفي أثناء ذلك ايضا سينجح ايلي يشاي في طرد جميع الأجانب وتهود المؤسسة الدينية جميع المهاجرين)، ويكون من الممكن التفرغ للشيء الحقيقي. من أراد أن يتخيل ما الذي يجري الحديث عنه، فلينظر الى روسيا فلاديمير بوتين، وسيدرك من أين يستمد ليبرمان إلهامه. قد لا يوجد العرب لكن شعار 'لا مواطنة بلا ولاء' سيقوى فقط وسيعرف ليبرمان ورفاقه 'الولاء' كما يعرفون 'القومية' و'اليسارية'.إن العرب هم خطة ليبرمان المحكمة لصرف الانتباه، وكما هي الحال في تلك الحكاية سنستيقظ نحن ايضا ذات يوم لنرى فجأة أن مصنعنا قد سرق في وضح النهار بموافقتنا التامة وأنه فارغ تماما.

 

أعداء السلام.. ضد اسرائيل والغرب ايضا

 

بن درور يميني

 

2010-09-24

 

الاتحاد الاوروبي كجهة، والدول الاوروبية كل على حدة، تمول سلسلة طويلة من الجمعيات التي تعنى بالنزاع الاسرائيلي الفلسطيني. معظم هذه الهيئات ليست 'منظمات سلام'، مثلما تسمى على سبيل الخطأ. يدور الحديث عن احتكار ضخم لهيئات تعنى بتخليد النزاع. الخطاب تغير. انقضى زمن عصر 'منظمات السلام'. ونحن في عصر 'منظمات الحقوق'. بشكل مباشر وغير مباشر، فان قسما كبيرا من هذه الهيئات تعنى بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين. بعضها حقوق جديرة بالدفاع، بعضها حقوق عابثة. على رأسها، بالطبع 'حق العودة'. لا يوجد حق كهذا. فهو لم يتحقق ولم يعترف به، على المستوى السياسي، في أي مكان تقريبا، وبالتأكيد ليس أداة لتصفية دولة قومية قائمة. ولكن هذا لا يمنع هذه الهيئات من الانشغال بطرح هذا الخيال في رأس المطالب الفلسطينية. لنفترض ان شيئا ما سيخرج من المحادثات بين نتنياهو وابو مازن. لنفترض أن المسيرة تتقدم، والضغط الامريكي يعطي ثماره، وتبدأ الانباء عن الاتفاق المتبلور بالتسرب الى الخارج. يمكننا أيضا أن نفترض بان نتنياهو الاكثر اعتدالا وابداعا لن يسير ابعد من صيغة كلينتون (نحو 95 في المئة من المناطق تعاد الى الفلسطينيين، القدس تقسم على اساس ديمغرافي، مشكلة اللاجئين تحل بجهد دولي)؛ او عن اقتراحات اولمرت (التي لا تختلف كثيرا)؛ او حتى عن اتفاق جنيف الذي في اساسه هو دولتان للشعبين. ماذا سيحصل عندها؟ شبكة هائلة من منظمات الحقوق ستقوم بالضبط بما تقوم به في السنوات الاخيرة: ستصرخ صرخة كبرى ضد التسوية، لانها 'تسحق حقوق الشعب الفلسطيني' وعلى رأسها 'بالطبع' الحق في تصفية دولة اسرائيل من خلال حق العودة. يجب الانتباه الى معطى هام آخر: من كل الهيئات العاملة اليوم في اسرائيل في مجال النزاع، بقيت هيئات قليلة، ربما اثنتان، تعنى بالجانب السياسي للنزاع: السلام الان ومبادرة جنيف. هاتان الهيئتان تؤيدان وجود دولة اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. معظم الهيئات الاخرى، بقدر ما تدعم تسوية الدولتين لا تعترف بسياق الشعار ـ للشعبين. هذه الهيئات هي جزء من الامبراطورية الجديدة التي تتشكل من هيئات دولية رسمية، مثل مجلس حقوق الانسان للامم المتحدة في جنيف، مثل المجلس الاقتصادي للامم المتحدة ومثل عدد لا يحصى من هيئات 'حقوق الانسان'. بقدر ما يدور الحديث عن الاغلبية التلقائية التي توجد لدول غير ديمقراطية في الهيئات الدولية فان هذه قصة حزينة من ناحية العالم الحر. بقدر ما يدور الحديث عن هيئات حقوق الانسان، فإن التماثل مع الاغلبية المظلمة هذه مأساوي. وذلك لانه بالفعل يوجد كشف عن المس بحقوق الانسان في سورية او ليبيا. ولكن طوعا للتوازن يدور الحديث عن ضريبة كلامية بائسة. عمليا، الكثير من هيئات حقوق الانسان في الغرب اصبحت الذراع الطويلة لهيئات دولية توجد فيها اغلبية مظلمة. كيف حصل هذا؟ وبالفعل، الغرب نفسه يمول شبكة هائلة من المنظمات غير الحكومية. التمويل، بشكل عام هو لمشاريع تتخذ صورة الدفاع عن حقوق الانسان. اما عمليا، فللأغلبية المطلقة من هذه الهيئات توجد أجندة سياسية راديكالية، بل واحيانا مناهضة للغرب. من جهة اخرى، كثيرون في الغرب يعيشون وهما في أن حل النزاع في الشرق الاوسط سيؤدي الى انتهاء الصراع الذي بين الغرب والشرق. هذا بالطبع وهم. وذلك لان رجال طالبان لا يعرفون اين اسرائيل على الخريطة، ومن يطلب فرض الشريعة في بريطانيا لن يصبح ليبراليا اذا ما تحقق سلام في الشرق الاوسط. ولكن لنفترض ان هذا النهج محق. اذا كان كذلك، فالهدف هو حل النزاع. غير أن ذات الغرب يمول سلسلة طويلة من الهيئات التي تشارك اليوم في نشاطات تمنع كل تسوية سوية العقل. لنأخذ مثلا هيئة مثل 'الحق'، الجمعية الفلسطينية التي يفترض بها أن تعنى بحقوق الانسان. هذه الهيئة تدعمها السويد، هولندا وكندا. الاتحاد الاوروبي نفسه، يؤيد، منظمتي عدالة ومساواة. هذه الهيئات تعلن على رؤوس الاشهاد تأييدها لحق العودة. فهل هذه الهيئات ستجند الرأي العام العربي، او العالمي، في صالح اتفاق السلام أم ضده؟الاتحاد يدعم عشرات الجمعيات الاسرائيلية التي تعنى بالنزاع بينها هيئات مثل 'اللجنة ضد هدم المنازل'، التي يترأسها جيف هالبر. ويتجول هالبر في العالم وينشر ترهات ليس فقط ضد اسرائيل بل وضد الرأسمالية العالمية. وحتى مبادرة السلام السعودية يرى فيها هالبر 'محاولة لتضليل الجماهير العربية'. وبرأيه، فان الزعماء الغربيين يستجدون اسرائيل حقا لتصبح قوة اقليمية، وذلك لتعميق سيطرتها على الجماهير العربية المقموعة. واضافة الى ذلك، فان الهيئة التي يترأسها هالبر تدعم بشكل علني ومكشوف الـ BDS (مقاطعة اسرائيل) وحق العودة. ورغم ذلك، فان هذه الهيئة الراديكالية تحظى بدعم الاتحاد. يمكن لنا ان نستمر. القائمة طويلة. هيئة اخرى ومنظمة اخرى وكلها تعمل لتنمية اوهام عابثة وتشجع الفلسطينيين، على هذا المستوى او ذاك، على الاصرار على 'حق العودة'، او تعميق المقاطعة، او ضد كل حل وسط فلسطيني في موضوع الاعتراف باسرائيل. بتعبير آخر. هذه ليست منظمات سلام، بل منظمات رفض للسلام. هذه الهيئات، التي هي في معظمها اعداء للسلام، يدعمها الاتحاد الاوروبي و / او الدول الغربية. يدور الحديث عن شبكة هائلة ومعقدة من المنظمات. لا يوجد بينها اتصال دوما. وليس دوما كل اهدافها متماثلة. ولكن يوجد قاسم مشترك: المعارضة الايديولوجية للتسوية التي تقوم على اساس الدولتين للشعبين. احدى الهيئات الاكبر هي BDS. يدور الحديث عمليا عن اخطبوط متعدد الاذرع، تدعمه عشرات المنظمات الاخرى. الاتحاد الاوروبي، او الدول الغربية، لا تمول بشكل مباشر الـ BDS بل انها تمول هيئات عديدة تدعمها. والاخطر من ذلك، فان هدف الـ BDS ليس نهاية الاحتلال، الهدف هو نهاية اسرائيل. قادة ونشطاء الـ BDS يتجولون في العالم ويتحدثون عن حقوق الانسان، عن الديمقراطية والمساواة. غير أن هذه احدى الخدع الكبرى في العقد الاخير. فهم يتحدثون الانكليزية الممتازة، بلغة مقنعة. اما عمليا، فهم يعارضون حل الدولتين. كل ما تقوله القاعدة، حماس واحمدي نجاد بلغة ضحلة يقولونه بلهجة منمقة. فهم يوضحون، بشكل لا لبس فيه انهم ضد 'العملاء' الذين سيتوصلون الى تسوية سلمية. هذا ما تقوله حماس. هذا ما يقوله قادة الـ BDS . 'نهاية الاحتلال لن تكون نهاية كفاحنا'، يعلن عمر البرغوثي، من قادة الحركة. بشكل مفعم بالمفارقة، البرغوثي هو طالب في جامعة تل ابيب، الذي يسعى بالطبع الى مقاطعتها. لنعد الى الامل. شيء ما رغم كل المصاعب، سيتبلور في المحادثات. وليست حماس وحدها ستحاول المس بالاتفاق، من خلال الصواريخ، الاستفزازات وضعضعة الانظمة العربية. وليس فقط أحمدي نجاد وحزب الله سيكونان هناك بل مئات منظمات الرفض، التي تتخذ صورة 'منظمات حقوق'، ستقف على ساقيها الخلفيتين كي تجعل الاتفاق 'استسلاما' وكي تدعي بان ابو مازن هو 'عميل'. وهم لن يسمحوا لاي اتفاق فيه اعتراف بدولة اسرائيل بالتحقق. رجاء لا تستخفوا بهذه الهيئات. تأثيرها ليس هامشيا. يدور الحديث عن شبكة مع قوى لوجستية هائلة. مؤخرا فقط نجحوا في ان يمرروا قرارا بالمقاطعة ضد اسرائيل في الاتحادات المهنية البريطانية. الدول الغربية، ولا سيما دول اوروبا والاتحاد الاوروبي، تمول حملة الرفض. هذه حملة لتخليد النزاع. حماس واحمدي نجاد لم يحلما في أن يمول الغرب حملتهما الدعائية. هذا فصل آخر في سخافة العالم الحر. العالم الحر يدفع الثمن ايضا. بكل ما تعنيه الكلمة.

 

تعقيب ممثلية الاتحاد الاوروبي في اسرائيل

 

التمويل من الممثلية الاوروبية يدعم مشاريع محددة في مواضيع محددة (كدعم حقوق الانسان او العناصر التي تعمل على تقدم المسيرة السلمية). ويدور الحديث عن مشاريع مقررة حسب خطوط توجيه تحددها سياسة المساعدات الخارجية للممثلية. الممثلية الاوروبية لا تمنح دعما ماليا للمنظمات بصفتها هذه بل مشاريع معينة ومحددة جيدا. الاتحاد الاوروبي يقيم منحه على أساس معايير عامة راسخة. المنظمات غير الحكومية التي تلقى مشاريعها الدعم من الممثلية الاوروبية ملزمة بان تفي بكل قواعد وانظمة الممثلية، وبشكل عام تعمل بشكل ينسجم والقيم الديمقراطية للاتحاد الاوروبي. لا يعني هذا ان سياسة الاتحاد الاوروبي يجب أن تجد تعبيرا ثابتا لها في كل تصريحات هذه المنظمات. عمليا، الممثلية تطلب ادخال عبارة في كل نشر في اطار المشاريع المختلفة يعلن بان مضامينها لا يمكن أن تفسر في أي حال كمضامين تعكس موقف الاتحاد الاوروبي.الاتحاد الاوروبي يدعم دعما كاملا تعدد الاراء وحق التعبير، طالما كان الامر يتطابق ومبادئه الديمقراطية الاساسية. المعلومات عن التمويل يمكن ايجادها في موقع الانترنت للممثلية.

 

معاريف 24/9/2010

 


 

مارتن شلاف

 

زعماء إسرائيليون حصلوا على ملايين الدولارات من الملياردير شلاف..

 

07/09/2010  08:14

 

كشف تحقيق أجرته صحيفة "هآرتس" أن المياردير اليهودي النمساوي مارتن شلاف قام بتحويل ملايين الدولارات إلى أعلى المستويات القيادية في إسرائيل، بضمنهم أرئيل شارون وإيهود أولمرت وأفيغدور ليبرمان وأرييه درعي.وأشار التحقيق، الذي سينشر بكامله يوم غد الأربعاء، إلى أن شلاف قام بتحويل 4.5 مليون دولار لحسابات عمري وغلعاد شارون، أبناء رئيس الحكومة الأسبق أرئيل شارون، وذلك استنادا إلى النتائج التي توصل إليها طاقم التحقيق التابع لما يسمى بـ"وحدة التحقيقات القطرية في الجرائم الدولية"، والذي استكمل مؤخرا تحقيقا بدأه في العام 2003.وقد أوصت لجنة التحقيق التي يترأسها الضابط ناحوم ليفي بتقديم شلاف إلى المحاكمة بتهمة تقديم الرشوة، إضافة إلى تقديم غلعاد وعمري شارون إلى المحاكمة بتهمة الوساطة لدفع رشوة. وتم تقديم الملف إلى النيابة العامة لكي تقوم بوضع لوائح اتهام استنادا على الأدلة الموجودة في مواد التحقيق.وبحسب ليفي فإن الحديث عن قضية فساد من أخطر القضايا التي تعالجها وحدة التحقيقات القطرية في الجرائم الدولية، والتي تشير إلى تحويل ملايين الدولارات لحساب عائلة شارون. وقال إنه جرى تحويل الأموال من دولة إلى دولة من أجل طمس الجريمة.كما يكشف التحقيق عن أسماء أخرى وصفت بأنها "تمتعت من التقارب مع شلاف"، وحصلت على الملايين منهم. وكان من بينهم رئيس "شاس" سابقا، أرييه درعي، الذي حصل على مئات آلاف الدولارات لتمويل تكليف محام للدفاع عنه في قضية رشوة في العام 2000. تم تحويل قسم منها إلى جمعية "الصندوق من أجل الدفاع القضائي"، وجمعية "جيسلو" التي تديرها عائلة شلاف في نيويورك، وجرى لاحقا تحويل هذه الأموال إلى إسرائيل.كما تبين أن الجمعية الأمريكية حصلت على مبلغ 50 ألف دولار، كتبرع من أجل تمويل الدفاع القضائي عن إيهود أولمرت في قضية "فواتير الليكود" والتي جرت تبرئته منها لاحقا. وكان الأموال قد جرى تحويلها تحت ستار "دعم أهداف يهودية".كما يشير التحقيق إلى حصول لويز فايسغلاس، على مبلغ 280 ألف دولار تحت ستار "تقديم استشارة" خلال عامي 2001 – 2002، وتبين أن الأموال معدة لزوجها المحامي دوف فايسغلاس، الذي كان يشغل في حينه منصب المستشار القضائي للشركة التي تفعل كازينو أريحا، علما أن الأموال تم سحبها، ضمن ملايين من الشركة نفسها التي تقوم بتفعيل الكازينو.ويتناول التحقيق أيضا تحويل مبلغ 650 ألف دولار، في آب/ أغسطس 2001 من شركة يملكها شلاف إلى شركة قبرصية يملكها وزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان، والذي كان يشغل في حينه منصب وزير البنى التحتية في حكومة شارون.

 

 

زمن فك الارتباط

 

جدعون ليفي

 

2010-09-12

 

بعد النجاح (المحدود) لفك الارتباط عن غزة، حان الآن الأوان لفك ارتباط آخر: ذاك الذي سيحرر اسرائيل من قيود التأثير السيىء والمفسد للاثرياء اليهود. أحد الاستنتاجات التي تنشأ عن التحقيق المثير والشامل لـغيدي فايس عن مارتن شلاف وأفعاله في اسرائيل، والذي نشر في 'هآرتس' عشية رأس السنة، هو أن ضرر أغنياء الطائفة اليهودية في العالم الذين ينبشون في اسرائيل يفوق أحيانا منفعتهم.شلاف ليس الاخطبوط اليهودي الأول ولا الأخير الذي يرسل الينا أذرعه الطويلة: فقد شكلت اسرائيل منذ بدايتها ملعبا للاثرياء اليهود، الذين لم يفكر معظمهم أن يعيشوا فيها، بل أن يفعلوا فيها عن بعد، من خلال أموالهم.صحيح أن إقامة الدولة أتيحت، ضمن أمور أخرى، بفضل المال اليهودي الذي تدفق الى هنا منذ عهد 'السخي الشهير' فلاحقا، ولكن الدولة القوية والراسخة كاسرائيل يجب أن تعرف كيف تفك ارتباطها عن هذا العناق المالي. لشخصيات مثل شلاف، رون لاودر، ادغر برونفمان، شيلدون أدلسون، اريفينغ موسوكوفيتش، ميشولام ريكلس، أري غينغر وأمثالهم معروف أن تأثيرهم شديد جدا. بعضهم ينبش هنا كي يزيدوا مالهم، في ظل استغلال الامتيازات التي تغدقها عليهم اسرائيل، آخرون يستثمرون هنا لدوافع صهيونية مشروعة. ولكن غير قليل منهم يفعلون ذلك كي يتسلوا بألعاب القوة، في دولة تسمح لهم بذلك. يبدو أنه لا توجد دولة غربية ينبش فيها مواطنون أجانب بهذا القدر؛ ولا توجد دولة أخرى أبواب زعمائها مفتوحة على مصراعيها أمامهم بهذا الشكل، فقط بفضل أموالهم. مثل هذا الأمر لا يوجد إلا في دول العالم الثالث، التي تدعي اسرائيل انها لا تنتمي اليها. كما أن لرقصة التانغو الفاسدة هذه هناك حاجة الى شريكين. الى جانب الاثرياء اليهود الذين أرادوا النبش، كان السياسيون الاسرائيليون الذين استجابوا بحماسة لا تطاق لمغازلاتهم. فخلف كل سياسي اسرائيلي ناجح تقريبا يقف ثري يهودي، ولا سيما منذ انتهاج الانتخابات التمهيدية في الأحزاب؛ وخلف كل ثري يقف سياسي مدلل له. انبطاح بعض السياسيين امام هؤلاء الاثرياء هو مشهد مخجل. مكاتبهم مجندة للتزلف للثري.الحجيج اليهم والى دلال الحياة التي يعرضونها على السياسي المرعي خاصتهم لا يطاق. تأثيرهم من شأنه أن يكون فاسدا ومفسدا، حتى لو لم تكن لذلك مظاهر جنائية. تحقيق فايتس يصب غير قليل من الضوء علينا وعلى حياة نخبنا أكثر مما يصبه على شلاف، بطل تقريره.اقرأوا كيف تجندت المنظومة من أجل اقامة كازينو في أريحا: فجأة يمكن التعاون مع الفلسطينيين، ولكن فقط من أجل اثراء صندوق الثري وبعض من رعاياه المحليين.أدلسون يصدر صحيفة، موسكوفيتش يبني مستوطنات، لاودر تفاوض باسم رئيس وزراء اسرائيل، ريكلس ساعد على شراء مزرعة وغينغر ساعد على تمويل محاكمة ضد التشهير. مؤيدون لليمين جميعهم، ولكن كان لليسار ايضا أثرياؤهم الخاصون، وان كان عددهم وتأثيرهم أقل بكثير. عندما يمول موسكوفيتش مستوطنات يدفع ثمنها الاسرائيليون، وليس هو، فانه ينبغي ابعاده عن هنا.بالضبط مثلما هي المنفعة الناشئة لاسرائيل عن النشاط الساحق وذي نزعة القوة للوبي اليهودي في الولايات المتحدة مشكوك فيها جدا، لدرجة أنه منذ زمن بعيد يبدو أنه كان من الأفضل لاسرائيل لو أنه اختفى، هكذا ايضا يجب الان طرح السؤال عن المال اليهودي الذي يتدفق الى اسرائيل من اولئك الذين يختارون ألا يعيشوا فيها: هل يفعل الخير لطريقها، أم ربما يشكل مدخلا لتعفن هدام؟ تحقيق 'هآرتس' عن شلاف أثبت كم يمكن أن يكون مفسداً سبيل الثري اليهودي في لقائه مع السياسي الاسرائيلي.وعليه فقد حان الوقت للشروع في فك الارتباط. الباب للمستثمرين الاجانب ولمساهماتهم يجب بالطبع أن يبقى مفتوحا على مصراعيه، ولكن على اسرائيل ان تقول لاخوانها اليهود: من حقكم ان تحاولوا التأثير ولكن لا أن تشتروا السياسيين. يكفينا المال السلطة من انتاج البلاد، ولا حاجة لنا أيضا بعلاقات مال (يهودي) سلطة (اسرائيلية). انبشوا في بلدانكم، ايها الاثرياء، ارفعوا ايديكم عن سياسينا: انفصلوا، أيها السياسيون الاسرائيليون عن الاغراءات المفسدة للاثرياء. زمن فك الارتباط حان.

 

هآرتس 12/9/2010

 

عندما يكون القاضي هو الديك

 

عميرة هاس

 

من هو الأفظع:

 

 الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة أم الاجراءات التي فرضت على

 

 الفلسطينيين سكان القدس الشرقية وجعلتهم محتاجين للإغاثة؟

 

2010-09-12

 

خريجو المخابرات يتباهون بالأمثلة العربية ويتبجحون بأن هذا هو السبيل لكسب ود المحاور العربي. من يسمع هذه الأقوال لا يخطىء وذلك لأن الأمثلة التي تعلمتها في مدرستي للعربية قليلة. أحد الأمثلة تعلمته من أحد القرويين الكثيرين الذين تلقوا أوامر مصادرة أراضيهم. فقد جلس في مدخل بيته ووجهه كوجه من يسير في جنازة. 'أمام من ستشكو ذرة الطحين، عندما يكون القاضي هو الديك؟' أجاب على سؤالي الغبي عما سيفعل. هذا مثل موصى به، حين تنفذ كل الكلمات. مثلا، في المحكمة العسكرية التي تدين وتحبس المتظاهرين ضد سلب الأراضي، مثل أديب وعبدالله ابو رحمة. المثل الذي يكثرون من اقتباسه والذي يقول شيئا مثل 'من يعش 40 يوما بين القوم يصبح مثلهم'، ليس دقيقا. لسنوات اعتقدت أنه لا يوجد أسوأ مما في غزة، بل وتجادلت مع صديقة تقول أن أصعب الأمور هو أن يكون المرء الفلسطيني مواطناً اسرائيلياً بسبب الحياة في محافظات النكبة، وبسبب العنصرية اليومية التي تختبىء وراء الديمقراطية.ولكن منذ أكثر من سنة وأنا أتردد بين غزة والقدس. بمعنى أترنح في السؤال من هو الأفظع: الانقطاع والعزلة التي فرضتها اسرائيل على غزة (والتي تضمنت الانقطاع عن مصادر المياه في كل البلاد وقطع العلاقات الثقافية، الاجتماعية والعائلية للسكان مع أبناء شعبهم)، أم التهكم الذي حول فيه مقررو السياسة وموظفوهم سكان شرقي القدس الى محتاجين للاغاثة بل ويتباهون بمخصصات التأمين الوطني التي يعطونها لهم؟زيارة الى العيسوية حسمت الأمر: قمامة في الشارع، شوارع ضيقة بسبب اضافات البناء بالقرصنة والتي تفرضها محظورات البناء ومصادرة الاراضي الشاغرة كل هذا من تحت أنف الجامعة العبرية والتلة الفرنسية الفارهة الواسعة المثقفة جدا.جاء تقرير جديد لجمعية حقوق المواطن، ليعزز استنتاجي. وهو يسمى 'مجال غير محصن فشل السلطات في حماية حقوق الانسان في مناطق المستوطنات وفي القدس الشرقية'، ويقوم على اساس شهادات، تقارير صحافية وتقارير رسمية، وموضوعه فقدان الأمن الشخصي والجماعي في الاحياء الفلسطينية المقدسية، حيث في قلبها استقرت على مدى نحو 30 سنة محافل معادية مستوطنون مدعومون من أصحاب المليارات وجمعيات دينية وأثرية.نحو ألفين من المستوطنين ـ ولا تزال اليد ممدودة ـ يعيشون في نطاقات محصنة ومحمية، داخل أحياء فلسطينية مثل سلوان، الشيخ جراح والحي الاسلامي، التي صممتها اسرائيل حسب الاحصاءات التالية: 65.1 في المئة تحت خط الفقر مقابل 30.8 في المئة من السكان اليهود في المدينة؛ 47.4 في المئة من الاطفال تحت خط الفقر، مقابل 45.1 في المئة بين السكان اليهود؛ ألف صف تعليمي ناقص؛ 50 في المئة تساقط من المدارس؛ 24.500 دونم أرض خاصة أكثر من ثلث الارض التي ضمت الى القدس صودرت من اصحابها الفلسطينيين، واكثر من 50 الف وحدة سكن بنيت عليها لليهود فقط. السلطات، التي تمنع البناء والتطوير عن الفلسطينيين، تخصص لليهود أراضيَ مفتوحة وشاغرة ليس فقط خارج المناطق المأهولة، بل وأيضا في وسطها، سواء لايقاف السيارات او لحدائق التسلية، للحفريات الاثرية، او البناء. ولما كان الحديث يدور عن جيران ذوي حقوق زائدة، فان الاحتكاكات محتمة ووزارة الاسكان والبناء تخصص لليهود لحمايتهم مئات الحراس المسلحين، على حساب الجمهور (نحو 54 مليون شيكل في 2010). عندما يشكو الفلسطينيون في الشرطة عن أعمال التنكيل، فانهم يكتشفون أن الموقف منهم هو كالموقف من المشبوهين. وعندما يستدعون الشرطة فانهم يشعرون بأنها لا تسارع. وعندما تحقق بالشبهات بالاضرار بالجسد وبالنفس من جانب اليهود فان الملفات تغلق بسرعة. وهكذا فإنهم يتركون لمصيرهم أمام نزعة القوة والسيادة من الغزاة المبعوثين من الجانب الآخر. الخليل ويتسهار ومعون في قشرة قنبلة متفجرة.الحراس، الذين تشغلهم شركة خاصة، يعتقدون أنه في اطار أداء مهامهم مسموح لهم أيضا ان يضربوا، ان ينكلوا وأن يطلقوا النار. الناس الذين تنتشر مجالاتهم المحصنة هذه في أوساطهم يخافون عند خروجهم ودخولهم. أقرباء للعائلة والاصدقاء يفكرون مرتين قبل أن يأتوا للزيارة. كما ان الضجيج من كل الانواع يميز هذه المجالات: حفريات لأغراض البحث الأثري تستمر حتى ساعات الليل؛ رقص وتهليل يترافقان وهتافات لاسامية، 'إخص'، لا عربية.التقرير رفع الى عناية الشرطة ووزارة البناء والاسكان. المستشار القانوني للشرطة. المحامي روني ليفوفيتش، طلب من الجمعية تأخير النشر كي يتمكن من فحص كل حالة على حدة. سبعة ايام لا تكفي لفحص جدي، كتب يقول. ومع ذلك، في نظرة أولى قرر أن التقرير 'يصف الواقع بشكل جزئي بل واحيانا بشكل مغرض... وهو يتناول بشكل متسامح أحداث عنف خطيرة وقعت في قرية سلوان، بأعجوبة فقط انتهت دون ضحايا في الأرواح، مثلما في اطلاق النار الحية الذي قامت به خلية مخربين، أعمال الشغب الجماهيرية، القاء الزجاجات الحارقة والحجارة، القضبان الحديدية والأغراض الضارة نحو قوات الأمن...' وكذا، على حد قوله، الشكاوى من المعالجة المخلولة للشرطة تقوم كلها على أساس 'شهادات من حقق معهم كمشبوهين في هذه الاحداث، ما من شأنه بالطبع أن يؤدي الى طرح صورة للأمور بشكل متحيز'.اريئيل روزنبرغ، الناطق بلسان وزارة الاسكان والبناء، والذي يرد ردا باتا الادعاءات بأن الحراس ينكلون بالفلسطينيين ويثني على مهنيتهم وعلى التوجيهات التي يتلقونها في ابداء ضبط النفس والتجلد كتب يقول: 'في السنة الماضية طرأ تفاقم كبير في الوضع في المنطقة موضع الحديث، والحراس يشهدون أعمالا ً معادية متطرفة'.

 

هآرتس 12/9/2010

 

 

علاقة معقدة تربط فلسطين بالاردن

 

صحف عبرية

 

2010-09-08

 

مشاركة الملك عبدالله الثاني، ملك الاردن، في قمة واشنطن، الى جانب الرئيس مبارك وزعماء الولايات المتحدة واسرائيل والفلسطينيين، بدت مفهومة من تلقاء ذاتها: الاردن، مثل مصر ايضا، سبق أن وقعا على معاهدتي سلام مع اسرائيل، وهما يأملان في أن تنضم اليهما جهات اخرى في العالم العربي، ولا سيما الفلسطينيون. غير أن الصلة بين الاردن والفلسطينيين مركبة جدا، شهدت مواضع صعود وهبوط، وذروة التوتر بينهما كانت الصراع الدموي الذي قتل فيه الالاف وربما عشرات الالاف، في ما سمي بـ 'ايلول الاسود'. كان هذا قبل أربعين سنة. استدعيت للاحتياط في 19 ايلول ( سبتمبر) 1970، بعد يوم من اجتياح الدبابات السورية للاردن. شرحوا لي بأنه بدأت حرب بين سورية والاردن، واسرائيل ستقف الى جانب الاردن. قبل ثلاث سنوات فقط من ذلك قاتلنا ضد الاردن، قبل سنتين من ذلك فقط كانت عملية الكرامة ضد الاردن، وفجأة تجدنا نغير الاتجاه؟ يتبين ان نعم. الاردن يقاتل في سبيل حياته والامريكيون طلبوا منا ان نساعده. بعد نحو اسبوع سرحت دون ان يحتاج الجيش الاسرائيلي الى خدماتي. كان هذا دوري المتواضع في احداث ايلول (سبتمبر) اياه. معظم اللاجئين الفلسطينيين وجدوا أنفسهم تحت حكم الاردن في 1948. فقد هربوا الى الضفة الغربية بل ووصل بعضهم الى الضفة الشرقية. الملك عبدالله، الذي سيطر على الضفة الغربية للاردن واراد جدا ان يضمن تواصل حكمه فيها، منح الجنسية الاردنية لكل الفلسطينيين، وكان هدفه استيعابهم في مملكته. لم يمنح أي زعيم عربي آخر الجنسية للاجئين. عندما اقامت بعض الدول العربية، وعلى رأسها جمال عبدالناصر، منظمة التحرير الفلسطينية، عقب الملك حسين على ذلك بتحفظ شديد. معنى الامر، من ناحيته، كان محاولة فلسطينية لقطع الضفة الغربية عن الشرقية. وفقط بعد أن تلقى الشروحات والوعود من العالم العربي، اعطى موافقته على اقامة المنظمة في شرقي القدس، في 1964. ولكن م.ت.ف انشغلت بدولة فلسطينية من البحر الى النهر. بحيث أن المواجهة مع الاردن كانت محتمة. وشخصت م.ت.ف ضعف النظام، اقامت جيشا خاصا بها (نحو 15 الف رجل)، وقف في الحواجز، وسيطرت على مناطق في شمال الضفة الغربية وعلى مخيمات اللاجئين الفلسطينية قرب الحدود السورية، اقامت جهازا قضائيا خاصا بها وتحدت السيادة الهاشمية. جعلت المنظمة الاردن قاعدة للارهاب ضد اسرائيل. اسرائيل اتهمت الاردن، وكانت الذروة في عملية الكرامة في اذار (مارس) 1968، ضد قاعدة م.ت.ف في الاردن، والتي خرج منها عرفات على قيد الحياة. جموع المتطوعين انضموا الى المنظمات الفلسطينية في اعقاب العملية، وصعدت م.ت.ف استفزازاتها حيال الحسين وحكومته.الملك فهم بان الصراع مع م.ت.ف هو على مجرد وجود المملكة الهاشمية ولكنه حاول الوصول الى تفاهم. مفاوضات طويلة مع قادة المنظمة الفلسطينية انتهت في تشرين الثاني ( نوفمبر)، باتفاق تتخلى فيه م.ت.ف عن الحكم الذاتي الذي اخذته لنفسها في الاراضي الاردنية.غير أن شيئا لم يحصل. في اثناء 1969 تدهور الوضع، وفي بداية 1970 اقترب الحسين من اليأس. سافر الى الولايات المتحدة وطلب المساعدة ضد محاولة السيطرة الفلسطينية على بلاده. فحص امكانية الوصول الى اتفاق مع اسرائيل، ولكن لم يكن بوسعه أن يقبل المطالب الاسرائيلية. سافر الى مصر، التقى بناصر وحاول اقناعه بان سيطرة م.ت.ف على الاردن لن تخدمه. ناصر لم يقتنع. في شباط (فبراير) 1970 نشر الحسين أمرا يحظر على المنظمة القيام بنشاطات سياسية في الاردن. أما هذا فببساطة لم يؤثر على م.ت.ف . ولكن في الصيف وقع شيء خلق قاسما مشتركا بين مصر والاردن: كلاهما وافقا على مبادرة وزير الخارجية الامريكية، وليم روجرز، لوقف النار مع اسرائيل. في م.ت.ف قرروا اسقاط الحسين. في 1 ايلول (سبتمبر)، قاموا بمحاولة اغتيال فاشلة له. بعد خمسة ايام من ذلك أنزلوا في مطار الزرقاء ثلاث طائرات غربية واخذوا مسافريها كرهائن، لإحراج الحسين. كما أنهم ' حرروا' منطقة اربد.الملك فهم بأن السبيل الوحيد من ناحيته هو الحرب ضد م.ت.ف . في 16 ايلول (سبتمبر) عين حكومة جنرالات، وفي الغداة شرع في صراع عديم الرحمة. صراعه اصطدم بمقاومة عنيدة. م.ت.ف طلبت المساعدة من سورية وهذه بعثت بمئات الدبابات الى داخل الاردن.هنا دخلنا نحن في الصورة. طائرات اسرائيلية حامت فوق قافلة الدبابات للاشارة بأن في وسعنا أن ندمرها. السوريون فهموا الرسالة وبعد ثلاثة ايام من التضامن مع م.ت.ف عادت الدبابات الى قواعدها. كان هذا انتصارا مضرجا بالدماء للحسين، قـُتلت فيه الاف عديدة. في 27 ايلول (سبتمبر) 1977 عقد في القاهرة احتفال للتوقيع على اتفاق بين الحسين وم.ت.ف شعر فيه الملك بالاهانة، رغم انتصاره. ناصر سعى الى منح عرفات الاحساس بانه لم يهزم. وفي اليوم التالي توفي الرئيس المصري على نحو مفاجىء، وفقدت م.ت.ف سندها الاهم. الحسين كان بوسعه أن يتنفس الصعداء. ولكن في 1974 اضطر الملك الى ان يبتلع قرار الجامعة العربية الاعتراف بـ م.ت.ف كممثل وحيد للشعب الفلسطيني. لاحقا تحدثت طويلا مع الملك حسين عن ايلول (سبتمبر) اياه. كان فيه عداء شديد لـ م.ت.ف ولكن براغماتية لا حصر لها جلبته الى أن يستضيف في تشرين الثاني (نوفمبر) 1984 المجلس الوطني الفلسطيني، ويجري مفاوضات مع عرفات على مدى سنة، على اقامة اتحاد فيدرالي اردني ـ فلسطيني، لم تنجح. عندما فشلت محاولتنا الوصول الى مؤتمر دولي يؤدي الى حل اردني فلسطيني بسبب معارضة اليمين، اعلن الحسين نهائيا عن فك ارتباطه عن الضفة الغربية. في تموز (يوليو) 1988 اعلن بان ليس لديه مطالب هناك وأنه يؤيد انتقالها الى سيادة فلسطينية، وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني القرار باقامة دولة. الحسين لم يحب اتفاق اوسلو، ولكنه استخدمه كي يفعل ما اراد فعله منذ زمن بعيد الوصول الى اتفاق سلام مع اسرائيل. بعد يوم من توقيع اتفاق المبادىء في البيت الابيض، وقع اتفاق المبادىء بين اسرائيل والمملكة الهاشمية وبعد سنة من ذلك وقع اتفاق السلام. منذئذ شارك الحسين في المسيرة السياسية بيننا وبين الفلسطينيين، وابنه عبدالله سار في طريقه. ايلول ( سبتمبر) الاسود لم ينسَ، رغم أنه مرت اربعون سنة منذئذ. قدامى الفلسطينيين لا يزالون يسمون الحسين 'الجزّار' بينما بعض قادة المملكة الهاشمية لا يغفرون محاولة الانقلاب الفلسطينية. ولكن ليس هناك مفر امام أحد: المثلث الاسرائيلي الفلسطيني الاردني ملزم بان يحل النزاع المتواصل وحل النزاع ينطوي على محاولة عقلانية لوضع مواجهات الماضي جانبا. لكنها لا تنسى، لانها لا تنسى، ببساطة لا يمكن.

 

اسرائيل اليوم 8/9/2010

 

 

اوباما ذكي ولكنه فاشل

 

2010-09-08

 

'أجل، كانت خطبة جيدة لبيبي لكنها غير كافية. لا يوجد فرقاء عمل ولا اعداد ولا تحليل للفشل الأخير في أنابوليس. فإنك اذا مضيت الى التصور نفسه الذي كان هناك فيجب عليك أن تفهم لماذا فشل. يجب عليك أن تضع قاعدة لهذه المحادثات. أن يكون خط واضح وعامود فقري تستطيع البناء فوقه. لا أعلم ما الذي يريده نتنياهو حقا. عندما أسأل ناسه فانهم لا يعلمون أيضا'.المتحدث هو عيبال جلعادي وهو عميد في خدمة الاحتياط، وكان في الماضي رئيس شعبة التخطيط الاستراتيجي في شعبة التخطيط في هيئة القيادة العامة، وكان مهندس الانفصال، والخبير الاستراتيجي بالجغرافيا السياسية والخبير الأمني عند اريئيل شارون، والمفاوض الأجدى والأقوى حضورا في ادارة اولمرت وشارون مع الامريكيين، وأحد الأدمغة اللامعة التي أنتجت في الجيش الاسرائيلي. إنه في الثالثة والخمسين، ذو نشاط لا يستنفد وحضور طبيعي غامر. إنه شخص آسر حسن الكلام على نحو متميز، وأحد أكثر الضباط ثقافة في الجيش. يملك أربع اجازات اللقب الثاني (جامعة حيفا وجورج واشنطن وجامعة الامن القومي في واشنطن وكان الى ذلك مشاركا في البحث في ستانفورد في معهد هوبر وفي معهد سيساك المرموق)، يتكلم انكليزية رفيعة، وهو ذو صلة واتصال بأربع قارات على الأقل. دفعه رئيس الاركان موشيه يعلون خارج الجيش، بعد أن تبين أن جلعادي أنشأ صلة وثيقة جدا برئيس الحكومة آنذاك. أصبح جلعادي الورقة القوية في ديوان رئيس الحكومة، وابتدع الانفصال من أجل شارون، وأوجد بعد ذلك 'الانطواء' من أجل اولمرت. حطمت حرب لبنان الثانية الأحلام وتبين أن الانفصال إخفاق في التنفيذ، واختفى جلعادي عن الحياة العامة وفضل حصر عنايته في العمل.

 

خطأ اوباما

 

يتحدث جلعادي الان، عن كل شيء. ما زالت له صلة شاملة وثيقة بالادارة الامريكية (ولا سيما بدنيس روس). لا كما كانت الحال ذات مرة، عندما كانت شرفته في كيبوتس كابري، الذي يطل على مواقع مراقبة حزب الله، مكان الهدوء الشعبي عند آليوت ابرامز، وبيل برينس، وديفيد سترفيلد ودان كيرتسر، لكنه ما يزال قادرا على أن يكون عالما بآخر المستجدات متصلا بشبكة. يجالس أيضا مسؤولين اسرائيليين كبارا. يحادثه وزراء من السباعية، ويبسط أمامه مستشارو رئيس الحكومة الأفكار. يتساءل جلعادي: 'اذا كنتم تمضون الى مفاوضة فأين الاعداد؟ ماذا تفعلون؟ ما هي صورة النهاية التي تريدها اسرائيل في هذا التفاوض؟ عندما عملت مع شارون كنت أجلس اليه وأحاول أن أفهم منه. وفي كل عشرة أيام كنت أسقط عليه فكرة وأفحصه. زعمي الان أنه لا يوجد في جانبنا أي اعداد. لا توجد محاولة رسم خريطة طريق ذات هدف محدد. أين نريد أن نكون آخر النهار؟ أيستطيع أحد أن يبين لي هذا؟ أيعلم أحد؟'.يقول جلعادي: 'يمكن انشاء خطة كاملة. اذا لم تكن تريد دولة فلسطينية فقل ذلك فقط ولنستعد لوصول هذه النتيجة. ثمة سبل. لكن قل قبل ذلك ما الذي تريده، لنفسك ولفريقك. مشكلة اسرائيل الاولى أننا فقدنا المبادرة والريادة. هذا هو الأمر المركزي الذي صنعناه مع شارون. أمسكنا بمصيرنا بأيدينا. وحددنا هدفا وقارنا الجميع به: الجمهور الاسرائيلي، والجهاز السياسي، والامريكيين والاوروبيين، ثم الفلسطينيين بعد ذلك. أملينا برنامج عمل. وعندما أجالس أحد أقرب الناس إلى بيبي وأسأله ( قل لي ما هي الخطة؟ والى أين تريدون الوصول؟)، لا يعلم. وأقول لك إن كل خطة يريدها نتنياهو، وكل خطة يضعها على المائدة سيقبلها الامريكيون. وسيقف شعب اسرائيل من وراء كل خطة كهذه. ومن ورائه العالم ايضا. أزور واشنطن كثيرا وأعلم ما الذي أقول. عندما ألف بيبي حكومته أيضا كنت هناك. قلت للأمريكيين إنه لا محل لارتيابهم. وإن الأمر سيكون على ما يرام. جلست الى جورج ميتشل. تحدثنا فيما سنفعل. سألني: كيف سترد اسرائيل اذا طلبت امريكا وقف البناء في المناطق وتجميده تجميدا مطلقا؟ قلت له انهم اذا طلبوا هذا على هذا النحو فسيكون الجواب رفضا. واذا أتوا بشيء أكثر احكاما فسيكون محتملا. لكن اذا كان الأمر بين نعم أو لا فسيكون لا. طلب افكارا. قلت له انهم اذا اتوا بمعايير مثل وقف البناء شرقي الجدار فقط فان ذلك منطقي. مع مهلة، ومع صيغة أكثر احكاما تعطي كل جانب انجازات وتجبي منه ثمنا يستطيع دفعه.' كيف تفسر اذن أنهم ساروا في اتجاه مضاد؟' إنه الرئيس. اوباما فقط. يوجد خلل ها هنا مهما كان هذا الرئيس موهوبا. فقد دخل بلا تجربة تماما. وكل سفر له الى الخارج انتهى الى كارثة. انهار تصوره بعد نصف سنة. سافر الى السعودية بلا أي اعداد وفشل. وسافر الى كوبنهاغن للاتيان بالالعاب الاولمبية الى شيكاغو وعاد فارغ الوفاض. وكان على ثقة بأنه بفضل حقيقة أنه سافر الى هناك فسيحدث ذلك ولم يحدث. نحن الصغار ما كنا لنرسل أبدا شارون الى واشنطن دون ان تكون النتائج معلومة سلفا. فكيف يمكن ارسال رئيس امريكي على هذا النحو، مرة بعد اخرى، في أسفار تنفجر في وجهه؟ بل إنه في السعودية لم يحصل على موافقة أن تطير طائرات العال فوق مجالها الجوي. من قرأ مواد الاحاديث بين بوتين ومديفديف بعد ان كان اوباما هناك يدرك أنهما تناولاه في وجبة الصباح. وعلى العموم لا تنجح طريقة مبعوثيه الرئاسيين البتة. أيأتي ميتشل؟ ماذا يعني ذلك؟ عندما يكون هنا يكون اعداد ونشاط وينتهي ذلك عندما يغادر وهكذا دواليك. وأسأل من يقوم بالعمل؟ من يعزز؟ أين سترفيلد وابرامز وبرنس الذين قاموا بعمل متصل منظم منهجي؟ وقد خسر أيضا نسبة تأييده عند الجمهور في اسرائيل. لم يوجد رئيس امريكي تنقصه المشايعة الى هذا الحد في اسرائيل. لم يسبق لهذا مثيل. انه موهوب لكنه بلا تجربة وهذا أمر بارز. اعتقد أنه اذا اقترب من العالم العربي فسيسهل له ذلك الطريق. لكنه اقترب منهم بالابتعاد عنا وهذا خطأ قاتل. اذا كنت تشتري من العرب وتدفع بعملة اسرائيلية فانك تخسر العرب والاسرائيليين ايضا. لهذا ليست صعوبتي الكبرى مع سياسة اوباما بل مع تحقيقها.' أين أعظم اخطائهم من جهة تقنية؟' قلت لهم منذ البدء، اعملوا مع بيبي. لا تدفعوه الى الزاوية. اذا دفعتموه فلن يحدث ذلك. وخذوا مثالا عن شارون. عندما أتى ليكون رئيس حكومة لم يخطط حتى لاقتلاع وتد واحد في مستوطنة ما. فلماذا تحرك؟ لانه شعر بأن امريكا من ورائه. قلت لهم هذه هي السبيل ولا يوجد سواها. اذا اردتم ان يفعل شيئا ما فلا توقفوه في الزاوية. لا تفرضوا عليه حصارا. ضعوا يدا على كتفه وسيّروه بلطف الى المكان الصحيح. وسألوني هل تجدي زيارة اسرائيل؟ قلت لهم: الأمر محتمل. نحن لا نبحث عن حدث احتفالي بل عن علاقات حقيقية. لكن لاوباما مشكلة مع العلاقات. انظر مثلا غوردون براون. كم مرة تحدثا؟ لا يتحدث البتة الى الزعماء. تحدث شارون وبوش بعضهما الى بعض مرة كل اسبوع تقريبا. الان عندما يتحدث اوباما الى بيبي يكون ذلك احتفالا. توجد غربة بدل التحادث وتباعد. وهذا بدءاً سيىء'.' أتعتقد ان اوباما رئيس ضد إسرائيل؟' لا. لكنه أنشأ شرعية الموجة المعادية لاسرائيل في اوروبا. ونحن ندفع عن ذلك ثمنا باهظا. صحيح عنده انتقاد علينا وبعضه صحيح. ليست لنا خطة وليس لنا اتجاه محدد. لكن لا تحل البلبلة. نحن الجانب الخير. يجب أن يكون واضحا أين الاخيار وأين الاشرار هنا. نحن الدولة الوحيدة في المنطقة التي يخاف فيها نظام الحكم من المواطنين لا العكس. أجل نقوم بأخطاء وهفوات لكننا الاخيار. وأمريكا، في البداية على الأقل أوحت بجو مختلف. هذا خطأ شديد. فالعالم كان يفضل أن يرى اسرائيل أكثر من أن يرى سورية أو مصر. أليس صحيحا؟ فلماذا السلوك العكسي؟ كانت النتيجة فشل السياسة الامريكية. وانقضى الامر. نحن نحادث الفلسطينيين منذ 1993. منذ 18 سنة تقريبا. تولى اوباما عمله في كانون الثاني (يناير) 2009 ومنذ ذلك الحين لا نحادثهم. نحن في قطيعة مطلقة. هذه أول سنة لا يوجد فيها أي اتصال.قلت للأمريكيين إن هذا انجازهم الأكبر. حصلوا على تسعة أشهر تجميد ومقاطعة مطلقة. فماذا فعلنا؟ خذ على سبيل المثال حادثة البناء في راموت شلومو في أثناء زيارة جو بايدن. من أجل ماذا رفعوها وجعلوها أزمة عالمية؟ إنهم يعلمون أن بيبي لم يعلم وأن الامر لم يكن متعمدا. يعلمون هذا على نحو ممتاز. وقد اعتذر بصوته. وكانت الصيغة منسقة. فعندما سألت قالوا لي إن من نسق الصيغة في واشنطن لم يكن مؤهلا. قلت لهم إن الأمر غير جدي. فجأة أتى توبيخ هيلاري لمدة 43 دقيقة، وهم يتحدثون في ذلك ويجعلونه حادثة لم يسبق لها مثيل. من أجل ماذا؟ أتريدون تدبير مسيرة السلام أم ضرب بيبي؟ قرروا. أنا أيضا أعارض البناء في المستوطنات، لكنه لا مشكلة عندي في البناء في أحياء يهودية في القدس. أصنع أزمة بسبب راموت شلومو؟ أنتم تعلمون أنها لم تخل أبدا. أليس الأمر خسارة؟ وكل هذا وأنتم تحاولون البدء بمحادثات تقارب. وعلى نحو معلن ايضا.' أستنتج من هذا الانتقاد أن اوباما غير ملائم ببساطة.' لا. انه رجل ذكي. لا يوجد هنا سؤال 'ماذا' بل سؤال 'كيف'. أعمل منذ 15 سنة مع واشنطن في صور شتى، هذه أقل الادارات التي عملتُ معها خبرة. لا يعني انهم لا يريدون بل لا ينجحون ببساطة. وهم على ثقة بأن بوش كان أحمق. واقول لهم انظروا كم كان هذا الاحمق حكيما. فقد أخذ شارون، وقرنه بخريطة الطريق، ونشر رؤيا واضحة عن الدولتين، وانظر كيف أخلى شارون 19 مستوطنة في غزة وفي السامرة، فماذا فعلتم؟ أتسعة أشهر تجميد؟ تعلموا من كلينتون. فقد فهم ما لم تفهموه. وهو أنه يجب قبل كل شيء قرن الزعماء بخطة. لا يمكن العمل من فوق رؤوسهم. انا اسرائيلي فخور. لم أصوت من أجل بيبي لكنه رئيس حكومتي. كل محاولة منكم لإملاء شيء آخر ستلقى معارضة. وأنتم ببساطة تلعبون لصالحه. انه يزعم أنكم تحاولون اسقاطه، وهو على حق ايضا بعد راموت شلومو.

 

أداة ضغط مالية سياسية

 

أنشىء صندوق بورت لاند في 2003، وبدأ جلعادي ادارته بعد مرور سنتين. وكان الهدف تطوير الاقتصاد الفلسطيني. 'لا لأن هذه مصلحتهم'، يقول 'بل لانها مصلحتنا. الهدف أن نبني لهم برنامج عمل طبيعيا. أن يستيقظوا في الصباح ويذهبوا للعمل ويرسلوا أبناءهم الى المدارس ويخرجوا في عطل. وأن نبني لهم طبقة وسطى. جميع هذه الاشياء غير مفهومة من تلقاء نفسها في نابلس وجنين. نحن نبنيهم.' يذكرني هذا بطريقة 'من أسفل الى أعلى' عند بيبي وبوغي.' هذا صحيح. لكن تصورنا تصور عام. أتينا بـ 230 مليون دولار من الاعتماد لمصالح صغيرة ومتوسطة في السلطة الفلسطينية. توجد هناك مشكلة اعتماد. فالمصارف الفلسطينية غير مستعدة لاعطاء اعتماد. فهي تعلم أن مستوى المخاطرة عظيم. فأتينا بالمال، من أمريكا واوروبا، ونحن نضمن نصف القرض، وهذا يعطي حقنة تشجيع ضخمة للاقتصاد الفلسطيني. نشأت عشرات المصالح مع آلاف العاملين. لنا نصيب مهم في انشاء نظام تقاعد للقطاع الفلسطيني الخاص. أتعلم أنه لا يوجد هناك شيء كهذا؟ أخذت فريق التقاعد الفلسطيني الى لقاء في وزارة الخزانة العامة مع يدين عنتابي وأناسه. 'نحن نشطاء جدا في تخطيط روابي المدينة الفلسطينية الجديدة. كان بشار المصري عندي، وهنا بدأ. زودنا جماعة التخطيط الامريكية الكبيرة التي خططت للمدينة بالنفقة. ستكون هناك 5 آلاف وحدة سكنية وسيسكن هناك نحو 40 الف فلسطيني، في المدينة الفلسطينية المخطط لها الاولى التي ستبدو مثل مدينة نعرفها. مع ابراج سكنية، ومراكز تجارية وثقافية، ومدارس ومساجد وكنائس وكل ذلك في مستوى دولي. أخذت ذات يوم المصري الى وزارة الدفاع، الى الكرياه، وجلسنا عند بوخاريس. تخيل هذا المشهد. كل ذلك كما قلت ترجمة أدوات مالية ووسائل اقتصادية الى تأثير في المسيرة السلمية. سيكون هذا التأثير حاسما وأسرع مما تعتقد. أصبحت ترى الان ان الجمهور الفلسطيني في الضفة متعب من الحروب ولا يؤيد الارهاب. انه مهتم بالعمل وأوقات الفراغ وأمن العمل. هذه هي القضية بالضبط.

 

معاريف 8/9/2010

 

 

هاتوا لنا حدودا

 

الوف بن

 

2010-09-08

 

للمحادثات المباشرة التي اطلقت في قمة واشنطن يجب أن يكون هدف واحد: ترسيم حدود بين اسرائيل والدولة الفلسطينية التي ستقوم في الضفة الغربية. اسرائيل تحتاج الى حدود، تحدها في المجال الجغرافي، تطبع مكانتها الدولية، تضع حدا للخلاف على المستوطنات وتعزز الاجماع الداخلي. هذه مهمة حياة بنيامين نتنياهو. اذا ما نجح فيها فسيبرر عودته الى الحكم وسيدخل التاريخ كزعيم مصمم للواقع. نتنياهو يركز الان على القناة الفلسطينية. لقاؤه الاول مع الرئيس باراك اوباما قبل اكثر من سنة كرسه نتنياهو تقريبا بكامله للتهديد الايراني. ولم يـُذكر الفلسطينيون الا في الهوامش. في اللقاءين الاخيرين انقلب جدول الاعمال، حسب مصادر امريكية. معظم الوقت كرس للمسيرة السياسية مع الفلسطينيين وايران دُحرت جانبا. من ناحية نتنياهو، التسوية التي ينسجها مع الرئيس محمود عباس ترمي الى التوازن بين مصلحتي اسرائيل: رغبتها في الا تضم في داخلها السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية والا تحكمهم، والحفاظ على قدرتها على الدفاع عن نفسها. الفلسطينيون سيحصلون على سيادة، وسيعطون اسرائيل الامن. هذه هي الصفقة التي يقترحها نتنياهو عليهم، مغلفة بتصريحات عن 'انهاء النزاع'. انهاء النزاع هو هدف منشود، ولكن نتنياهو وعباس لن ينجحا في تحقيقه. ليس لانهما زعيمين سيئين، او لانهما يريدان مواصلة النزاع، بل لان انهاءه ليس منوطا بهما. فلا يمكن لأي توقيع منهما أن يخفي الروايتين المتناقضتين للشعبين، اللذين كل واحد منهما يرى نفسه ضحية ويرى خصمه غازيا غير مرغوب فيه. لا تمكن المساومة على الفكرة الوطنية بجرة قلم، ولا يوجد اليوم امل في بلورة رواية اسرائيلية فلسطينية مشتركة. اذا ما تركزت المفاوضات على مسألة مَن المحق ومَن الشرير، ومَن كان هنا اولا، يمكن ان نتنازل عنها مسبقا. مسائل الروايتين يجب أن تبقى للمؤرخين، للمربين ولمنتجي الثقافة. اما السياسيون فعليهم أن يركزوا على الحياة العملية، وان يحققوا اتفاقا على الحدود المستقبلية في الضفة الغربية وفي شرقي القدس وعلى ترتيبات الامن التي ستسود على طولها وتضمن استقرارها. حدود توضح اين تنتهي اسرائيل واين تبدأ فلسطين. أين نحن وأين هم. لاسرائيل توجد حدود معترف بها من نوعين: حدود السلام مع مصر والاردن، وحدود الردع مع سورية ولبنان وقطاع غزة. في الضفة وفي شرقي القدس لا توجد حدود واضحة، بل مجرد ترتيبات فصل محلية، اسوار واسيجة، حواجز وطرق منفصلة ـ وجهد لا ينقطع لتثبيت حقائق على الارض ودحر الطرف الاخر. بتعابير كثيرة، علاقات اسرائيل مع 'حماستان' في غزة مرتبة بشكل افضل بكثير من العلاقات مع سلطة عباس في الضفة، التي يجري معها تعاون أمني واقتصادي في ظل خصومة سياسية. فك الارتباط عن غزة خلق حدودا واضحة، وكل واحد يعرف اين تنتهي السيطرة الاسرائيلية وتبدأ سيادة حماس. من يحاول اجتياز الخط يعرض حياته للخطر، والجانب الذي يطلق النار من خلف الحدود يعرف انهم سيردون عليه النار. ها هي صيغة بسيطة من 'السيادة مقابل الامن'.الحدود لا تضمن بذاتها الهدوء. فقد تعرضت اسرائيل للهجوم من خلف حدودها المتفق عليها واجتاحت كل الدول المجاورة. ولكن الحدود تحدث العجب للاجماع الداخلي. في حرب لبنان الثانية وفي حملة 'رصاص مصبوب' عاد الجيش الاسرائيلي الى المناطق التي اخلتها اسرائيل في الانسحابين احاديي الجانب وعاد ليخرج. لم يجرِ بحث جدي في امكانية اعادة احتلال الحزام الامني في جنوب لبنان، او اعادة اقامة غوش قطيف. هذه ستكون ايضا نتيجة ترسيم حدود جديدة في الشرق. كل اسرائيلي سيعرف اين يعيش واين لا، وستتوقف المساعي لاختطاف دونم آخر وتلة اخرى وزقاق آخر. نتنياهو يتحدث عن 'افكار جديدة' تأتي بدلا من الفصل التام والاخلاء لكل المستوطنين من الاراضي التي ستسلم لفلسطين. هذه اوهام. كل تسوية لا تكون محكمة الاغلاق، وتبقي فتحات لصراعات السيطرة والاراضي، ستؤدي فقط الى مواجهة اخرى. هذا ما حصل في المناطق المجردة من السلاح في الشمال، قبل حرب الايام الستة، وهكذا يحصل اليوم في الضفة وفي القدس. على نتنياهو أن يحقق التسوية الافضل وعندها يقطع. هذا سيؤلم ولكنه سيقيم نظاما في حياتنا.

 

هآرتس 8/9/2010

 

 

السلام: التصدي له

 

يوسي بيلين

 

2010-09-13

 

الآن، عندما تبين بأن اشهر التأجيل العشرة تنتهي في 30 ايلول (سبتمبر)، وليس في 26 ايلول (سبتمبر)، كما كان يخيل لنا جميعا، أفترض بان شخصا ما في ديوان رئيس الوزراء يحاول الفحص اذا كان ممكنا اضافة يوم واحد آخر للشهر الحالي، انطلاقا من التقدير بأن تأجيل لحظة المواجهة (مع المستوطنين أو مع الفلسطينيين) هو نعمة كبرى. ولكن معقول الافتراض بان الفحص سيفشل. بعد أن تضمن شهرا تموز (يوليو) وآب (اغسطس) 31 يوما، من الصعب التصديق بان يوافق ايلول (سبتمبر) على ان يكون شهرا ثالثا على التوالي مع كل هذا القدر من الايام. ستكون حاجة للتصدي للواقع. لا ريب، كان خطأ امريكيا تحويل تجميد البناء في الضفة الغربية الى شرط لاستئناف المحادثات. كان خطأ امريكيا اضاعة اشهر طويلة وعزيزة على مفاوضات مع اسرائيل حول طبيعة التجميد، مثلما كان خطأ الوصول الى حل وسط لم يكن الفلسطينيون جزءا منه. القرار بالأشهر العشرة اتخذ دون تفكير اسرائيلي كاف، لانه لم يترافق مع أي مسيرة موازية. لم يكن الحديث يدور عن تقدير جدي بانه في هذه الفترة سيكون ممكنا الوصول الى انجاز سياسي ما، وكان واضحا بان هذه الاشهر ستنتهي وعندها سيكون استئناف البناء اسوأ بكثير من استمرار البناء. هذا قرار متسرع أتاح للحكومة النجاة من ضغط امريكي موضعي، ولكنه يضع الان الحكومة امام حرج لا يلوح حله في الافق بعد. التفكير بانه سيكون ممكنا الانهاء الرسمي للتأجيل لعشرة اشهر، ولكن المواصلة بشكل عملي، في المستوى الحالي للبناء في المناطق كما شرح للامريكيين يصبح عمليا أقل مما كان يخيل. من الصعب خداع الجميع. المستوطنون يستعدون منذ الان لانتهاء التجميد، العقود ستستأنف، والبناء لن يكون ممكنا اخفاؤه، لا عن عيون الاسرائيليين الذين يعتقدون بان من الخطأ الاعلان عن الاستعداد لدولة فلسطينية وفي نفس الوقت البناء في المنطقة المخصصة لاقامتها، ولا عن عيون الفلسطينيين والامريكيين. مطلوب حسم، والحسم صعب لانه يخيل للسياسيين، على سبيل الخطأ، بان الثمن الذي ينطوي عليه الحسم أعلى من الثمن الذي للسير بين النقاط. حتى عندما يعرفون بان عليهم أن يحسموا، وحتى عندما يكونون قد قاموا بالحسم في قلوبهم، فانهم يفضلون تأجيله الى اللحظة التي لا يكون فيها مفر غير الحسم. يحتمل أن يكون أكثر راحة ادراج قرار تجميد البناء في قرار الحدود بين الدولتين، يكون فيه في جانبه الغربي من الممكن مواصلة البناء فيما في جانبه الشرقي يتوقف البناء بشكل مطلق. ولكن احدا لا يعرف اذا كان الطرفان سيتوصلان الى اتفاق على الحدود، ومتى.القيادة الفلسطينية مقتنعة بان حكومة اسرائيل الحالية لا تقصد اتفاقا تاريخيا، وان كل جهودها موجهة لارضاء الادارة الامريكية المتحفظة منها. وهي لا ترى في وقف المفاوضات مع اسرائيل تفويتا لفرصة سياسية، وهي تعرف بان من ناحية جماهيرية لن يكون بوسعها أن تشرح استمرار المحادثات في ظل البناء في المناطق، وان الامريكيين ايضا يفهمون ذلك. الادارة الامريكية من جهتها مقتنعة بان نتنياهو قادر على أن يمدد التجميد الحالي؛ فقد كان مستعدا للصيغة المركبة المتمثلة باستمرار التأجيل دون اعلان، ولكنه فهم بان هذا، على ما يبدو، سيكون غير عملي. المواجهة بين نتنياهو والمستوطنين كفيلة بان تقع في وقت مبكر عن اللحظة التي توقعها رئيس الوزراء. لا مفر. هذه السنة ايضا لن يكون هنالك31 يوما في ايلول (سبتمبر).

 

اسرائيل اليوم 13/9/2010

 

 

ايران ستحارب امريكا بالبحرين

 

صحف عبرية

 

2010-09-30

 

البحرين هي مملكة عربية صغيرة في الخليج الفارسي. مساحتها 741 كيلومتراً مربعاً فقط. المكان الهام الذي تحتله في الصراع بين ايران والعالم العربي ينبع من حقيقة انه بينما زعيمها، الملك حمد بن عيسى آل خليفة وباقي المؤسسة البحرينية، هم مسلمون سنة، يوجد فيها أغلبية شيعية تصل الى 70 في المئة، في معظمها تشعر بأن هنالك تمييزاً ضدها. وكنتيجة لذلك، فان البحرين هي هدف مثالي للتآمر الايراني.في الشهرين الاخيرين اعتقلت قوات الامن البحرينية اكثر من 160 شخصا، معظمهم شيعة. وكالة الانباء البحرينية وصفت المجموعة الاخيرة التي اعتقلت كجزء من 'شبكة ارهاب ذكية ذات دعم دولي'. ايران لم تذكر صراحة. ومع ذلك فقد اتهمت المجموعة بـ 'التطلع الى اسقاط النظام بالقوة'. يحتمل أن تبدو هذه كالدعاية لاغراض داخلية، غير ان هذه ليست المرة الاولى التي تنكشف فيها خطة لانقلاب. فقد حاولت طهران اسقاط النظام البحريني منذ العام 1981، بعد سنتين من الثورة الاسلامية. وفي التسعينيات ايضا كانت في البحرين اضطرابات شيعية. في 1996 طردت حكومة البحرين دبلوماسياً ايرانياً، اتهم بالاتصال بالحرس الثوري ومساعدة الشيعة البحرينيين.بعد نصف سنة من ذلك، كشفت البحرين النقاب عن وجود حزب الله بحريني. ستة من اعضائه الذين امسك بهم اعترفوا بانهم تدربوا على يد حزب الله في لبنان. وادعوا بانهم تلقوا تعليمات من ضابط استخبارات ايراني، كان يبلغ مباشرة الزعيم الاكبر لايران، خامنئي. وفي هذه الاثناء، قدمت البحرين لواشنطن وثائق تربط بين حزب الله البحريني وقوات القدس من الحرس الثوري.التوتر في البحرين تصاعد مرة اخرى في 2005، حين سار جمهور شيعي في العاصمة، في ظل الهتاف المؤيد لخامنئي. في 2008 في مظاهرة شيعية رفع فيها علم حزب الله وصورة نصرالله، حمل المتظاهرون ايضا يافطات بالانكليزية دعت الى اخراج القواعد الامريكية من البحرين.في هذه الاثناء في ايران، حسين شريعة مدري، المحرر شديد النفوذ في صحيفة 'كيهان' الناطقة غير الرسمية باسم خامنئي، كتب في 2007 مقالا ادعى فيه بأن 'البحرين هي جزء من ايران'. مستشار آخر لخامنئي أطلق أقوالا تدخل البحرين في ايران بوصفه البحرين بأنها 'المقاطعة الـ 14' لإيران.لماذا البحرين على هذه الأهمية؟ في 1995، اقامت الولايات المتحدة اسطولا جديدا للمحيط الهندي والخليج الفارسي يسمى الاسطول الخامس. قيادة الاسطول الخامس رابطت في البحرين، التي يستخدمها سلاح البحرية الامريكي كميناء منذ 1949. اذا ما انطلقت الولايات المتحدة الى حرب ضد ايران، فسيكون الاسطول الخامس الذراع البحرية للحملة.في كانون الاول (ديسمبر)1921، حين تعرضت اليابان الى عقوبات شديدة وسعت الى توجيه ضربة للاسطول الامريكي في المحيط الهادىء، هاجمت بيرل هاربر. الايرانيون لا يؤمنون بالهجوم على الامريكيين بذات الطريقة، بل يفضلون القتال غير المتماثل. اذا نجحت ايران في احداث ثورة شيعية في البحرين وتغيير الحكومة السنية بحكومة شيعية تطرد قيادة الاسطول الخامس، فان طهران ستحقق انتصارا استراتيجيا ضد الولايات المتحدة دون ان تستخدم حتى ولو طائرة واحدة. من يتابع الاحداث في البحرين وباقي الخليج الفارسي، يفهم أن هذا السيناريو ليس خيالياً.

 

اسرائيل اليوم 29/9/2010

 

تساؤلات حول القذافي والغموض الذي يخيم على اهدافه، تحركاته، حارساته، خيمته.. وثروته

 

صحف عبرية

 

2010-09-30

 

'لا يمكن للمرء ألا يتأثر عميقا بهذا المضيف الغريب. في البداية يتركونك تجف 3 ـ 4 أيام في الفندق. في القاعة يجلس رجال أمن بنظارات شمسية غامقة، وعندما تجلس لتحتسي القهوة مع زميل، تجد الاذان تتشنف وكأنك تعتزم كشف أسرار دولة فيقربون رويدا رويدا كراسيهم منك كي يسمعوا على نحو أفضل. لا يمكنك أن تخرج من الفندق إذ في كل لحظة كفيل أن يصل هاتف من الخيمة، وعندها ستكون مطالبا بأن تمتثل على الفور. أنت في واقع الامر حبيس، وتأمل فقط ان يخترع المطبخ في الفندق شيئا جديدا قابلا للاكل. 'كان لي حظ إذ لم انتظر سوى أربعة ايام وعندها جاؤوا: عصبة من أربعة زعران مسلحين اقتربوا مني وطلبوا الي أن ارافقهم. لم أكن أعرف اذا كانت هذه طريقتهم لجلبي الى 'الاخ القائد' أم اني مدعو للتحقيق، الاعتقال أو الابعاد.عشرون دقيقة متوترة جدا مرت عليّ الى ان رأيت الخيمة الضخمة. في داخلها جلس أحد الرجال الاكثر تأثيرا الذين رأيتهم في حياتي. فقد رفع رويدا رويدا نظارته الشمسية الغامقة، التي درج على أن يتباهى بها منذ كان ضابطا صغيرا وشابا وابتسم لي وكأننا تعلمنا معا في المدرسة أو كأنه يريد ان يبادر الى مداعبتي. فتلفظ بشيء، وسارع الاثنان من مساعديه لترتيب مجلس مريح لي وعندها بدأ بخطاب عن تاريخ ليبيا'.الصحافية الالمانية التي اجتازت تجربة المقابلة مع معمر القذافي قبل سنوات طويلة وصفت خيمته الرسمية كمبنى مزين بالآيات القرآنية ومزود بالهواتف، التلفزيون، المخدات السميكة والمريحة جدا. ولكن كل الوقت، كما روت، كان احساس بان شيئا ما يجري. المساعدون يأتون ويخرجون، الحراس يتحركون حول القذافي الذي انشغل حتى في اثناء الحديث معها في ادارة شؤون الدولة ايضا، وكل شيء في نوع من اللغة المتفق عليها بالاشارات بالرأس وباليدين، بالهمس بمثابة زينة للمسرحية الحقيقية. هذه المقابلة جرت قبل 2003، عندما رفعت بريطانيا والولايات المتحدة عن ليبيا العقوبات التي فرضتاها عليها في أعقاب عملية طائرة 'بان ام' فوق لوكربي في اسكتلندا في 1988، حين قتل فيها 270 شخصا. منذئذ مرت على العقيد القذافي الذي امتنع عن ترفيع نفسه الى رتبة جنرال بعد الانقلاب العسكري الذي أثاره في 1969 تقلبات عديدة. ليبيا كانت ابنة بيت في الدول الغربية، ولملابسه الفاخرة اضيفت عناصر عديدة منحت الهاما لمصممي الازياء في اوروبا، وشركات النفط الغربية عادت للتنقيب عن النفط في الرمال الصحراوية الليبية التي عمل القذافي على ازدهار قسم منها من خلال شبكة الري الاكبر في العالم. كما أن خيمة القذافي بدأت تتنقل من ليبيا الى دول العالم. مواطنو باريس، روما، الدوحة، نيوجيرسي وروسيا شهدوا السكن المتنقل للقذافي، ويبدو أنه لم تكن لديه مشكلة في أن يدق اوتادها حتى في القدس او في شاطىء تل أبيب، بعد أن يوقع اتفاق سلام مع الفلسطينيين. في تفكير ثان، يمكن للقذافي حتى أن يأتي الى اسرائيل قبل اتفاق سلام، إذ كعادته منذ سنوات عديدة يستخف بقرارات الجامعة العربية ويقترح دون انقطاع حلولا ابداعية للنزاع. هكذا، مثلا، اصطلاح 'اسراطين' اسرائيل وفلسطين هو اقتراحه لاسم الدولة ثنائية القومية التي لا مفر برأيه من اقامتها في الارض التي بين البحر والنهر. إقامة الخيمة لا تستغرق زمنا طويلا. عندما جاء القذافي الى مؤتمر القمة العربية في قطر قبل سنة كان المهندس الهندي الذي اشرف على نصب الخيمة يحتاج الى أربعة أيام فقط لانهاء المهمة، بما في ذلك تركيب مصابيح كريستال، جدران من القماش طلبت خصيصا من ايطاليا، اثاث خشبي فاخر وأبسطة من اقصى الخيمة الى اقصاها.الخيمة هي نسخة كاملة عن الخيمة الاصلية للقذافي، المنصوبة في ليبيا. القذافي، الذي يتباهى بأصله البدوي. اذا كان لغرض رحلاته يحتاج الى أن يستثمر نحو 300 الف دولار فقط كي يقيم خيمته في احدى عواصم العالم، هكذا سيكون. هذا المبلغ، بالمناسبة، لا يغطي كلفة الحاشية الكبيرة للحاكم، والتي تضم الحارسات الشخصيات الاسطوريات لديه، السيارات الفاخرة التي يجلبها معه أو الجياد البربرية الفاخرة التي رافقته في زيارته الاخيرة الى ايطاليا. فبعد كل شيء، ستيل هو الاسم الوسط للعقيد، والمال لتمويله لا ينقص جماهيريته الشعبية حيث معدل دخل العائلة نحو 300 دولار في الشهر. صحيح أنه قبل بضع سنوات وضع فكرة نقل مقدرات ليبيا مباشرة الى جيوب المواطنين، وبدلا من ترشيح المداخيل من النفط عبر الاجهزة البيروقراطية والبنكية للدفع المباشر لكل عائلة مردودات شهرية ـ الا انه في النهاية 'خضع' لضغط مستشاريه. فقد شرح له هؤلاء بان الدفع المباشر من شأنه أن يؤدي الى تضخم مالي لا يمكن التحكم به والى تحطيم القاعدة الاقتصادية للدولة. القذافي لم يتعلم الدرس فقط، بل وقرر أيضا ان ليبيا تحتاج الى مهنيين يمكنهم أن يديروا الاموال وان يتاجروا في البورصات العالمية. وعليه، فقد أمر بارسال عشرين شابا ليبيا لاستكمال دراستهم في التجارة العالمية، ادارة المحافظ الاستثمارية وتحليل المخاطرات المالية، كمرحلة اولى في احتلال العالم المالي. لهذا الغرض استأجر خدمات فردريك مرينو، رجل دار الاستثمار 'ميرل لينش' السابق كي يعالج سواء تأهيل البنكيين المستقبليين أم ادارة الصناديق الليبية. صعب حتى مستحيل ان نعرف ما هو حجم المال الخاص للقذافي وما هو حجم استثمارات ليبيا في الخارج. فالقذافي يستثمر احيانا بشكل التوائي جدا. حين شارك في مؤتمر الدول الثماني الصناعية الذي انعقد في ايطاليا قبل نحو سنة، قرر ان يستثمر 19 مليون دولار في بناء فندق في بلدة منسية، مرت عليها قافلته في الطريق الى المؤتمر وذلك لان 'المشهد أعجبه'، كما شرح عضو في وفده. كما أعلن القذافي مؤخرا انه ينوي أن يستورد من الهند مصنعا لصقل الماس بعماله. وهو نفسه، من خلال صندوق الاستثمار الليبي الخاضع لسيطرته، شريك في شركة لانتاج الماس في الكونغو. في غزة يعتزم أن يبني 20 منزلا جديدا في اطار صفقة تبادل اتفق عليها مع رجل الاعمال النمساوي مارتين شلاف لتحرير الاسرائيلي رفرام حداد الذي كان معتقلا في ليبيا. القذافي ابن الـ 68 احتفل هذا الشهر بـ 41 سنة على حكمه ـ الولاية الاطول لاي زعيم في الشرق الاوسط. من بين أبنائه الثمانية، سبعة ابناء وابنة واحدة (واثنان متبنيان، واحدة قتلت في قصف امريكي على بيته في 1986)، اثنان فقط يعتبران ذوي احتمال لخلافته سيف الاسلام، الذي يدير الصفقات السياسية والوساطة بين ليبيا وغيرها من الدول، ومعتصم، الذي يعمل كمستشار للامن القومي. ولكن القذافي لا يفكر بعد بالاعتزال، والمعارضة الليبية ليست قوية بما فيه الكفاية لتهديد حكمه. هذا ما يحرص عليه عملاؤه الذين قتلوا في الماضي رجال المعارضة حتى خارج الدولة. خيمة القذافي ستبقى بالتالي تتجول في العالم.

 

هآرتس 29/9/2010

 

 

في السعودية: شراء وأكل.. وأكل وشراء

 

صحف عبرية

 

2010-09-29

 

أردت أن أعرف كل شيء عن حواء. 'أحواء جدتنا؟' سأل عبدالله حجازي، مرشدي ذو السحنة الفتية في جدة القديمة. تحت قمر عربي في ليل شتاء حار، بيّن عبدالله بفخر خبايا مدينته، بيوتاً ساحرة ذات لون أخضر وأزرق وبني، بنيت على شاطىء البحر الأحمر قبل أكثر من مئة سنة. تعلو البيوت التي تقوم اليوم فارغة مرتفعة لالتقاط ريح البحر، أما الشوارع فمبنية في زحام من أجل الامساك بالظل. إن الحفاظ على البيوت الخمسمئة التي تحيط بالسوق هو بمنزلة محاولة من السعوديين الذين جعلتهم أرباحهم من النفط مدمنين لاشياء براقة، من أجل تقدير جمال ما يسمونه باستخفاف 'أشياء قديمة'. قد تكون المدينة حصلت على اسمها من الراوية التي تقول إن جدة جميع البشر وهي حواء الكتاب المقدس مدفونة ها هنا. على حسب الاسطورة، عندما طرد آدم وحواء من الجنة مضى كل واحد في سبيله فبلغ آدم مكة وحواء جدة. يوجد قبر حواء وراء باب أخضر قديم في مدينة جدة القديمة. اقترحت أن نزوره. ابتسم عبدالله بيأس انذاري. كانت تلك ابتسامة اعتدت أن أراها عند رجال سعوديين في الأيام التي تلت ذلك. وكان معنى ذلك 'لا احتمال يا سيدتي'. فقد قال لي 'لا يحل للنساء دخول المقابر'. زرت السعودية مرتين في الماضي، وعرفت أن هذا أصعب مكان في العالم تجري فيه النساء التفاوض. فالنساء اللاتي يجلن وحدهن على نحو عام محتاجات الى رخص حكومية. لا تستطيع امرأة سعودية حتى أن تبلغ عن تحرش رجل من غير أن يكون معها مصاحب من الذكور ('محرم'). 'أيحل لهن أن يدخلن الى الداخل بعد ان يمتن؟' سألت. وافقني بقوله 'تستطيع النساء أن يقبرن هناك لكن لا يحل الدخول والنظر'. 'هل أستطيع اذن أن أرى امرأة ميتة بعد أن أموت فقط؟'. لا عجب أنهم يسمونها 'المدينة الممنوعة'. إن العربية السعودية، او السعودية، احدى الأماكن الشعبية في العالم للحج، وهي تفوق القدس والفاتيكان وانجيكور بات في كمبوديا وكل موقع ديني آخر، سوى كومبامالا في الهند التي تجذب خمسين مليون حاج مرة كل ثلاث سنين. يجتمع ملايين المسلمين في المدينتين المقدستين مكة والمدينة في كل سنة. لكن الحديث بالنسبة لغير المسلمين عن شأن مختلف تماما. لقد حافظت السعودية زمنا طويلا لا على نسائها فقط بل عليها هي نفسها من وراء برقع.

 

لا دخول لليهود

 

في 1744 وقعت قبيلة آل سعود على اتفاق مع محمد بن عبدالوهاب، مؤسس التيار الوهابي المحافظ: حظيت القبيلة المحاربة باعتراف من السلطة الدينية اما الوهابيون الاسبارطيون فحظوا بالحماية. يستعمل القرآن حتى هذا اليوم دستوراً للمملكة، اما الوهابية فهي الديانة الحاكمة، بل إن العائلة المالكة عززت قادة التيار بعد أن سيطر متطرفون اسلاميون على المسجد الكبير في مكة في 1979. مكنت هذه الصفقة الوعاظ ومؤسسات التربية المتطرفة من النمو بلا عائق، ورأى العالم كله النتيجة في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001.كانت محاولة في بدء العقد في السعودية لاستقبال تيار ضئيل من السياح غير المسلمين، لكنها قطعت على أثر الهجوم الارهابي الكبير على الولايات المتحدة. وبعد مرور ثلاث سنين قررت المملكة منح صناعة السياحة فرصة أخرى واستأجرت من أجل ذلك هذه المرة شركة علاقات عامة.بيد أن موقع انترنت مجلس السياحة بدا 'مثل كارثة' كما يتذكر مسؤول سعودي رفيع المستوى وهو يهز رأسه. أنكر الموقع انه لم تصدر سمات دخول لمن لهم جوازات سفر اسرائيلية ولكل من له ختم اسرائيلي على الجواز أو لـ 'أبناء الشعب اليهودي' اذا لم يكن الامر واضحا تماما. وكانت ايضا 'توجيهات مهمة' لكل امرأة تدخل المملكة وحدها، تبين لها أنه يجب على زوجها أو 'رجل مسؤول' أن يأخذها من المطار. وقالت التوجيهات أيضا إن المرأة لا تستطيع قيادة سيارة إلا إذا كان 'يصحبها زوجها أو قريب أو سائق'. ولا حاجة الى ان نقول إن شرب الخمور محظور تماما في التوجيهات (يحاول مسؤولون سعوديون كبار حتى تطبيق منع شرب الخمور في الطائرات الخاصة في المجال الجوي السعودي، وأحيانا يغلقون خزائن خزن المشروبات). بعد أن أثار عضو الكونغرس من نيويورك، أنتوني فينر ضجيجا، أزيلت العبارات المعادية للسامية من الموقع. والآن، بعد مرور ست سنين يحاول السعوديون مرة أخرى. لكنهم لن يحتضنوكم إلا إذا كنتم جزءا من جماعة سياحية خاصة. 'لا نريد ذوي حقائب'، يقول الأمير سلطان بن سلمان، أول مسلم خرج الى الفضاء، وهو شخص طويل يحب الحديث يعمل رئيسا ومتوليا للمجلس السعودي للسياحة والآثار. ويتابع قائلا: 'نريد جماعات ذات مستوى عال ومثقفة'. ما تزال توجد حاجة الى الوفاء بشروط تقييدية ولن يكون الدخول سهلا.

 

لا البتة أيتها السيدة

 

كان يصعب التخلي عن اغراء زيارة السعودية بصفة ضيفة رسمية، برغم أن السعوديين المتحفظين عبروا عن مخاوف طوال الوقت. أعددت خطة لعطلة في المملكة، عالمة بأن زيارة للمكان لعشرة أيام وأنا امرأة، قد تكون تجربة مثيرة للاهتمام جدا. وفي واقع الأمر لم أكن امرأة وحيدة. انضمت الي زميلتي الجريئة، المصورة أشلي باركر.بدأت التجربة في الطائرة. كانت المضيفات أجنبيات لانه لا يحسن تشغيل مضيفات سعوديات؛ وقال عنوان في الصحيفة المحلية باللغة الانكليزية التي وزعت في الطائرة إن 'حمل الخنجر رمز للرجولة'، وأعلن آخر أن 'النساء المحاميات غير مرغوب فيهن في محاكم المملكة'؛ وتم اجراء الرقابة على الافلام في الرحلة الجوية، ولم تقدم الخمور وأقيمت ستائر خاصة مكنت النساء من ازالة النقاب التقليدي. مع الهبوط انتظرنا في المطار غرفة انتظار للنساء فقط، وغرفة صلاة للنساء. لولا أن المبعوث المحلي أتى لأخذنا لدفعنا بيقين الى تجوال لا ينتهي في المكان'.في أمريكا يتلقون الشكولاتة في غرفة الفندق. أما في الرياض فقد تحصلين من مضيفيك في المملكة على رزمة هدية تشتمل على شيء ما تلبسينه للعشاء وهو رداء أسود طويل (عباءة) ونقاب أسود يجعلك تبدين مثل مومياء وتشعرين كأنك تنور. وآنذاك أيضا يحشرونك وراء ستار أو حجاب في الفرع 'العائلي' من المطعم. أنا احترم الفرض الاسلامي للبس ملابس محتشمة لكنني لا أفهم لماذا يجب أن أتبنى لباساً كما صاغ ذلك أرون سوركين في مسلسل 'البيت الأبيض'، يجعل 'الراهبات يبدين مثل الدمى من مليبو'.إن التخفي من وراء نقاب أشد ايلاما في الاتصال بأعمال في ملكية أمريكية. في 2008 عندما غطيت سفر الرئيس بوش الى الشرق الاوسط، وقفت بجوار مراسلة أمريكية عند منصة استقبال فندق 'ماريوت' في الرياض، عندما ضغطت غاضبة على الموظف لادخالها غرفة اللياقة البدنية، وجه اليها 'الابتسامة'. وقال 'ما رأيك في ' ( لا البتة) يا سيدتي؟'. في السفر الحالي، عند منصة شركة استئجار السيارة 'بدجيت'، بين لي الرجل وراء المنصة أن النساء يستطعن استئجار سيارات اذا دفعن ثمناً آخر عوض سائق (واذا لم يكن هذا كافيا، فانه يعتبر من غير المشرف أن تقعد امرأة قرب السائق اذا لم يكن قريباً من الرجال). وعندما قلت انني لا استطيع القيادة بنفسي، انفجر الرجل ضاحكا ضحكا مدويا. بدأت أسلي نفسي في مؤسسات مختلفة بمحاولة أن أرى كم من الوقت تحتاج كلاب الحراسة من الذكور للوثب الى الأمام وصدي عن المناطق المخصصة للرجال. سد رجل صيانة لاحظ مظهري في ماكدونالدز الباب بمكنسة في غضون ثانيتين بالضبط. نجحت في أن أحظى بلحظة انتصار في المنطقة الخالية المخصصة للرجال في مقهى في ردهة فندق الهيلتون في جدة وطلبتُ كابوتشينو لكن نادلا أبلغني آنذاك انه لا يستطيع ان يقدم الي هذا ما لم أنتقل مترين الى المنطقة المخصصة للنساء.كان موظفو استقبال في الفندق يحذرونني أن البس عباءتي لاجتياز الردهة فقط حتى عندما لبست أكثر فساتيني احتشاما والذي يبلغ طوله البلاط ذاك الذي احتفظ به للجنائز في العائلة. قال أحد الموظفين 'ستجذبين الكثير من الانتباه، الانتباه غير الجيد'. إن عدم لبس العباءة قد يكون خطرا وتشعرين مع كل حادثة بأنك أشد خوفا وتكونين أقل اشتياقا للثورة على قوانين 'القمع باللباس'. اهتممت في هذا السفر بعباءة خاصة بي، كي لا أضطر الى أن أعرق عرقاً شديداً في الرداء التقليدي المصنوع من البولياستر، في الحرارة الخانقة. لكن الخياط كان أكثر اجتهادا مني في منحها منظرا مطريا، وأضاف عليها من الاجزاء ما كان يمكنه أن يجرح حنجرتي. عندما لبستها ضايقني مُصاحبيّ لألبس عباءة فوق عباءتي.قال لي أحد مرافقي المتزوجين من الشبان إنه يتعرّض في بعض الأحيان لمضايقات من الشرطة الدينية عندما يتحدث الى النساء: ' يقولون: (أيمكن أن نسألك مع من أنت موجود؟)، وأقول لهم: (إنها أختي). (أختك؟) يقولون. ( أهكذا تضاحك أختك؟).'أجل، في السعودية لا يخرجون في رحلات تنزهية. إن قيود الرومانسية ها هنا عدد من اللقاءات العذرية، ونظر تحت النقاب، وعقد زواج، واستقبال للفحص عن عذرية النساء وفحص الشراشف الملطخة بالدم تجعل القوانين تبدو مثل الكاما سوترا. يوجد في جدة مطعم صيني يسمى 'توكي'، وفيه فتيات غير متزوجات يستطعن أن يعرضن أنفسهن على المهتمين، على مسار عرض أزياء طوله 58 متراً. أصحاب الاهتمام مع ذلك ليسوا رجالا شبانا، بل أمهاتهم المسؤولات على نحو تقليدي عن الوساطة، بمساعدة وسيطة يرسلنها احيانا لتنظر من تحت الرداء وتفحص عن اطارات عروس المستقبل. تمنح الفتاة احتضانا لتفحص عن مبلغ صلابة نهديها، ثم تسقط شيئا ما على الأرض لترفعه الفتاة. وعندما تنحني الشابة وترتفع العباءة قليلا تستطيع الوسيطة أن ترى عقبيها، وأن تستنتج منهما عن صورة رجليها وعجيزتها.السحر في الرياض في عدم وجود سحر فيها. إن الايقونة البصرية الوحيدة، المخلدة بكريات البلور في الحوانيت التذكارية هي المبنى الأعلى في المدينة، 'مركز المملكة'، حيث يقع فندق 'الفصول الأربعة' والمجمع التجاري 'مركز المملكة'. مالكه هو الأمير الوليد بن طلال، ابن شقيق الملك عبدالله صاحب المليارات الذي سمته مجلة 'تايم' باسم 'وورن بافت العربي' (رفض رودي جولياني تبرعا قيمته عشرة ملايين دولار من الوليد لنيويورك بعد احداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر، بعد ان زعم الوليد ان سياسة الولايات المتحدة أسهمت في الهجوم). يوجد في رأس ناطحة السحاب عيب على صورة الحرف V الذي هو بحسب نكتة للسعوديين لا ذوق فيها 'معهد تدريب المختطفين'. شكا رجل من فريق أردني في فندق 'الفصول الاربعة' في الرياض على مسمعي من أن الشيء الوحيد الذي يفعله السعوديون هو 'الشراء والأكل، والأكل والشراء'. في المجامع التجارية الموزعة في كل مكان، نساء في ملابس سوداء وقفازات لا تنظر سوى عيونها، يشترين ملابس داخلية من طراز 'لا فيرلي'. وفساتين فيرزاتشي وحقائب ديور ومجوهرات بولغاري. الجمال مخدر عند النساء السعوديات، برغم أنهن محشورات في البيت أكثر الوقت او ربما بسبب ذلك خاصة. يقف ادمان الشراء في زمن الصلوات فقط، عندما تغلق شبابيك الحوانيت الحديدية. إن الرجال الذين يحتملون نصيبا أكبر من الالتزام خمس مرات في اليوم يتوجهون الى غرف الصلاة. وتجول النساء كالفراشات بين نوافذ عرض الحوانيت المغلقة. الجو ارتيابي. ذات مرة عندما حاولت أشلي أن تصور صورة لنساء سعوديات يشترين في حانوت ملابس داخلية، أتت حارسة تجري لمصادرة الكاميرا. 'امضين ببساطة'، نصحتنا امرأة غربية شهدت هذا المشهد. 'انها امرأة لا تستطيع أن تفعل بكما شيئا'. نشأ آخر الأمر شيء ما ايجابي عن كراهية النساء.يوجد في المجمع التجاري 'مركز المملكة' طبقة للنساء يحميها زجاج غير شفاف كي لا يتصرف الرجال مثل فتيان جوقة في مدرسة وينظرون. تعلم لافتات في الطبقة النساء أنهن عندما يدخلن الى الداخل، عليهن أن يرفعن الاغطية عن رؤوسهن. وهكذا لا يستطيع البصاص المحلي أن يتنكر بملابس النساء ويجول بينهن متعرضا. يمكن قياس الملابس حقا في طبقة النساء. في الطبقات التي يختلط فيها الجنسان ينبغي أحيانا شراء ما تحتاج اليه بمقاييس مختلفة ثم تأخذ ذلك الى البيت وتقيس حتى إن التفكير في امرأة متجردة من اللباس وراء باب غرفة القياس هو كثير جدا عند الرجال، كما يبدو. يوجد شيء ما يلذع القلب في رؤية بنات صغيرات يجرين في مراكز الشراء في ملابس عادية، ويلعبن مع الاولاد الصغار على نحو معتاد. تعلمين ما الذي ينتظرهن بعد بضع سنين. عندما بلغت النضج الجنسي، أعطتني أمي كتابا اسمه (أن تصبحي امرأة). عندما تبلغ هؤلاء البنات النضج الجنسي سيضعون لهن نقابا أسود على الرأس.

 

حسية المشهد

 

تحظى الرياض في السنين الاخيرة بشيء ما من الاحكام. 'ويلي'، تقول الاميرة السعودية ريما بنت بندر آل سعود، امرأة الاعمال الحسناء من الرياض التي هي ابنة الامير بندر بن سلطان، سفير السعودية السابق القديم في الولايات المتحدة. 'يكاد يفتتح كل اسبوع مطعم جديد، وأنا أضمن لك أن مناظرها والطعام الذي يقدم فيها منافسان، ربما لا أقول للمطاعم العشرة الفضلى في نيويورك او في لندن، بل لمطاعم في المكان الحادي عشر حتى العشرين'.إن جدة وهي ميناء الدخول الرئيسي للحجاج، هي عاصمة أعمال السعودية. 'جسر البحر الاحمر' هو بيت نساء ـ مبادرات كثيرات، ويقول السكان انهم يحاولون أن يقولوا لسائر الدولة أن تهدأ. تترك النساء عباءاتهن مفتوحات من الأمام، أو يلبسن أقمصة او بناطيل جينز ضيقة جدا تحتها. لكن بركة الفسيفساء الزرقاء المغرية في فندق هيلتون جدة ما تزال للرجال فقط. نظرت الى رجل سعودي يسبح في البركة حينما مشت امرأة في 'ملابس ننجا كاملة'، كما يسمي رجال أعمال امريكيون ذلك ها هنا، على أطراف أصابعها على طرف البركة وثرثرت معه. سألت البواب عن المسجد في الفندق وقال انني لا أستطيع الدخول الا اذا كنت مسلمة. بعد ذلك، قال لي الامير سعود انني كنت استطيع ببساطة طلب اذن من أمير المنطقة (أيظهر اسم الامير في كتاب أرقام الهواتف؟). يقول الرجال في المملكة احيانا على نحو آلي 'لا، لا، لا' للنساء لأن هذا جواب آمن أكثر من غيره. لكن النقطة الجوهرية فيما يتعلق بالسعودية هي أن كل شيء مرن ويتعلق الأمر بمن تكون، وبمن تعرف، وبمن تسأل، ومن الذي توجد معه وأين توجد. شرب الخمور حرام البتة، لكن يوجد عند السعوديين ذوو تأثير كثيرون، خزائن مشروبات مملوءة جيدا 'اخلعي العباءة عندما تشربين الويسكي'، أرشدني ثري سعودي عندما قدم الينا الساقي كوكتيلا عنده في البيت.يوجد رجال سعوديون يقرأون المستقبل في القهوة، ونساء سعوديات كثيرات يحببن الابراج، لكن الشرطة ها هنا ضبطت مقدم تلفاز لبنانيا يتدرب على مواهب المتنبىء بالمستقبل زمن الحج. حكم عليه بأن يضرب عنقه بسبب السحر (وأجل الاعدام بعد ضغط اعلامي دولي). لا يستطيع غير المسلمين دخول المدينتين المقدستين مكة والمدينة. قد تكون السعودية شبه مفتوحة الان (من المضحك أن نرى كم من الناس سموا جمالهم 'باراك' باسم اوباما)، لكن الاماكن المقدسة لن تفتح قريبا لغير المسلمين. على الشارع السريع الى مكة، 'طريق التفافي للنصارى' يقول لنا أين نتحول عن الطريق. 'المشركون يتحولون هنا'. ربما يمكن ذات يوم النظر من بعيد الى ما يتوقع أن يكون ثاني أعلى مبنى في العالم وما يزال يبنى على يد شركة العقارات لعائلة ابن لادن، إنه اتحاد فنادق سيكون في رأسه ساعة أكبر بست مرات من ساعة بغ بن اللندنية (يؤمل السعوديون أن تدفع 'ساعة مكة' ساعة غرينتش عن مركزيتها الحالية). في هذه الاثناء، لا يحل حتى للطائرات الاخلال بقداسة المدينتين، وينبغي الابتعاد عن المجال الجوي المقدس كي لا ينظر الكفار من أعلى. إن سارة بانت، وهي مرمونية حسناء زرقاء العينين من كاليفورنيا أسلمت، تعمل اليوم في اتحاد في جدة. وترتدي عباءات شانل. أخذتنا بانت الى درة العروس. وهي قرية سياحية يوجد فيها للسعوديين الاثرياء وابناء العائلة المالكة بيوت وقوارب. فن العمارة مأخوذ من السبعينيات والألوان من ميامي والجو اباحي حقا اذا قيس بسائر الدولة. انها منطقة حرة على نحو نادر. فالنساء يستطعن قيادة السيارات ولبس ما شئن. ويستطيع الرجال والنساء الاختلاط بلا خوف. صادرت على عجل سيارة بي ام دبليو من شيخ لطيف كي أستطيع ان اجول عدة دقائق باندفاعة تحرر لا قلق فيها. بعد ذلك اخذ الشيخ سارة وأشلي وأنا الى قاربه وكان قارب ذو محرك يسير من الخلف في جولة في البحر الاحمر ذي اللون اللازوردي. كان مسلما وقدم لنا فقط مشروبات خفيفة عندما مضينا الى جزيرة معزولة. لكن اذا استثنينا ذلك كان يمكن لبس بكيني حقيقي وأن نحيا الحياة الجيدة. أن نصغي الى موسيقى نواد صاخبة من جهاز الايبود، وأن نأكل بوظة البكان الذائبة وفواكه الغابة الطازجة، وأن نحسو عصير الرمان الفوار من كؤوس ضيقة.كنت دهشة قليلا لحسية المشهد. فانه يصعب أن نصدق أن هذه هي السعودية. جرتني الافكار الى الفيلم الصامت 'الشيخ'، الذي يجر فيه رودلف فالنتينو أغنس ايريس فوق حصانه في الصحراء ويقول 'نامي في هدوء أيتها الحمقاء الصغيرة'. وأفترض أن هذا هو سبب أنه يوجد عندهم 'المطوع'، أي الشرطة الدينية.

 

معاريف 29/9/2010

 

 

أضواء على تيارات المعارضة في إسرائيل    الحلقة(1)

 

* هل للمعارضة الإسرائيلية قيمة ؟ وكيف يجب قياسها ؟

 

* أربعة تيارات للمعارضة تتوزع اليمين والوسط واليسار.

 

* أدت حرب حزيران إلى سلسلة من الانفصام والاندماج في الأحزاب الإسرائيلية.

 

* "حركة اسرائيل الكبرى" نشأتها وفكرها ومستقبلها .

 

تحفظات:

 

أية دراسة لتيارات المعارضة الإسرائيلية،لا تنطلق من نقطة تحليل واضحة تشكل قاعدة البحث وقاعدة التقييم ستؤدي إلى سلسلة من التناقضات تجعل مثل تلك الدراسة معرضة للسقوط في عشرات الأفخاخ المنصوبة أمامها . وإذا كان صحيحاً أن الحاجة الأولى الآن هي حاجة تقتصر على "عرض صورة" موضوعية لواقع تلك التيارات المعارضة داخل إسرائيل،فإن مثل تلك العرض يفقد قيمته أن هو لم يحدث من خلال موقف فكري،وبواسطة أدوات تحليل موضوعية وملتزمة. ولذلك فإن الحديث عن القوى السياسية المعارضة في إسرائيل حديث يجب أن يحاط بسلسلة من التحفظات،وأيضاً بالتشديد على سلسلة من المبادئ والقواعد المركزية التي يجب أن تظل أساساً تجري وفقه عملية تقييم تلك القوى المعارضة.

 

* أولى هذه القواعد أن الموقف العربي من المسألة الإسرائيلية برمتها بات مرتبطاً بصورة يستحيل فصمها بمبدأ الكفاح الثوري المسلح طريقاً وحيداً لتقويض البنيان الامبريالي والعنصري و الاغتصابي لإسرائيل ولذلك فإن أي قياس عربي للجدوى التاريخية لأية قوة إسرائيلية معارضة سيكون ملزماً دائماً بمدى اقتراب أو ابتعاد تلك القوة عن خدمة تلك المبدأ الجوهري .

 

* وثاني هذه القواعد أن القوى السياسية المعارضة في إسرائيل ليست،ولن يكون بوسعها،أن تحسم مسألة الصراع العربي الإسرائيلي سواء من جهة اليسار أم من جهة اليمين،ولكن ذلك لا يفقدها قيمتها كحقائق راهنة تمثل قوى لها تأثيرها،على المدى المباشر أو على المدى البعيد،ولذلك فإن عملية إسقاطها من الحساب،أو وضعها في قدر واحد مع بعضهما ومع السلطة الحاكمة،هو عمل ليس من الحكمة في شيء،ولا يخدم بأي شكل مستقبل النزال المصيري القائم على التخطيط وحسن التصويب.

 

* وثالث هذه الحقائق أنه،في الوقت الراهن وإلى مدى لا يمكن رؤية طبيعة امتداده،لا مكان بالنسبة للعرب لفتح حوار مع هذه المعارضة الإسرائيلية،والشكل الوحيد المقبول الآن- بالنسبة للعرب - للمعارضة الإسرائيلية هو ذلك الشكل الذي يتجاوز رفض الصهيونية إيديولوجياً إلى رفضها جغرافياً أيضاً، فالتناقض الكامن بين رفض إسرائيل إيديولوجياً والتمسك بها جغرافياً،يطرح على الفور تناقضاً أساسياً مع حركة التحرير الفلسطينية .

 

* ورابع هذه الحقائق أن " كمية المناورة " التي تعطي المعارضة الإسرائيلية لنفسها حق ممارستها،تبلغ من الاتساع حداً يستلزم من العرب التسلح بكمية مضاعفة من الحذر والتحفظ،والاهتمام بصورة أكثر مدى التزام تلك المعارضة بمواقفها النظرية على صعيد الممارسة . ولكن هذه الحقائق مجتمعة يجب أن تساعد على رسم صورة موضوعية لما يمكن لهذه المعارضة أن تلعبه داخل إسرائيل،على هامش المعركة التي تخوضها الجماهير العربية تحت إعلام الكفاح المسلح وشعارات التحرير الحقيقي والكامل .

 

الوضع الحزبي في إسرائيل

 

لقد كانت الحدود الحاسمة بين معظم الأحزاب المعروفة في إسرائيل،وخصوصاً تلك التي تدين بالصهيونية أساساً،حدوداً غير واضحة أبداً،وهذا هو التفسير الأول لعمليات الاندماج والانشقاق والتحالفات المستمرة التي كانت تنشط قبل وأثناء المعارك الانتخابية. ففي كنيست 1949 و1951 دخل" الماباي" مع" أحدت هاعافودا" الانتخابات  في قائمة واحدة . وفي كنيست 1961 اندمج"الصهيونيون العموميون"،"بالتقدميين"و" وشكلوا قائمة "الليبراليين" التي صارت حزباً فيما بعد،ما لبث أن تحالف مع "حيروت" ليشكلا كتلة"غاحال". وفي كنيست 1949 دخلت الأحزاب الدينية الثلاثة في حلف موحد تحت اسم"الجبهة الدينية المتحدة". وفي كنيست 1951 و955و95 انشق اثنان من هذه الأحزاب الدينية الثلاثة عن الجبهة الدينية المتحدة ،وشكلا "جبهة التوراة الدينية " . وفي كنيست 965 دخل حزب " رافي" الانتخابات،بعد انشقاقه عن "الماباي" في قائمة مستقلة،وعاد في 1968 واندمج "بالماباي" . وفي 1967 انشق ثلاثة نواب وصلوا إلى كنيست 1965 على قائمة "حيروت"،وشكلوا "حركة المركز الحر". وهذه النماذج على حركة المد والجزر،والاندماج والانفصام،بين هذه الأحزاب،هي دليل واحد فقط على غياب الحدود الحاسمة بين مواقف هذا القطاع من التشكيلات السياسية في إسرائيل،ولكن لعل أبرز أمثلة هذا الغياب ،هو موقف "المابام"،الذي بنى موقفه على معارضة ايديولوجية نظرية للحزب الحاكم،ولكنه لم يتردد في قبول الدخول إلى الوزارة التاريخية الحاسمة،ليشارك في صياغة انعطاف جذري في حياة إسرائيل نحو المزيد من العدوانية والتوسع،وليبارك الموقف الراهن لحزب الماباي،ويعلن تصريحات موازية في الفاشية والعدوانية .

 

4 تيارات أساسية بالمعارضة

 

هذه الحقيقة تقربنا أكثر نحو الدخول إلى صلب التيارات المعارضة،ويمكننا بعد استثناء الأحزاب التقليدية التي اشتركت علاني في اللعبة الإسرائيلية بشكل أو بآخر حصر هذه التيارات بأربعة تيارات :

 

* أولاً: التيارات المعارضة التي مضت إلى أقصى اليمين،والتي تعبر عنها ، مهما اختلفت التسميات،الحركة التي أطلقت على نفسها اسم:"حركة أرض إسرائيل".

 

* ثانياً: الحزب الشيوعي،أو بكلمة أدق:الحزبان الشيوعيان،اللذان جاءا نتيجة انشطار بين جماعة غالبيتها من الإسرائيليين،يتزعمهم سينينه، وميكنس،وبين جماعة غالبيتها من العرب يتزعمها أميل توما،وماير فلنر.

 

* ثالثاً : التيارات اليسارية،التي هي أقرب إلى التجمعات الصغيرة منها على الأحزاب،والتي هي بشكل ما انعكاس لتيارات اليسار الجديد،في أوروبا، وتمثلها مجموعة "ماتس بن" (البوصلة)، ومنها"الهيئة المناهضة للضم"، ومجموعات صغيرة أخرى.

 

* رابعاً : ما يمكن تسميته بالموقف الحزبي،أو التنظيمي،لعرب الأرض المحتلة،وهو يستحق بنداً خاصاً من البحث بالرغم من أنه يعبر عن نفسه تارة بالالتحاق بالحزب الشيوعي،وتارة أخرى بمحاولات محدودة،وجزئية،لتشكيل حركة ذات إطار قومي عربي مستقل عن كل ما هو إسرائيلي،مثل حركة الأرض،أو الجبهة الشعبية.

 

الوضع الحزبي بعد 5 حزيران

 

لقد أتت حرب حزيران،في الجهة الإسرائيلية،إلى هزة يمكن تصنيفها تحت البند الذي يمكن أن نصنف تحته،في الجهة العربية،الهزة المماثلة،والتي ألقت أضواء ،وأحدثت اكتشافات ،كانت على حد بعيد اكتشافات مفاجئة. فقد جعل الانتصار الإسرائيلي كثيراً من التيارات الإسرائيلية المترددة،تختار اتجاهها النهائي،أو على الأقل الأكثر وضوحاً،فالخامس من حزيران لم يؤد فقد إلى خلق جو من النشوة في إسرائيل،ولكنه أيضاً دفع مراكز القوة السياسية،التي متعت نفسها بحق المناورة طيلة السنوات الماضية،لأن تكشف عن نفسها،وتعلن انتساباتها الحقيقية. فالخامس من حزيران هدم كثيراً من الأسوار التي كانت تفصل بين الأحزاب الإسرائيلية،وبعد العدوان بسبعة شهور فقط لم يجد الماباي مبرراً ليظل على خلاف مع رافي ،فعادا للاتحاد في 21 كانون الثاني 1968، وشكلا مع أحدوت هاعافودا حزباً واحداً،وعشية العدوان لم يجد المابام أي مبرر لخلافه التقليدي مع الماباي،فقبل بالمشاركة بالحكم،ومضى في هذا شوطاً أبعد فتخلى عن حساسيته التي التزم بها بهدف كسب الأصوات العربية،ومضى يجهر بمطامعه التوسعية ومواقفه المناهضة لعرب الأراضي المحتلة والدول العربية على السواء،وفيما بعد،لم يتردد يوسف سابير،وزير الدولة الإسرائيلي عن حزب الأحرار،من أن يقول في مؤتمر صحفي عقده في أوساط كانون الأول 968،من أنه لا يجد،بعد حرب حزيران،أي سبب لاستمرار الخلاف الذي نشب عام 1965 مع حزب حيروت بسبب حدود دولة إسرائيل،وكذلك لم يجد أشكول مبرراً لعدم تعاون الماباي مع حزب حيروت اليميني التوسعي والمتطرف فأشرك مناحيم بيغن بالمؤازرة،بل أن يبغال آلون،لم يجد ما يمنعه كعنصر رئيسي في حزب الماباي ونائب رئيس الوزراء من أن يستقبل وفداً عن " حركة إسرائيل الكبرى"،الأكثر تطرفاً من الجميع،ويعرب لها في ذلك اللقاء الذي تكرر أكثر من مرة،عن وده وتفهمه لمراميها. وفي الوقت الذي أدت هزة الانتصار الإسرائيلي على تهديم تلك الحواجز بين الأحزاب،وأوجدت الفرصة للكشف عن حقيقة الأرض المشتركة فيما بينها والتي كانت تختفي تحت ركام المناورات الانتخابية والإعلامية،حدثت أمور أخرى لا تقل أهمية .

 

* فمن جهة أولى رأت تيارات كامنة  في الانتصار الإسرائيلي في الخامس من حزيران فرصة ذهبية لتبني حقيقة النوايا التوسعية الإسرائيلية التي كان الصهاينة يحرصون دائماً على تغليفها بشيء من التضليل،وهكذا انطلقوا يبشرون بها علناً كشعار لحركة أسموها "إسرائيل الكبرى"،لا تتردد في المجاهرة بأن الحدود التي وصل إليها الغزو الإسرائيلي في حزيران 1967 هي حلقة واحدة في خطة تعتمد بالتخطيط إلى توسع إضافي بالمستقبل.

 

* ومن جهة أخرى رأت تيارات إسرائيلية معاكسة،إن حرب حزيران والانتصار الإسرائيلي الذي حملته،لم يضع حداً للمشكلة ،ولم يضمن شيئاً لأمن إسرائيل،وأن الحلقة المفرغة التي دخلها العنف الإسرائيلي لا مخرج منها إلا بوقفة تنظر إلى الأمر بمجمله نظرة جديدة،وتقدم تحليلاً عصرياً يمكن أن يكسر هذه الحلقة المفرغة. وبالطبع فقد قاد اليسار هذه التيارات،وانبثقت عنها تجمعات صغيرة مختلفة ومتداخلة ومتعاونة في قليل أو كثير مع الحزب الشيوعي في إسرائيل،ويحاول الاتصال دائماً بعرب إسرائيل،على أساس أنهم الجهة المعنية أكثر ببرامجها. وهذا كله يوصل إلى حقيقة هامة ،وهي أن التيارات المعارضة في إسرائيل،سواء تلك التي مضت إلى أقصى اليمين أو تلك التي اختارت اليسار،فقد سجلت بياناً مختلفاً لصورة المعارضة داخل إسرائيل عن ذلك البيان الذي كان لصورتها قبل الخامس من حزيران. إن الملاحظة الثانية في هذا النطاق يمكن تلخيصها بمايلي:ليست المعارضة اليمينية في إسرائيل،في الحقيقة،إلا الخطوة الثانية للحكومة الإسرائيلية،ومن هذه الناحية فإن تسميتها بالمعارضة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية تسمية محاطة بالتحفظات . وكذلك فإن المعارضة اليسارية في إسرائيل،بالنسبة للعرب في فلسطين المحتلة،تشكل بدورها الخطوة قبل التالية نحو حقيقة مطالبهم،هذه المطالب التي لا يتاح لهم حتى الآن فرصة التعبير عنها بالصورة التي يتوقون لها . ومن هذه الناحية فإن تسمية هذه المعارضة باليسارية ،بالنسبة لعرب فلسطين المحتلة،تسمية محاطة بهذا التحفظ أيضاً . بكلمات أخرى :إن اليمين الإسرائيلي المعارض هو احتياطي السلطة،بينما اليسار اليهودي المعارض هو احتياطي عرب فلسطين المحتلة، في نطاق النشاط السياسي العلني .

 

حركة إسرائيل الكبرى

 

لقد تبلورت"حركة إسرائيل الكبرى" بعد حرب حزيران،واستقطبت على جناح السرعة،ووسط جو النشوة بالانتصار،قطاعات شاسعة من اليمين الإسرائيلي ،ومن كل التيارات التي اعتبرت التوسع والتعصب الديني وجهي العملة الصهيونية الحقيقيين. والاسم الرسمي لهذه الحركة هو " حركة أرض إسرائيل"،ويبدو أنها حتى الآن لم تأخذ طابع الحزب،ولكنها تقبل أن تضم في صفوف مناصريها عناصر من مختلف لأحزاب الإسرائيلية. وترى هذه الحركة أن حدود أرض إسرائيل هي تلك التي حددتها مذكرة الحركة الصهيونية إلى مؤتمر السلام في 1919،وهي تحدد الحدود الشمالية بنهر الليطاني في لبنان، وجبل حرمون،والحدود الشرقية بالخط الحديدي الحجازي،أما في الجنوب فإن معظم صحراء سيناء قد اعتبرت آنذاك ملحقة بأرض إسرائيل. وتقول الحركة أن أرض إسرائيل،تاريخياً ،تتضمن أجزاء من الأراضي التي هي الآن أرض سورية،أو لبنانية،وكل صحراء سيناء التي تعلن هذه الحركة أنه"ليست جزءاً تاريخياً من مصر". ومن مبادئ هذه الحركة أن"المستعمرات اليهودية لم تنقطع عن الوجود في فلسطين منذ 3500 سنة" وأن الـ 13 قرناً الماضية"لم تشهد أي شعب آخر ،طور هذه الأرض أو ادعى أنها وطنه" وأن"ادعاء العرب بأن فلسطين وطنهم لم يحدث إلا في أعقاب الحرب العالمية الأولى" وأن"حق اليهود في فلسطين هو حق نهائي". وعلى ضوء هذا الإيجار الكافي لمبادئ الحركة،نطالب هذه الحركة بعدم الانسحاب من الأراضي المحتلة بأي ثمن،وإلا تقبل إسرائيل أية مفاوضات مع العرب إلا باعتبار حدود حزيران 1967 هي حدود إسرائيل وأن اللاجئين الفلسطينيين لابد أن يجري إسكانهم في الدول العربية .(*) لقد وضعت هذه الحركة ،على ضوء هذه المبادئ ،الخطوط العريضة لبرامج تتعلق بمعالجة مشاكل التزايد السكاني لدى الأقلية العربية في إسرائيل،وتشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل،وهي تنشر أجزاء من هذه البرامج في إعلانات كبيرة في معظم الصحف الإسرائيلية على شكل أسئلة وأجوبة. وقد عقدت جماعة"إسرائيل الكبرى" مؤتمرها الأول في القدس العربية المحتلة يوم 5 حزيران 1968،بمناسبة مرور عام على احتلالها،وكانت أبرز قرارات ذلك المؤتمر مناشدة الحكومة الإسرائيلية رفض قرار مجلس الأمن رفضاً قاطعاً،واعتبار خطوط وقف إطلاق النار حدوداً ثابتة،وتنظيم استيطان اليهود في المناطق المحتلة التي تسميها الحركة"المناطق الجديدة" . وحضر المؤتمر المذكور أربعمائة مندوب،على رأسهم أرملة بن زفي،رئيس الجمهورية السابق،وممثلين عن حزب العمل الموحد الحاكم(مردخاي سوركيس،وأمنون لي) وعدد من ابرز الكتاب الإسرائيليين مثل موشيه شمير،ويهودا بورلا،وحاييم هزاز. وحث حزب حيروت بتحية للمؤتمر أعرب فيها عن تضامنه مع أهدافه،وبارك الحاخام الأكبر نسيم أعمال المؤتمر. ومن أبرز زعماء هذه الحركة شخص يدعى"أيسر هرائيل"،وكان في السابق يشغل منصب رئيس الـ"شين بت" أي المباحث الإسرائيلية العامة. وقد حددت نشرة الحركة"هاخزيت" أي"الجبهة"،الخطوط البارزة لفكرها،في عددها 13،وهي النشرة الناطقة بلسان حركة إسرائيل،بهذا المقطع الواضح: "يكثرون في القول:أليس هدفنا هو السلام؟هذه صيغة كاذبة،ما جئنا إلى هنا من أجل السلام،وكل ما نفعله هنا ليس من أجل السلام،وإنما من أجل خلاص شعب إسرائيل وأرض إسرائيل(هذه الجملة هي شعار الحركة الصهيونية) إن فكرة السلام ليست هامة تجاه الفكرة المركزية التي جئنا من أجلها إلى هنا،ومن أجلها سفكنا الدماء،دماءنا ودماء الآخرين،وسنضطر بالطبع إلى سفك المزيد من الدماء كان ثمة خياليون حاولوا إخراج سفك الدماء من طريق الصهيونية،ولكن الواقع أثبت ان أقوالهم كخيوط العنكبوت،ومن يشترط خلاص إسرائيل بطرق السلام معاد للأخلاق،لأنه ليس هناك أكثر من تخليص شعب في أرضه،التي هي أرضه الوحيدة بينما للعرب هنا وللعرب في بلاد الشرق الأوسط،دول وبلدان عديدة وغنية،إن هدفنا هو:عودة صهيون،لا السلام"(*) . وفيما بعد سيكتب أحد كبار  مفكري هذه الحركة،هو الدكتور"الداد شيب" مقالاً في "هاخزيت" يقول فيه حرفياً: " لا توجد وحدة قومية فلسطينية،فاليهود من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة،غير الموجودين هنا،هم هنا أكثر من العرب الموجودين هنا..العرب ليسوا هنا من ناحية الماضي ومن ناحية المستقبل،أنهم مؤقتون هنا،وفي شرق الأردن أيضاً،بعد عشرين سنة أخرى،سيرحلون بالقوة أو من تلقاء أنفسهم،فكما أنه سيبقى قليل من اليهود في العالم،كذلك لا يبقى إلا القليل من العرب هنا،وهذا هو كل شيء . سيرحلون،ولقد قرروا في أعماق أنفسهم أن هذه البلاد ليست بلادهم،إن عرب إسرائيل يدركون من أعماق أنفسهم أن التاريخ قال كلمته: أرض إسرائيل ستكون كلها أرض إسماعيل.ولكن ذلك لا يكفي . يجب أن نساعد التاريخ والعناية الإلهية ،وستكون المساعدة وفقاً للظروف والساعة.لن نطلب دائماً دير ياسين(واليوم لا يوجد هنالك من لا يبارك دير ياسين لأنها ساعدت العرب على اتخاذ قرارهم بالرحيل. يجب أن نمنع عنهم مصير اللاجئين عن طريق مساعدتهم على أن يكونوا مهاجرين.إن من يدعو إلى هجرة اليهود من المهاجر،بجماهيرهم،من حقه ومن المحتم عليه أن يدعو إلى رحيل العرب،بجماهيرهم ،عن أرض إسرائيل.هذا هو عن أرض إسرائيل.هذا هو أشد الحلول إنسانية لليهود والعرب.." (**) . وفي سبيل تعزيز آراء من هذا النوع،واستنتاجات على هذه الشاكلة،أعادت الحركة المذكورة كتابة التاريخ وفق هواها،ومن خلال منطق يتميز بالتفاهة،ولا يصمد أمام أي امتحان فكري أو تاريخي أو منطقي يتمتع بالشيء اليسير من الجدية،فعلى سبيل المثال تعتبر الحركة هذه في فلسفتها إن سبب عدم كون سيناء وطن مصري هو أن سيناء كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى عام 1840 " وتعتبر هذه الحجة كافية لإسقاط حق مصر بها،وكذلك فهي تقيس فترات الاستعمار الأجنبي للشرق الأوسط كفترات تلغي حق العرب في الحديث عن دول مستقلة،ولكنها لا يبدو أنها تشعر بأي تناقض حين تعتبر أن وجود عدة مئات من اليهود في فلسطين،تحت سلطات حكومات مختلفة على مر التاريخ،برهاناً كافياً على حق اليهود في فلسطين. أي أنها تلجأ إلى الخدعة الصهيونية التقليدية والمبتذلة التي ترى في الشرق الأوسط تاريخ المستعمرين فقط،وليس تاريخ الشعوب،ولكنها لا ترى في وجود اليهود في الشرق الأوسط إلا تاريخ اليهود أنفسهم،ووحدهم . لقد جمعت هذه الحركة،بعد الخامس من حزيران،مبادئ حزب حيروت التوسعية والعنصرية مع مبادئ المتدنيين القوميين،وطبخت هذه المبادئ معاً في نار السلطة الحاكمة وإنجازاتها الاحتلالية.ولذلك فقد أنشأت مركز استقطاب يميني وتوسعي وعنصري،يتوقع له الكثيرون أن يتبلور في المستقبل كتيار قد يصل إلى صيغة التنظيم الحزبي وبالتالي القوة السياسية الفاعلة ،ويجتذب في إطاره تيارات النازية الجديدة ،والشوفينية العنصرية . إن هذه الحركة من حيث الشكل،تقف إلى يمين القوة السياسية الحاكمة في إسرائيل،وتشكل في الوقت الراهن أداة ضغط يستخدمها أطراف الصراع في الحكم الإسرائيلي لمحاربة المعتدلين من جهة،ولإبراز ورقة مساومة من جهة أخرى  في نطاق الصراع الداخلي بين القوى السياسية المختلفة في إسرائيل،ولكن هذا الاستخدام التكتيكي لهذه الحركة،لا يقف عند هذه الحدود،وهي تحمل في ذاتها بلا ريب قيمته الإستراتيجية الخاصة،وتشكل أحد احتمالات المستقبل بالنسبة للوجه السياسي والعسكري لإسرائيل،والذي لا يخفي الكثيرون داخل إسرائيل اعتقادهم بأنها تمثل جوهرياً مستقبل الصهيونية وأحزابها الحاكمة .

 

المراجع :

 

(* ) مبادئ الحركة في إعلان ظهر على ص 6 + 7 من "الجيروزاليم بوست ويكلي" 2 كانون الأول 1968 .

 

 (*) من مقال لاميل توما - الاتحاد 14/6/1968 .

 

 (**) عن الاتحاد - حيفا- 20/12/1968 .

 

مجلة الهدف/العدد الثاني/2/آب/1969 عدد القراءات 253

 

2010-08-13

 

أضواء على تيارات المعارضة في إسرائيل الحلقة (2)

 

الشيوعيون في اسرئيل

 

في الحلقة الأولى من هذه الدراسة التي تقدمها "الهدف" عن تيارات المعارضة في إسرائيل،تتطرق البحث إلى الأسلوب الذي يجب أن يجري وفقه تحليل تلك التيارات والتحفظات التي يجب تسجيلها خلال ذلك التحليل،كما تحدث عن حركة الانشقاق والاندماج التي شهدتها الأحزاب الإسرائيلية خلال السنوات الماضية ،وانتهى بالحديث عن المعارضة في أقصى اليمين،وهي التي تتمثل "بحركة إسرائيل الكبرى"،وفيما يلي يتطرق البحث للحديث عن الشيوعيين في إسرائيل. في عام 1965 انشق الحزب الشيوعي الإسرائيلي إلى معسكرين ،ويمكن بالتبسيط ،أن تحلل ذلك الانشقاق كمايلي:لقد استطاع الحزب،منذ إعلانه رسمياً عام 1948 ،أن يتجنب،بسبب من وجود عناصر عربية كثيرة فيه،الإجابة على أسئلة عديدة تتعلق بوجود إسرائيل،وإطار ما يسمى بحقوقها. إلا أن الأعضاء اليهود في الحزب شعروا بصورة متزايدة أن عدم جهرهم "بحق إسرائيل في البقاء"،والمضي بهذا الجهر إلى أبعد الحدود،يحرمهم من التوسع في جمهور اليهود،وحين طرح هذا الموضوع في مؤتمر عام لقادة الحزب،رأي الأعضاء العرب أن إعلان الحزب لموقف من هذا النوع،سيؤدي إلى الحد من توسع الحزب في الجمهور العربي. وبالطبع،حمل الخلاف وجهات نظر تتعلق بالمواقف المختلفة،وفي الواقع فإن تلك الفترة شهدت بروز حركة قومية عربية،وتيارات عروبية،في أوساط عرب فلسطين المحتلة،مما زاد في الضغط على الحزب الشيوعي،وعلى عناصره العربية بصورة خاصة . وانشق الحزب،بصورة عنيفة،إلى حزب شيوعي يهودي(يدعونه ماكي) وإلى حزب شيوعي غالبيته من العرب(يدعونه راكاح). وبرزاميل توما،وهو شيوعي قديم انتسب إلى الحزب منذ عام 1939 كعنصر مهم  في الحزب الشيوعي العربي،يقف إلى جانبه عدد من العناصر البارزة الأخرى،مثل توفيق طوني،واميل جيبي،وماير فلنر الذي يتزعم الحزب. وفي انتخابات للكنيست الأخيرة(1965) حاز الحزب الشيوعي العربي(راكاح) 26 ألف صوت،مما حمل له إلى المجلس 3 نواب،فيما حصل"ماكي"على شعبة تسعة آلاف صوت،حملت له نائباً واحداً إلى المجلس. ويصدر الحزب الشيوعي العربي صحيفة شبه يومية اسمها"الاتحاد" وصحيفة شهرية أدبية اسمها "الجديد" وقد استطاع عناصره العرب أن يبرزوا لدى التجمعات العربية في اسرائيل كقوى وطنية جريئة. وبالنسبة للقضية الفلسطينية،ولعرب فلسطين والاراضي العربية المحتلة،فان (راكاح)الحزب"العربي"،يتخذ مواقف أكثر جرأة و وضوحاً ويسارية مما يستطيع"ماكي" أن يفعل.

 

موقف ماكي

 

وللحزب الشيوعي"اليهودي" طريقة احتيالية في صياغة مواقفه ومنطقه،ومن السهل فهم أسباب ذلك،إن مطالعة مستمرة لصحف هذا الحزب تبرز اعتناق قيادته لمنطق يمكن تلخيصه على النحو التالي:إن الحزب يعتقد بأن المعطيات الصهيونية قد انتهت عملياً ،وإنها لا تشكل عنصراً مهماً في الصورة ولذلك فإن الحديث عنها وتحليلها غير مهم . وغير وارد أصلاً،فالهجرة اليهودية قد انتهت عملياً،وإن الإشكال الأساسي بالنسبة لوضع السلطة الحاكمة في اسرائيل،الآن،هو هذا الجيل القديم الذي ما زال يتحكم بالقيادة،وهم يرون مثلاً أن الجيل الجديد،الذي يمثله آلون وديان وغيرهما،لا يهتم بعالمية الصهيونية قدر ما يهتم باسرائيل لذاتها . إن هذا المنطق يشكل بلا ريب دورانا حول المشكلة،وذلك رغبة في عدم مواجهتها مباشرة لأن ذلك يفتح جبهة لا يريد"ماكي" أن يخوض غمارها . إن الحزب الشيوعي "العربي" في اسرائيل يرى أن "موقف هذه الجماعة(موشيه وشموئيل ميكونس) من الأحداث السياسية التي جرت خلال السنوات الثلاث الماضية،ولا سيما من حرب حزيران 1967، قد اثبت أن هذه الجماعة (( قد انقلبت إلى جماعة يهودية قومية )) [1] وقد لخص "ماكي" موقفه في مقال كتبه موشيه سينه أحد أبرز زعمائه،في عدد أول أيار من مجلة الحزب"قول ها عام" الصادر يوم 30/4/1968 حين قال:" إن المعركة ضد الرأسمال الأجنبي في اسرائيل لم تبدأ بعد بانتفاضة تستحق هذا الاسم،بسبب أن معركة أخرى تخيم عليها،وهي معركة الاستقلال القومي المنتصبة أمام تهديد القضاء على الدولة. معركة الدفاع عن حق البقاء أمام التهديد بإبادة اسرائيل،وتقف الطبقة العاملة في هذه المعركة للدفاع عن الوطن بقلبها ونفسها وكل طاقاتها،ومعها يقف حزبنا الشيوعي(راكي)". وقد برهن هذا الحزب على ما هو أكثر من ذلك،ففي الثامن من حزيران 1968 ألقى شموئيل ميكونس محاضرة في نادي المتدينيين القوميين في تل أبيب،ولا يلفت الوسط اليميني المتطرف الذي اختاره هذا الزعيم الشيوعي مكاناً لمحاضرته النظر،فقط،ولكن أيضاً عنوان المحاضرة الذي كان:(( أية معلومات أراد الروس أن يبتزوها مني عشية حرب الأيام الستة ؟)) ]2[ وفي محاضرة ألقاها شموئيل ميكونس في أيلول 1968،خلال مؤتمر عقده حزب ماكي،قال: (( لقد علقنا الآمال،وقدرنا بشكل إيجابي،توثيق العلاقات بين عدد من البلدان العربية والاتحاد السوفييتي ..لقد قدرنا،ويبدو أننا أخطأنا التقدير،بأن القدرة على ضبط البلدان الاشتراكية للشوفينينة العربية المعادية لاسرائيل ستكون أقوى من جميع محاولات الحكام العرب لنقل عدوى توجههم الشوفيني إلى العناصر الاشتراكية والديمقراطية)) [3] ويقول في محاضرته محللاً الموقف :(( ورغم كون التناقض بين الاستعمار ومنفذي أقواله في اسرائيل والدول العربية،وبين القوى المعادية للاستعمار في الدول العربية واسرائيل، هو التناقض الأساسي،فإنه في الظروف الراهنة يقفز إلى المكان الأول التناقض الثانوي ،وهو التناقض القائم بين القومية الاسرائيلية التي تتنكر لحقوق اللاجئين العرب،وبين القومية العربية التي تتنكر لحق اسرائيل في البقاء،وهو التناقض الذي يساعد الاستعمار،وينطوي على الخطر الذي يتهدد السلام )) [4] في هذا النطاق توجد ملاحظة مثيرة جديرة بالانتباه،فجماعة ميكونس جهرت عام 1965،حين كان الخلاف مع الشيوعيين العرب في اسرائيل في ذروته وقبل انشطار الحزب،إن أحد أطراف التناقض في الصورة هو (( التعصب القومي الاسرائيلي المتنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني)) [5] بينما تضحي هذه الجملة،بعد ثلاث سنوات،"القومية الاسرائيلية،المتنكرة لحقوق اللاجئين العرب"،إن اختصار "حقوق شعب فلسطين العربي" في اصطلاح"اللاجئين"،ملاحظة لافتة للنظر. والصحيح أيضاً أن ذلك الاختصار والمسخ في المواقف انعكس على أمور أخرى مهمة جوهرياً من وجهة النظر الاشتراكية والمنطق الماركسي،فميكونس في مؤتمر الحزب يوم 30 ت 1 1968،يقول : ((عن حكومة أشكول حاولت في الواقع أن تغير إلى مدى ما في سياستها الخارجية،ولكنها لم تكن مثابرة في ذلك،وقد بدا هذا في عدة محاولات لتحسين العلاقات مع الاتحاد السوفيتي ودول اشتراكية أخرى..وقد أثارت (هذه المحاولات)غضب اليمين البرجوازي،ولم تنجح في الأساس..ولمدى معين..بسبب عدم الاستعداد لذلك من قبل الاتحاد السوفياتي الذي بنى أكثر فأكثر إمكانيات تأثيره في الشرق الأوسط على التمشي مع التوجيهات الشوفينية المعادية لاسرائيل لدى حكام الدول العربية)) ]**[ أنه من المذهل أكثر أن يصل هذا الحزب،الذي يرفع فوق رأسه رايات الماركسية والشعارات الشيوعية،إلى القول أن دول اسرائيل هي تجسيد للرابطة التاريخية التي كانت قائمة منذ 4000 سنة تقريباً،بين الشعب اليهودي كله وبجميع أجياله،وبين أرض اسرائيل]***[ ففي هذه العبارة رنة مألوفة شبيهة كثيراً بالعبارات التي سمعناها من"حركة اسرائيل الكبرى".

 

ماكي وحرب حزيران

 

والواقع أن هذه النغمة باتت تسمع بصورة مستمرة في تفكير وأقوال هذا الحزب (15/3/1968) لميكونس.وأعيد نشره في العدد الرابع الذي صدر في نيسان 1968 من "النشرة الإعلامية" التي تصدر عن اللجنة المركزية للحزب . الشيوعي الاسرائيلي(جماعة ميكونس) في تل أبيب،أعلن السكرتير العام للجنة المركزية لهذا الحزب:(( إن حرب الأيام الستة كانت حرب دفاع وطني..لقد أنقذ الانتصار الإسرائيلي وجود اسرائيل ذاتها،ووجود شعبها،هذه هي الحقيقة كلها...إن اسرائيل يجب ألا تطالب بالانسحاب لمجرد أنها ارتكبت خطيئة الانتصار في حرب الدفاعية)) (1* ( وفي قرارات المؤتمر الثالث والعشرين للجنة المركزية للحزب،في 10 نيسان 1968،أعادت هذه اللجنة تأكيد قرار المكتب السياسي للحزب الذي اتخذه في 24 آذار 968،والذي يعلن فيه عدم معارضته"لعمليات الجيش الإسرائيلي في الكرامة " (2**). وفي المؤتمر المذكور نفسه أدان الحزب نشاط الفدائيين،الذين وصفهم"بالمنظمات التخريبية العربية" وشن حملة شتم عنيفة على المقاومة الفلسطينية المسلحة" (3***) . وفيما بعد، نسبت" الاتحاد"    [6]إلى ميكونس قوله،رداً على سؤال وجه له عن الموعد الذي سينضم فيه حزبه إلى الحركة الصهيونية،أنه"لا حاجة إلى ذلك الآن ما دام شعب إسرائيل متحداً في ساعة الضيق"! إن حزب ماكي،(أو جماعة شموئيل ميكونس،وموشيه سينيه)يوصف من قبل الجناح الذي انشق عنه،والذي نصطلح على تسميته بالحزب الشيوعي العربي،بأنه مرتد وتحريفي . والمعروف أن الاتحاد السوفيتي لا يعترف به ولا يقيم له كما يبدو،وزناً مهماً،ويمنح تأييده المعنوي للجناح الآخر الذي يقوده توما وفلنر،و لو لم يفعل ذلك منذ البدء،لأعطى الإسرائيليين فرصة للقضاء على أكبر تجمع سياسي عربي،نسبياً،بصورة قمعية لا يمكن تخيلها. ففي الواقع أن الكثيرين من المحللين السياسيين يرون في أن عدم إقدام إسرائيل على خطوة قمعية جذرية ضد الحزب الشيوعي العربي يعود إلى أن حكومتها لا تريد أن تنسف كل الجسور مع الاتحاد السوفياتي،بالإضافة لاعتبارات أخرى يقف في طليعتها الدعوى الإسرائيلية في حرية العمل الحزبي إذا ما خضع لقوانين الأحزاب.

 

مواقف راكاح

 

وبسبب هذا القانون حال الإسرائيليون دون تشكيل أي حزب عربي في فلسطين المحتلة،وسنتطرق لذلك حين نصل إلى الحديث عن الحركات السياسية العربية هناك. وهكذا فإن حزب"راكاح" يضم عدداً كبيراً من العرب،ومن الواضح أنه يولي الهموم العربية اليومية في فلسطين المحتلة،اهتماماً متزايداً،ويؤدي خدمات تكتيكية مهمة لهم،كما أنه لابد من الإشارة إلى أنه،بواسطة منشوراته العلنية،قد أرسى تياراً ثقافياً عربياً صلباً وبارزاً،كان من الصعب،لولا نشطه وتركيزه الدؤوب عليه،أن يصل إلى ما هو عليه الآن من حدة . إن المأخذ الأساسي،في أوساط عرب فلسطين المحتلة،على "راكاح" بأنه يتبع حرفياً وبارتباط نهائي خط موسكو،ويكرر مواقفها دون أي قدرة مهما كانت يسيرة،على الخروج شعرة واحدة عن ذلك الخط هذا يعني،أوتوماتيكياً،أن راكاح ليس ضد الكيان الإسرائيلي،ولكن مسألة حدود هذا الكيان بالنسبة له،هي مجال مناورة واسع النطاق،وإذا كان يتعمد في معظم منشوراته تجاهل الدخول في هذا الموضوع،فإنه أشار عدة مرات  إلى حدود قرار التقسيم. إن "راكاح" قوة سياسية كبيرة،إذا ما نظرنا إليها من خلال خارطة القوى اليسارية المعارضة في اسرائيل،ورغم ذلك فإن منشوراته التي صدرت بعد الخامس من حزيران قد أبرزت بأن لديه شعوراً بضرورة وضع برنامج جديد . بوسعنا أن نقول أن حرب حزيران" فاجأت" "راكاح" بأن منطقه الدائم،الذي يعتبر الصهيونية توسعية بالطبيعة،واسرائيل أداة استعمار بالضرورة كان منطقاً صحيحاً تماماً .

 

راكاح وحرب حزيران

 

ومن الواضح أن"راكاح" وقف موقفاً ضد حرب حزيران منذ الأساس،ويوم انفجار الحرب بالذات قال ماير فلنر،في خطاب ألقاه في الكنيست يوم 5 حزيران :" إن الحرب لا تحل أية قضية مختلف عليها بين اسرائيل والدول العربية،إنها فقط تورط اسرائيل أكثر،وتسبب لها ضرراً لا يقدر". وقد استخدم "راكاح" عدوان 5 حزيران إلى أقصى مدى،كأسلوب للمعارضة أرسى من خلاله مواقفه،فهو يقف مع قرار مجلس الأمن،على الصورة التالية)) إن من يرغب فعلاً في إيقاف سفك الدماء،وبالتقدم نحو السلام،يتوجب عليه قبل كل شيء أن ينسحب من أرض ليست له(( (7) ولكنه يلحق هذا بموقف معلن بوضوح )) أن (الشيوعيين) دافعوا ويدافعون عن حق اسرائيل في القيام كدولة ذات سيادة،ويرفض كل اعتراض على حقها في الوجود)) (8) ورغم أنه كان من المتوقع أن تأتي مقررات المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي العربي (راكاح) الذي عقد في اسرائيل في شباط الماضي خطوة حاسمة بصورة لافتة للنظر إلى الأمام،فإن ذلك لم يحدث عملياً،مع أن تلك المقررات احتوت على تأييد أكثر وضوحاً لمواقف الحزب السابقة،والتي جعلتها أحداث حزيران وما حدث في أعقابها تتقدم،نوعاً ما،خطوة أخرى نحو الوضوح والحسم . فقد أدانت مقررات المؤتمر حرب حزيران التي وصفتها بأنها "كانت استمراراً لسياسة الدول الاستعمارية (وعلى رأسها أميركا) وحكام اسرائيل تجاه الأنظمة المعادية للاستعمار في الدول العربية" وأنها" لم تكن حرباً عادلة للدفاع عن النفس أمام عدوان،بل كانت حرباً عدوانية مخططة جيداً منذ وقت طويل..لخدمة الاستعمار والتعاون معه" وأيضاً " للتوسع الإقليمي وتغطية الحقوق القومية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني" وأن"مطامح(القومية) المزعومة للبرجوازية الاسرائيلية"اندمجت مع الأهداف الاستعمارية" في المنطقة. وتنتقد المقررات الموقف العربي من حرب حزيران كما يلي:"ومع هذا فقد كشفت الحرب عن الضعف السياسي والاجتماعي في مصر وسورية،فالتحولات الاجتماعية لم تكن عميقة بصورة كافية للتغلب على الضعف الذي خلفته أنظمة اجتماعية متأخرة ونظام استعماري طوال أجيال،والطبقة العاملة وجماهير الشعب لم يشركوا كما يجب في إدارة شؤون الدولة،وفي الجهاز العسكري وفي كل جهاز الدولة بقيت مناصب عليا في أيدي ممثلي الإقطاعيين والرأسماليين"  ( " ).

 

موضوع حل الأزمة ؟

 

وتتوصل المقررات إلى القول بأن قاعدة الحل هي"قاعدة الاعتراف المتبادل بالحقوق القومية المشروعة لشعب اسرائيل العربي الفلسطيني" وأن" الطريق إلى السلام هو اعتراف اسرائيل بالحقوق القومية للشعب العربي الفلسطيني وقبل كل شيء بحق اللاجئين العرب في الاختيار بين العودة إلى وطنهم أو الحصول على تعويضات طبقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة..وعلى أساس حق تقرير المصير للشعوب". وتدعو المقررات إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن فوراً،وتؤكد أن عدم الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي المحتلة هو الذي "يشكل العقبة الرئيسية أما حل الأزمة". وتشير المقررات بالمقاومة التي تعتبرها حق الشعوب الطبيعي وتقول:"وأعمال الاضطهاد المتزايدة والمشتدة في المناطق المحتلة قد أدت في أعقابها إلى اشتداد واتساع المقاومة للاحتلال بكل صورها لوضع حد للاحتلال،وسياسة الحكومة في المناطق المحتلة قد فشلت فشلاً ذريعاً،وكل المحاولات لإخضاع السكان ولتحطيمهم،من ناحية سياسية وقومية ودوس كرامة الإنسان بينهم،وتيئيسهم وإرغامهم على التسليم بالاحتلال أو ترك أماكنهم بجماهيرهم- هذه المحاولات كلها فشلت،ومقاومة الاحتلال قد اتخذت أوسع مدى جماهيري وحظيت بعطف كبير متزايد في الرأي العام العالمي.والحق الطبيعي لكل شعب،احتلت أراضيه،أن يعارض الاحتلال،أن نضال الشعب في المناطق المحتلة من الأردن،ومصر،وسوريا،هو نضال سياسي في أساسه وجماهيري يعبر عنه بالإضرابات والمظاهرات،إن وسائل الاضطهاد الوحشي في المناطق المحتلة،كالأبعاد والاعتقالات بالجملة ونسف البيوت والتعذيب في السجون،وإطلاق النار على مظاهرات النساء والطالبات وخلق ظروف اقتصادية لا تطاق من أجل ترحيل السكان- كل ذلك لم يوقف،بل زاد في تعاظم المقاومة العادلة للاحتلال". ولكن هذه المقررات تتجنب الحديث عن"الكفاح المسلح" وسيلة مشروعة ومنطقية ولا بديل لها لوضع حد لذلك التواطؤ العنصري الشوفيني الامبريالي والرجعي الذي تحدثت عنه مطولاً،وذلك بالذات يترك ثغرة مهمة في المدى الممتد بين حركة المقاومة الفلسطينية،ومواقف "راكاح" .

 

الموقف من الوحدة العربية

 

إن كثيراً من المراقبين الدارسين يرون في الحزب الشيوعي الاسرائيلي(راكاح) إطاراً مثالياً،تمليه الظروف الراهنة،للنشاط السياسي لعرب الأرض المحتلة:فهو من جهة يؤمن الحد الأدنى من الحماية المطلوبة لهذا النشاط،وهو من جهة أخرى يلعب دوراً طليعياً بالنسبة لإبراز المشاكل المحلية التي يعاني منها عرب الأرض المحتلة،ويحمل بلا هوادة لواء النضال من أجلها. ولذلك بالذات فإن هؤلاء المراقبين يرون عدداً كبيراً من العرب المنتسبين إلى هذا الحزب ليسوا فعلاً من الشيوعيين الحقيقيين ،وإن الحزب يمثل بالنسبة لهم درجة أقل من مطالبهم السياسية الحقيقية التي لا سبيل إلى العمل في سبيلها إلا من خلال تنظيم سري. ومن هنا يجد المراقب ،في متابعته لما يكتبه ويعلنه أعضاء هذا الحزب،نوعاً من الانعدام في حدود حاسمة للمواقف، هذه الحدود التي تختلف من شخص إلى آخر ومن كاتب  إلى آخر،ويبدو أن حق المناورة في هذا المجال يستخدم على أوسع نطاق. ولكن لعل ما هو مواز في إغراء العرب بالانضمام إلى هذا الحزب،إلى جانب مناهضته للحكم الإسرائيلي التي تتميز بالعنف وتبنيه للمعارك العربية المحلية هو رهانه المعلن على الوحدة العربية. فاميل توما الذي قدم مؤخراً رسالته لنيل شهادة الدكتوراه في موسكو،واختار أطروحته بعنوان"الوحدة العربية في تطورها التاريخي"،يعكس في الواقع تفكير الحزب حين يقول في دراسته هذه:((إن عمليات التاريخ طويلة ومعقدة ولا تفقد صلاحيتها إذا طال عليها الأمد أو إذا حلت به النكسات..لقد ارتبطت الوحدة العربية في مسيرتها الطويلة بمكافحة الامبريالية وتقرنها بالتحولات الاجتماعية العميقة،ولذلك تتعلق بها الشعوب العربية وتؤيدها القوى الثورية في العالم. ولم يغير هذه الحقيقة عدوان حكام اسرائيل المتشاوقين مع الامبريالية الأمريكية في 5 حزيران،واحتلالها إقليم عربية تعود إلى الأردن وسوريا والجمهورية العربية المتحدة..والنكسة العسكرية التي أصابت الدول العربية ...لم توطد مواقع الامبريالية في العالم العربي،بل أضعفتها،ولم تحطم التضامن العربي بل قوته....  ولا جدال في أن الامبريالية ستعقد الحركة الوحدوية بقدر طاقتها،وستكون إمبراطورية النفط أداتها الجوهرية،ولكن تقوية كفاح الامبريالية سيساعد الحركة الوحدوية،كما أن تقوية الحركة الوحدوية ستشدد مكافحة الامبريالية)) [9]

 

تنظيم انتهازي

 

إن ما يميز الحزب الشيوعي (راكاح) في فلسطين المحتلة ليس فقط قدرته الملفتة للنظر على إدراك أهمية اتخاذ مواقف من هذا النوع،ولكن أيضاً نشاطه الواسع النطاق وقدرته المتفوقة على استخدام حقوق المناورة وشجاعته على طرح القضايا. على أن كثير من العرب،بالإضافة لبعض اليساريين الإسرائيليين،يرون في الحزب الشيوعي(راكاح) نوعاً من"الانتهازية الذكية"،وعلى سبيل المثال فإن حركة"القوة الثالثة" في اسرئيل ترى"راكاح" على الصورة التالية:  ((..وبينما يصرح زعماء الحزب الشيوعي الإسرائيلي أمام الجمهور العربي عن حق عرب اسرائيل في تقرير مصيرهم فإنهم لا ينفكون يتباهون أمام الجمهور اليهودي بالسلاح الذي حصلوا عليه من بلاد الكتلة الشرقية من أجل حكومة اسرائيل إبان الحرب العربية اليهودية سنة 1948،هذه الحرب يسميها الحزب الشيوعي الإسرائيلي حرب التحرير،(بالضبط) كما تسميها الأحزاب الصهيونية،وزعماء هذا الحزب يشرحون لرفقائهم العرب إن هذه الحرب كانت لتحرير البلاد من الانكليز)) [10] إن الشيوعيين العرب في اسرائيل يسمون ما تسميه"حركة القوة الثالثة" بالانتهازية،بأنه"تكيف مع الظروف لا يمكن النزول إلى ما هو أدنى منه"، ولكن الصحيح أيضاً هو أن اسرائيل ذاتها تنظر إلى الشيوعيين العرب نظرة شك،ومن الواضح أنها قانعة بشكل ما أن المواقف المعلنة لهذا الحزب،وعناصره،عرضة لحملة تحريض الصحف الإسرائيلية بصورة شبه يومية. وعلى أي حال فإن علامات الاستفهام المحيطة بهذه المسألة قد أدت،مع الزمن،إلى بروز حركات يسارية،عربية ويهودية،على هامش هذا الحزب،يمكن اعتبارها محاولات للوصول إلى أجوبة. في طليعة هذه الحركات حركة "الأرض" العربية.التي أنشأها نفر من الشبان العرب على رأسهم منصور كردوش وحبيب قهوجي وصالح برانسي وصبري جريس وغيرهم .

 

المراجع :

 

]1[ :" الاتحاد" - عوزي بورشتاين،2/8/1968

 

 [2] :الاتحاد- 9/7/1968

 

:[3]الاتحاد 20/9/1968

 

 [4]: المصدر ذاته

 

:[5] الاتحاد،نفس العدد،عن مجلة "زوهديرخ" الاسرائيلية الشيوعية الرسمية،العدد 5 ص 53 -1965

 

:[**]الاتحاد 6/9/968

 

]***[ :المصدر ذاته

 

 (1): النشرة المذكورة - 23

 

(2**) النشرة المذكورة - ص 7

 

 (3*** )النشرة المذكورة ص 6

 

 [6] :الاتحاد (21/5/1968 )

 

 (7) ،(8) :بيان اللجنة المركزية الذي قدمه سكرتير الشبيبة الشيوعية في الحزب بنيامين غونين(18-20/4/1968) ص3

 

 ( " ) المقاطع بين قوسين مأخوذة من نصوص مقررات المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي في اسرائيل كما نشرت في "الاتحاد"(حيفا)- 4/3/1969 .

 

 [9] : حركة القوة الثالثة - التاريخي" اميل توما(منشور - ص 41 ).

 

 [10]:حركة القوة الثالثة "الى العرب المضهدين في اسرائيل".

 

مجلة الهدف/العدد الثالث/ 9/آب/1969 عدد القراءات 149

 

2010-08-24

 

أضواء على تيارات المعارضة في إسرائيل الحلقة(3)

 

حركة الأرض والمنظمة الاشتراكية الإسرائيلية

 

في الحلقتين التي نشرتهما "الهدف" من هذا البحث في تيارات المعارضة الإسرائيلية،جرى عرض للواقع الحزبي الإسرائيلي وحوافز الاندماج والانشقاق التي تتحكم به،ولواقعه بعد الهزة التي أحدثتها حرب حزيران،ثم انتقل الحديث إلى "حركة إسرائيل الكبرى" التي تمثل أقصى ما يمكن أن يسمى بالمعارضة اليمينية المتطرفة، وبعد ذلك جرى عرض لواقع الشيوعيين في إسرائيل وطبيعة المواقف التي يتخذها حزب"ماكي" من جهة،وحزب "راكاح" من جهة أخرى،في هذه الحلقة عرض لقوى المعارضة الأخرى . حركة الأرض،التي تكونت نظرياً عام 1961 ،كانت إفرازاً لتنظيم أخذ لنفسه اسم"الجبهة الشعبية" وتأسس عم 1958،وما زال قيد الوجود إلى الآن،بصورة من الصور. ولهذا كله تسلسل لا مفر من روايته: لأسباب عديدة ليس هنا مجال حصرها وتحليلها ،تأخرت عملياً ولادة تنظيم سياسي عربي على أساس قومي،بين عرب الأرض المحتلة،حتى بداية النصف الثاني من الخمسينات. في تلك الفترة قدمت مجموعة من العرب طلباً إلى الحكومة بالسماح لتنظيم سياسي اسمه"الجبهة العربية " بالعمل. ولكن إسرائيل ردت هذا الطلب بالرفض متسلحة بالقانون العثماني القديم الذي يمنع تشكيل أي تنظيم سياسي لا يفتح بابه أمام جميع "القوميات". وفي عام 1958 تقدمت هذه المجموعة العربية نفسها بطلب للسماح بتنظيم سياسي يحمل اسم"الجبهة الشعبية" وبالشروع في ممارسة نشاطه. ولما كان اسم التنظيم لا يشير إلى أنه مغلق أمام الفئات غير العربية،تسلمت السلطات الإسرائيلية الطلب،ولكنها لم تجب عليه بالرفض أو بالقبول،حتى الآن. وهذا يعني،على ضوء قانون عثماني آخر ومعروف،إن هذا التجمع يستطيع،بعد أن أعطى"العلم والخبر" ان يشرع في ممارسة نشاطه قبل أن يتلقى الجواب من السلطة،على أن السلطة تستطيع حين تشاء، طالما أنه لم تقل نعم،أن تقول لا. وذلك يشكل في الحقيقة صورة قانونية للقمع،وسيفاً مسلطاً على عنق التنظيم المعني. وكان في ذهن الذين انشئوا هذه "الجبهة الشعبية" أن تكون نوعاً من الأداة القومية للنضال على أساس جبهوي،تسمح لجميع الاجتهادات العربية أن تنضوي تحت لوائها للعمل على أساس قومي. ولكن الشيوعيين،الذين سارعوا إلى الانضمام للجبهة،ما لبثوا أن سيطروا عليها وجعلوها واجهة من واجهات نشاطهم،وهكذا عاد المؤسسون،الذين كانوا يضمرون تصوراً مخالفاً لطبيعة نشاط هذه الجبهة،فانسحبوا منها،وشكلوا عام 1961"حركة الأرض " . إن مبادئ هذه الحركة مسجلة بالتفصيل في المذكرة المطولة التي بعثت بها عام 1964 إلى يو ثانت،والتي نشرت بعد ذلك بثلاث سنوات في مجلة الأزمنة الحديثة التي يصدرها سارتر في باريس،وكانت قد نشرت لأول مرة،عام 1965،في مجلة "فلسطين" التي أصدرتها صحيفة المحرر في بيروت،آنذاك.

 

الأرض والقانون

 

ولكن حركة "الأرض"،التي أوضحت في مبادئها صفتها القومية،وكشفت بصورة غير مباشرة أو مباشرة أهدافها الحقيقية وتطلعاتها ومطامحها، لاقت مصير"الجبهة العربية" حين رفضت السلطات الاعتراف بها وإعطاءها أي ترخيص ،بالرغم من أن هذه الحركة،أعلنت ذات مرة في محاولة لكسب الشرعية إنها مؤيدة لحدود التقسيم عام 1947،فقد اتخذت السلطات من هذا الإعلان ذاته سبباً لرفض السماح لها بالعمل،على اعتبار أن هذا الشعار يهدف إلى هدم الكيان الحالي للدولة . ورغم ذلك فقد حاولت جماعة "الأرض" أن تدور وراء ظهر القانون،فكونت عام 1965 قائمة انتخابية باسم "القائمة الاشتراكية" التي تضمنت عشرة أسماء،وقدمت هذه القائمة إلى السلطات الإسرائيلية لتجيزها في معركة انتخابات الكنيست السادس،على أساس أن إجازتها تحولها،أوتوماتيكيا،إلى صيغة عمل تنظيمي وسياسي. ولكن الإجراء الفوري الذي اتخذته السلطات الإسرائيلية كان في إصدار قرار نفي يتناول أربعة من عناصر القائمة العشرة،فنفت منصور كردوش إلى عراد في النقب،وصبري جريس إلى صفد،وحبيب قهوجي إلى طبريا،وصالح برانسي إلى بيسان لمدة ثلاثة أشهر،وفي غضون هذه الأشهر رفضت السلطات الإسرائيلية السماح للقائمة بالدخول إلى المعركة الانتخابية بحجة أن خمسة من أسمائها العشرة،هم من أعضاء منظمة"الأرض" المحظورة. ورفع هؤلاء شكوى من محكمة العدل العليا التي ردت شكواهم في محاكمة استمرت عدة جلسات في تشرين الأول والثاني من 1965،وقرر الحاكم أن"الديمقراطية المقاتلة لا تفتح أبوابها للمخربين" وأنه أخذ على عاتقه القيام بمهمة تأمين"الديمقراطية المتمتعة بالدفاع الذاتي" بالرغم من أن قانون الانتخابات لا يجيز له ذلك(1) وفي الفترة الممتدة بين 1965،حين نفي زعماء "الأرض" ومنع السماح لحركتهم بالوجود،وبين الخامس من حزيران 1967 ،مرت هذه الحركة في فترة جمود.لقد ظلت بشكل ما موجودة،ولكنها لم تكن تمثل قوة سياسية فاعلة،وفي هذه الفترة تعرضت لسلسلة من التجاذب جعلت العديد من عناصرها يتركها ويلتحق بالحزب الشيوعي،لاعتبارات عديدة. وفي الواقع ، في حركة الأرض،في نظرة تعميم إجمالية،هي صورة للناصرية ذات طبيعة انفعالية،مشكلة نوعاً من الرد على تحديات مباشرة واجهت عرب فلسطين المحتلة. ولكنها كانت،في مضمونها،دون محتوى اجتماعي حاسم،ولذلك فإن قدرتها على الفعل كانت محدودة في جو ينافسها فيه الحزب الشيوعي من جهة ،وحزب السلطة الحاكمة من الجهة الأخرى. لقد أعطت" الأرض" الجواب القومي ولذلك لم تستطع أن تكون علنية، وافتقدت المضمون الاجتماعي ولذلك لم تستطع أن ترسي قواعدها بعمق وفعالية في أرض عرب فلسطين المحتلة. ولكنها ظلت تمثل صورة مثالية للنضال،ومثالاً لصفاء الموقف،المعبر في أصوله عن انتسابات عفوية وأصيلة لشعارات المعركة . إن النضال العربي في فلسطين المحتلة يحتوي،في كثير من جوانبه انعكا، فانشقأوضاع النضالية العربية في الدول العربية،وهذا يفسر أن انشقاق"الجبهة الشعبية" التي كانت ثمار تحالف بين القوميين العرب والشيوعيين،قد حدثت في نفس الوقت الذي شهد الظاهرة القاسمية في العراق ،والتي أنتجت نوعاً من القطيعة بين الناصرية والشيوعية . وانعكست هذه القطيعة داخل إطار النضال الفلسطيني في فلسطين المحتلة،فانشق الناصريون عن الجبهة الشعبية التي كان الشيوعيون آنذاك قد استطاعوا السيطرة عليها، من خلال حلفهم مع الناصريين. وبعد الخامس من حزيران، دب نشاط مفاجئ في الجبهة الشعبية بعد أن بقيت على الرف طوال تلك السنوات تقريباً، ولم يكن ذلك إلا انعكاساً للجو السياسي العربي العام. وفي أواسط العام الماضي،عقدت الجبهة الشعبية اجتماعاً حاشداً في الناصرة اشتركت فيه جميع العناصر التي كانت تشكل قياداتها وقواعدها منذ البدء،ويبدو أن هذا الاجتماع لفت انتباه السلطات الإسرائيلية التي استدعت عدداً كبيراً من الأشخاص الذين اشتركوا فيه واستجوبتهم مطولاً لتعرف فيما إذا كان ذلك كله يعني أن حركة "الأرض" فقد عاودت نشاطها من خلال تسمية أخرى . وليس من اليسير الآن تقدير واقع ومستقبل قوة هذه الجبهة،ولكن الملاحظة الجديرة بالتسجيل،هي أن عناصر " حركة الأرض" قد اكتسبت خلال السنوات الفائتة رؤيا يسارية  أضافتها إلى بعدها القومي،وبالتالي فأن احتمال وصول" الجبهة الشعبية" إلى نوع من الاتساق الإيديولوجي بين أطرافها هو احتمال وارد أكثر الآن .

 

القوى الجديدة واليسار الجديد

 

وعلى الجهة الأخرى ظلت سلسلة تجمعات من الحركات الإسرائيلية شبه اليسارية إن جاز الاصطلاح ذات عدد ونفوذ محدودين جداً ،وهذه التجمعات الصغيرة،التي تبرز باسم"القوة الثالثة" أو "القوة الجديدة"،أو "القوة السامية " أو "ماتس بن" تتشارك في الادعاء بأن سبب ضعفها الأساسي هو أنها لا تستطيع أن تخاطب الجمهور اليهودي كممثلة لوجهة نظر تلقى صدى في الأوساط العربية. إن بعض هذه التجمعات يجهر في القول بأنه أو استطاع أن يحصل على أيسر حد من الضوء الأخضر،من الجانب العربي،وحقق توسعاً مرموقاً في قطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي،الذي يرغب في أن يرى حركة إسرائيلية لها جسر ما مع وجهة النظر العربية . إن "حركة القوة الثالثة" التي أصدرت لفترة مجلة اسمها"المجلة الديمقراطية"هي في الغالب واحدة من أقدم هذه الحركات المعارضة،وفي الواقع فإن برنامجها الفكري يركز كثيراً على المشاكل الآنية،ويلتصق بالأشكال العريضة والعناوين الكبيرة للقضايا،بحيث ينتاب المرء شكوك حول حقيقة يساريتها . وهذه الحركة،التي يرقى تأسيسها إلى أواسط الخمسينات هي عبارة عن عدد محدود من المثقفين،وقد طرحت عام 1959 قائمة بأربعة مرشحين إلى الكنيست،ولا توجد أية دلائل على أنها توسعت أو انتشرت خلال السنوات الماضية،ولكنها كانت،ولا تزال،جهة تؤخذ في عين الاعتبار حين تمضي حركات المعارضة الأخرى في البحث عن حلفاء . في برنامج مرشحيها الأربعة للكنيست الرابع،تلخص هذه الحركة موقفها بمقدمة هي التالية : "إن تصويت أي عربي لحزب صهيوني هو عمل إجرامي..أنتم أيها العرب في حاجة إلى تصريح للتنقل في هذه البلاد التي هي وطنكم كأنكم مصابون بأمراض معدية..والأرض التي اغتصبت منكم لا تزال في أيدي مغتصبيها ..ومن المشكوك فيه أن توجد ح، ومن كثيرة في التاريخ لشعب ديس شرفه وحقوقه في وطنه كما يداس شرفكم وتداس حقوقكم في هذه البلاد(2)ويحمل بيان القوة الثالثة" مسؤولية هذه الأوضاع ليس فقط لحزب الماباي الحاكم،ولكن لمجموع الأحزاب الإسرائيلية بما في ذلك الحزب الشيوعي. ويخص البيان الحزب الشيوعي،ومن ورائه الاتحاد السوفيتي،بحملة شديدة بسبب مواقفهما الأصلية من قضية فلسطين،"وشعاراتهما السطحية" في حلها .

 

وتلخص الحركة هذه برنامجها كمايلي:

 

أ - إزالة الظلم الذي حل بعرب هذه البلاد(1- إرجاع اللاجئين وتعويض غير الراغبين بالعودة،2- إلغاء الحكم العسكري والتمييز المضاد للعرب،3- إرجاع الأملاك العربية لأصحابها ودفع تعويضات مناسبة مقابل استعمالها،4- حقوق كاملة للغة العربية5- مجلس ثقافي عربي منتخب يشرف على جميع الأمور الثقافية المتعلق بالعرب....10 - إبطال جميع القوانين التي وضعت صراحة أو خفية لنهب أملاك وحقوق العرب في إسرائيل."

 

وفي نطاق السياسة الخارجية:

 

1-       السلام مع الدول العربية،عدم الانحياز،تأييد نضال شعوب آسيا وإفريقيا،تأييد نضال الشعب العربي في سبيل الاستقلال والاتحاد،إنشاء اتحاد فدرالي في الشرق الأوسط يركز في يديه الأمور الخارجية والدفاع والاقتصاد.

 

2-       وفي النطاق الداخلي: حرية التعبير والاجتماع والتنظيم،فصل الدين عن الدولة،إلغاء الهستدروت الصهيوني،منع كل تمييز قومي أو ديني أو جنسي،إلغاء كل تمييز ضد أبناء الطوائف الشرقية." (3)

 

3-       ومن الواضح من هذا البرنامج إنه لا يدخل في التفاصيل.فشعار "إحلال السلام مع الدول العربية" لا يعني شيئاً في الواقع.وهذا أحد الأسباب التي ربما أدت إلى عدم قدرة هذه الحركة على الانتشار في الأوساط اليهودية والأوساط العربية على السواء .

 

حركة القوة الجديدة

 

وتقف حركة "القوة الجديدة " والمعروفة أحياناً باسم حركة "هعولام هازه" ،والمعروفة أكثر باسم زعيمها وممثلها الأوحد في الكنيست"أوري افنيري" في مواقع قريبة نوعاً ما. ويتعاون افنيري،الذي اشتهرت عنه جرأته ومناهضته للصهيونية مع الشيوعيين،وهو من العناصر القليلة التي وقفت معهم في حزيران 1967 بشجب العدوان. ومن الممكن وصف حركة افنيري بأنها،بشكل ما"رومانطيكية" وقد كشفت عن جوهر مواقفها،بغض النظر عن النظريات السابقة المعلنة في أعقاب حرب حزيران،حين قدم أفنيري مشروعاً للسلام من 10 نقاط لبحثه في الكنيست في 10 شباط 1968 . ويتضمن البرنامج المطالبة باستفتاء عام بين سكان غزة والضفة الغربية لاختيار مستقبلهم،وذلك عن طريق التصويت بـ "لا" أو " نعم" من أجل إقامة دولة فلسطينية حرة ومستقلة،والتي تضم الضفة الغربية وغزة" وتكون "مرتبطة باتحاد فدرالي مع إسرائيل من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية"،على أن "تكون القدس الموحدة جزءاً من إسرائيل والقدس القديمة عاصمة الاتحاد الفدرالي" ومع تشكيل هذه الحكومة تجري مفاوضات لحل جميع المشاكل المتعلقة بإسرائيل وفلسطين وتمكين تبادل مناطق عن طريق التفاوض"(4) ويشرح افنيري مشروعه،فيقول أن الاتحاد الفدرالي"يمنع دولتيه من ممارسة ارتباطاتها القومية،وذلك يعني بالنسبة له" عدم ممانعة إسرائيل في ارتباط شعب  فلسطين مع الدول العربية وعدم ممانعة الفلسطينيين في ارتباط إسرائيل باليهودية العالمية"(5) وكي يحل مشكلة الحساسية التي سترافق تسمية الاتحاد الفدرالي هذا،إذ أن الإسرائيليين سيرفضون اسم فلسطين، والفلسطينيين سيرفضون اسم إسرائيل،فإن افنيري ليس بعيداً كثيراً من مواقع السلطة الحاكمة في إسرائيل،فما الذي يجعل تصنيفه مع المعارضة وارداً ؟ إن افنيري يعارض المحتوى الصهيوني لدولة إسرائيل،وهو يدين السلطة،بصورة متصلة،على طريقة سلوكها مع الأقلية العربية،ويشجب العقلية العسكرية التوسعية التي تحكم تصرفات الدولة،وكذلك فهو يعتنق بعض المبادئ اليسارية على صعيد المعالجة الداخلية للأوضاع. إلا أن هزة حزيران أعادت افنيري إلى الباب الخلفي للصهيونية،ولم يكن هذا التناقض إلا حصيلة اعتناق سطحي لليسار،وكذلك تحليل مرتجل لحقيقة الظاهرة الصهيونية ومن ثم الإسرائيلية .

 

المنظمة الاشتراكية

 

وإلى حد ما تحررت" المنظمة الاشتراكية الإسرائيلية " من الفخ الذي أوقع افنيري نفسه فيه،وهذه المنظمة،المحدودة العدد والنفوذ،والتي ولدت بعد الخامس من حزيران تعرف باسم "ماتس بن" أي البوصلة،وأبرز عناصرها ومؤسسيها شخص يسمى موشيه ماخوير(7) الذي يعيش الآن في لندن ،ويرتبط بصداقة مع محرر صحيفة "إسرائيل امبيريال نيوز" المعارضة،والتي يصدرها اسرائيليلون في العاصمة البريطانية . والانطباع الأول أن هذه الحركة تمارس عملاً تنظيمياً مرتباً في خلايا ناشطة،ولكنها محدودة،وهي على حد بعيد نوع من الانعكاس للتيارات اليسارية الجديدة في أوروبا،ولذلك فإن نشاطها المتزايد هناك ليس وليد الصدفة. ترى"ماتس بن" إن الصراع في الشرق الأوسط ليس هو صراع قوميتين كما يحلو للإسرائيليين وصفه،وهو كذلك ليس صراعاً مع الاستعمار،كما يحلو للعرب روايته،ولكنه مزيج من هاتين المسألتين معاً:إنه صراع قومي نابع من حالة استعمارية.إن إسرائيل هي نتاج استعماري،وما زالت أداة للاستعمار،وطالما أنها كذلك لا يوجد أي حل إلا عن طريق قهر أحد عنصري الصراع نهائياً،الأمر الذي ترى "ماتس بن" أنه مستحيل عملياً . ولذلك فإن الحل،في رأي ماتس بن،هو النضال من خلال برنامج، وتصفيةلأمد لتحقيق سلسلة من الشعارات لا يمكن قبل تحقيقها إرساء أي حل. وفي طليعة هذه الشعارات العمل على تصفية الصهيونية كلياً،وتصفية نتائجها،الأمر الذي يعني مباشرة إعادة جميع النازحين إلى أرضيهم. عند هذا الحد،في تصور برنامج ماتس بن،يضحي طرح شعار حق الشعب في تقرير مصيره ممكناً،إذ يكون الشعب قد صار هناك ليقرر بنفسه. الخطو التالية هي دمج"الدولة العبرية" بالعالم العربي،هذا الدمج الذي سيضحي آنذاك ضرورة بالنسبة لهذه الدولة بسبب صغر حجمها،والخطوة اللاحقة هي وحدة العالم العربي كله،هذا العالم لا يوجد أمامه مصير غير الاتحاد ولم هذه الشظايا التي شطرها إلى قطع صغيرة منشار الاستعمار ومصالحه الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية . في عالم عربي موحد من الممكن لتجمع عبري أو كردي أن يأخذ زاويته الصغيرة،ولكن وحدة من هذا النوع لا يمكن قيامها إلا على أسس اشتراكية محضة . ولـ"ماتس بن" تحليل جريء بما يختص بقيام دولة إسرائيل،وهي ترى نتيجة لهذا التحليل إن "حكومة إسرائيل لا تستطيع أن تحقق السلام،لا بواسطة الصقور ولا بواسطة الحمائم"* وإن السلام في منطقة الشرق الأوسط"لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تجريد إسرائيل من الصهيونية،وتصفية النظام الصهيوني،وهذا يعني تخلي الإسرائيليين عن الاعتقاد بالأولوية المطلقة التي يعطونها لفكرة الاحتفاظ بدولة يهودية "* وترى أن الحل يكمن في "خلق دولة مزدوجة القومية،أو ببساطة أشد دولة واحدة،حيث يحرم فيها أي نوع من أنواع التمييز الديني أو العرقي،ولا يهم عندها لمن تكون الأكثرية،وهذا هو الإمكان الوحيد الذي يستطيع أن يلبي حاجات سلام وتقدم دائمين في المنطقة.* إن هذا الموقف هو نتاج طبيعي لخط معين في التحليل،وبالنسبة "لماتس بن" فإنها ربما تكون أول منظمة إسرائيلية تكشف،في جوهر التحليل،عناصر يصر الإسرائيليون على تجاهلها،فهي تنطلق من قناعته بأنه" منذ تأسيس أول مستعمرة صهيونية في فلسطين منذ 60 سنة،كان واضحاً للعرب واليهود على السواء أنه سوف لا يكون من الممكن التوصل إلى تسوية بين هدف الصهيونية ،الذي هو إقامة دولة يهودية،وبين وجود شعب عربي في فلسطين.وطالما أن المستعمرين اليهود في فلسطين كانوا قلة وضعفاء عسكرياً،فإن مهمة السيطرة العسكرية على شعب فلسطين كانت متروكة للمحتلين الانكليز،وكان هذا بالضبط ما فعلوه،وتتمثل ذروة هذه المرحلة في سحق الثورة العربية بين 1936و1939 هذه الثورة التي اضطرت بريطانيا في فترات معينة من تعبئة ثلث جيشها المستعمر "(*)

 

المواقف من الأحداث اليومية

 

وعلى أساس من التحليل الذي يمضي على هذا النهج،فإن ماخوير،الذي يمثل في العادة آراء"ماتس بن"،يرى أن جميع الاعتداءات الإسرائيلية على البلدان العربية،بما في ذلك عدوان 1956 وعدوان 1967،هي في جذورها جميعاً تعود إلى"يقظة الفلسطينيين العرب".وإزاء هذه المسألة بالتخصيص فإن"لماتس بن" مواقف لابد من الإشارة لها،على صعيد ردود الفعل المباشر للأحداث اليومية،والتي تشكل إلى حد بعيد،عند معالجة مسألة المعارضة الإسرائيلية،امتحاناً لما يجتازه هؤلاء المعارضون. وقد رأينا كيف سقطت أحزاب إسرائيلية معارضة،بعدد وافر،عند امتحانات تعرضت لها في مواقف مباشرة،"فالمابام" مثلاً سقط عام 1956 عند العدوان على مصر،في مناقضة مواقفه النظرية،وسقط نهائياً عام 1967 عندما قبل مختاراً "شركة الماباي في العدوان وفي الموقف بعده،وكذلك سقط حزب"ماكي" الشيوعي بعد 5 حزيران،وسقط أوري افنيري في اقتراحه الطريف عن دولة أورشليم،وقبل ذلك بعشرين سنة سقط حزب"أغودات اسرائيل"الذي كان عند تأسيسه في 1912 ضد فكرة دولة إسرائيل. ولذلك فإنه من المفيد قياس"ماتس بن"بالنسبة لردود فعله على صعيد الأحداث المباشرة.ومن هذه الناحية فهو يرى مثلاً أن:"العدوان على مطار بيروت في 28 كانون الأول 1967 كان نتيجة لنفس المنطلق الذي أدى إلى حرب حزيران 1967،لقد أدت الحرب التي فشلت في أضعاف المقاومة الفلسطينية إلى تقويتها،وهذا يشكل فشلاً للسياسة الإسرائيلية.إن الهجوم على طائرة العال أثينا،من قبل أعضاء في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان صفعة لإسرائيل،ليس فقط لأنها ألقت الأضواء على مبلغ هشاشة خطوط اتصالاتها العالمية ،ولكن أيضاً لأنه عرض تصميم المقاومة الفلسطينية وجرأتها وشجاعتها.إن الرجلين اللذين قاما بالهجوم كانا يعرفان تماماً ماذا يتوجب عليهما أن يتوقعا،السجن الطويل،أو ربما الحكم بالإعدام.ومهما كان الحكم الأخير على العملية ذاتها،وعما إذا كانت مبررة عملياً وأخلاقياً ،فإن الرأي العام في داخل إسرائيل وخارجها،لا يستطيع إلا بصعوبة بالغة أن يتجنب التأثر بتصميم المقاومة الفلسطينية واستعدادها للتضحية.."(*) وبعد أن يشير ماخوير مباشرة إلى إن إسرائيل هدفت من عدوانها على مطار بيروت إبعاد الأنظار العالمية عن الخصم الفلسطيني،وتوجيهه نحو الدول العربية تمشياً مع مبدأ"داود يقاتل جوليات" يقرر طبيعة الأزمة باختصار ووضوح:"إن التصعيد العسكري الحالي في الشرق الأوسط (ترتد جذوره إلى الأخطاء التي ارتكبت بحق الفلسطينيين العرب،ولا يوجد أي احتمال طالما أنهم محرمون من حقوقهم القومية ولكن جوهر طبيعة الصهيونية هو معارضة أي طموح وطني للفلسطينيين العرب "(*) وبما أن"ماتس بن" تعتقد أن الحركة الوطنية الفلسطينية هي شيء طبيعي وحتمي ،فهي ترى أن تصادمها مع الحركة الصهيونية ولا يمكن حله إلا بإلغاء الصهيونية،ولكن هذا الإلغاء لا يمكن أن يحدث إلا على أساس يساري اشتراكي ،وهذا يستدعي بالضرورة أن تكون الحركة الوطنية الفلسطينية حركة يسارية بالطبيعة .

 

المراجع:

 

 (1)    الجيروزاليم بوست : 19 و21 تشرين أول و 14 تشرين الثاني 1965 .

 

 (2)    "إلى العرب المضطهدين ، لمدةرائيل" - القوة الثالثة(ص3)

 

 (3)    المصدر السابق ص 12و13

 

 (4)    "هذا العالم" تموز 1967

 

 (5)    "هذا العالم" أيلول 1967

 

 (6)    المصدر السابق .

 

 (7)    يعيش الآن في بريطانيا،لمدة عامين بدءاً في أكتوبر 1968،كمحاضر في جامعة لندن بموضوع فلسفة العلم.

 

 (8)    وكان في السابق محاضراً في الرياضيات في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة .

 

(*) مقال كتبه ماخوير في الـ"لوموند" الفرنسية يوم 9 كانون الثاني 1969 .

 

    أضواء على تيارات المعارضة في إسرائيل الحلقة (4)

 

"ماتس بن" وتجمعات معارضة أخرى.

 

010-09-07

 

"ماتس بن" وتجمعات معارضة أخرى

 

قلنا في العدد السابق أن"ماتس بن" وهو الاسم الذي اشتهرت به"المنظمة الاشتراكية الإسرائيلية" تدعو من موقف يساري إلى إلغاء الصهيونية ،الأمر الذي يجعلها تعتقد أن فعالية أية حركة للمقاومة الفلسطينية ينبغي لها أن تنطلق من موقف يساري اشتراكي . وهي،من هذه الناحية،تختلف جذرياً تقريباً عن موقف القوة الجديدة،أو حركة " هاعولام هزه"(أوري افنيري) ،التي تدعو إلى استبدال الصهيونية بشيء اسمه"القومية العبرية" - وهي دعوة تنسق مع مشروع افنيري الغريب لإنشاء"دولة أورشليم"! "ماتس بن"،من هذه الزاوية،لا تدور حول المشكلة لتعود للفرق فيها من الباب الخلفي كما يفعل"أوري افنيري"،ولكنها تواجهها بطريقة مختلفة - في الحقيقة - هي الأولى من نوعها في تاريخ الحركة الصهيونية منذ هزمت المجموعات المتعصبة في مطالع هذا القرن التيارات اليسارية الأممية التي تزعمها يهود من أوروبا الشرقية آنذاك. وللمنظمة الاشتراكية الإسرائيلية في هذا النطاق منطق ينسحب إلى ما هو ابعد من الموقف اليومي الخاص بإطارها،فهي تفترض أنه،من أجل الخروج من الحلقة المفرغة،فإن حركات المقاومة الفلسطينية مدعوة لإعطاء يهود إسرائيل بديلاً" لمصير الموت" .

 

رد فعل عربي ؟

 

 ولذلك فهي ترى أنه إذا ما تبنت حركات التحرير الفلسطينية برنامجاً سياسياً تقدمياً،فإن كثيراً من اليهود قد يساعدونها حتى في أعمال العنف.إن إسرائيل لن تستطيع تصفية حركة المقاومة الفلسطينية،ولكن هذه الحركة لا تستطيع أن تحل المشكلة وحدها بالرغم من أن لها دور مهم لتلعبه،وربما كان الدور الذي تستطيع حركات التحرير الفلسطينية أن تلعبه سيكون كبيراً جداً إذا استطاعت هذه الحركات أن تقدم للإسرائيليين بديلاً عن الصهيونية،ومن هذه الناحية تلمح "ماتس بن" إلى أن على الفلسطينيين أن يوضحوا فكرهم الاشتراكي بصورة أفضل وأكثر تحديداً . ولكن"ماتس بن" لا تعتقد أن حركة معارضة إسرائيلية من طرازها ستكون ذات قوة جماهيرية داخل إسرائيل إن لم تكن في نضالها متوازية مع حركة عربية مماثلة،تعطي للإسرائيليين خياراً آخر غير الموت،وهي تعتقد أن مفتاح قوتها،لذلك،موجود في أيدي العرب أنفسهم.

 

سلسلة أزمات

 

والواقع أن "ماتس بن" تعاني من سلسلة أزمات وتناقضات ومصاعب،ربما كان في طليعتها كونها واقعة بين نارين: فمن جهة يتهمها الإسرائيليون بالخيانة،بصورة غير مباشرة،ويتهمونها"بالتواطؤ مع العدو "،ومن جهة أخرى ينظر إليها العرب- حتى في داخل  إسرائيل- بعين الشك ،ليس فقط من حيث المدى الذي تستطيع أن تذهب إليه،ومن حيث حقيقة فعاليتها. إن كثيراً من العرب في فلسطين المحتلة يشكون في أن يكون مجموع الأعضاء العاملين في "ماتس بن" يزيد عن المائة شخص في أحسن الأحوال،وهم في هذا المجال لا يشكلون"رأياً عاماً"  ولا يستطيعون في المدى المنظور الصعود إلى مستوى حزب نافذ،أو تنظيم قادر على خلق مناخ معارض حقيقي . وفي الحقيقة فإن بعض عرب فلسطين المحتلة،المتابعين بدقة لمظاهر من هذا النوع،يرون أن مجموع الأعضاء العاملين،والمنتسبين تنظيمياً إلى "ماتس بن" لا يزيد في حقيقته عن خمسين رجلاً وامرأة،وضعتهم آراءهم في شبه عزلة،وإن كونهم يعكسون ظاهرة أوروبية شابة متمثلة في تيارات اليسار الجديد يثير من حولهم مصاعب تتعلق بمدى قدرتهم على ألا يكونوا مجرد ظاهرة عابرة ومحدودة لنوع من تعبير الجيل الجديد عن ضياعه وغضبه. ولاشك أن كون"ماتس بن" جزء من هذا التيار العالمي الشاب يضع هذا التنظيم في موقع الخصم،تقريباً،للحزب الشيوعي الذي يشكل قوة لا يستهان بها في إسرائيل،وسيزيد هذا الواقع في محاصرة أية فعالية ممكنة لهذه المجموعة،ويتوقف الكثير من مستقبلها على قدرتها في ممارسة التخطيط السياسي لنشاطها.

 

السمعة والحجم

 

ومن هذه الناحية تبدو "ماتس بن" بصورة غريبة،ويبدو أن عدداً كبيراً من عناصرها المحدودة يعملون بصورة متفرغة للتنظيم. ومن المشكوك فيه أن يكون هؤلاء من العناصر العمالية والفلاحية والطبقات الفقيرة الأخرى،ويبدو أن غالبهم من المثقفين،ومن نتيجة ذلك - كما يقول بعض المتتبعين- أن تكون الضجة التي يثيروها حول أنفسهم هي أكبر بكثير من الحجم الحقيقي لقدرات هذا التنظيم،فهم يصدرون عدة نشرات داخل إسرائيل و خارجها،ويتعقبون -في أوروبا خصوصاً - المحاضرين الإسرائيليين الرسميين ويضعونهم من خلال المناقشات العلنية البارعة في مواقف حرجة نتيجة لاطلاعهم الدقيق الواسع،ليس فقط على طبيعة الإعلام الإسرائيلي ونقاط ضعفه،ولكن أيضاً على حقائق ما يجري في إسرائيل وفي الأراضي المحتلة . ويخشى أن يؤدي ذلك كله إلى خطأ في تقييم الحجم الحقيق لهذا التنظيم،وبالتالي الانسياق معه في آمال أو تصورات لا محل لها في الحقيقة. والمطلوب بالطبيعة هو تقدير حقيقي للدور الذي يستطيع تنظيم من هذا النوع أن تلعبه،الآن وفي المستقبل:فعلى سبيل المثال قام عدة أفراد من هذا التنظيم بتظاهرة صاخبة مؤخراً ضد السلطات الإسرائيلية حين كانت هذه الأخيرة تحتفل بذكرى "تأسيس الدولة" وبالرغم من النطاق المحدود،والأثر الضيق،الذي أدت إليه هذه التظاهرة،فإن حدوثها في حد ذاته دلالات يجب ألا تغيب -بدورها- على ذهن المتعقب لما يجري داخل البنية الإسرائيلية ذاتها. ولكن الوسائل الإعلامية التابعة لـ"ماتس بن" جعلت من هذا الحادث قصة كبيرة،ستبدو بالنسبة للمراقب في الخارج ذات قيمة تعلو أضعاف القيمة الحقيقية لها.

 

حركات أخرى

 

هناك حركات أخرى،يمكن أن توصف بأنها اقرب إلى ماتس بن منها إلى تنظيم آخر ،أبرزها حركة صغيرة نشأت بعد حزيران،ولكن ليس اسم"التجمع المضاد للضم" وهي على أساس التنظيم الحزبي،اتخذت مبدئياً ردة فعل لإنشاء حركة إسرائيل الكبرى،ولذلك فهي ترفض ضم الأراضي المحتلة،وتدعو إلى حقها في تقرير مصيرها.وترى فكرة الاتحاد الفدرالي بين دولة فلسطينية وإسرائيلية فكرة تستحق المناقشة. وهذا التجمع يفتح أبوابه،ربما على أساس جبهوي،أما جميع المعارضين في إسرائيل ،بما في ذلك أعضاء من حزب المابام،ولذلك فإن توقع نجاحه واتساعه يظل توقعاً محدوداً. إن أعضاء هذا التجمع هم في الغالب فئة من المثقفين ذات اتساع محدود،وجهد إعلامي. إن هذا التجمع،في الخطوط العريضة لتفكيره الذي لم يتبلور بصورة حاسمة،يؤمن بوجود القومية العربية،ويرى في دولة فلسطينية مستقلة ضرورة مفيدة.ويبدي إيمانه بأن أية مفاوضات حول هذا الموضوع تستحق أن تبدأ بحوار حول حدود 1948،وأن الأساسي في الأمر هو حلف عدم اعتداء،والتزام بالحياد. إنه يؤيد حركات التحرير الفلسطينية من حيث المبدأ،ولكنه يرى أنها في حاجة لبرنامج سياسي واضح،يتضمن اعترافاً بحق شعوب المنطقة في تقرير مصيرها.إنه ليس ضد الصهيونية في ذاتها ولكنه ضد استخدامها  في الإطار الرجعي ،وهو يعتقد أنه حين تقبل إسرائيل من العرب فإن الصهيونية ستتغير،وكذلك ارتباط إسرائيل بالولايات المتحدة . إنه يعترف بأن إسرائيل جاءت نتيجة للظلم،وهو من هذه الناحية يدين ولادتها،ولكنه يقول بأن التاريخ لا يمكن تغييره بما يختص بالماضي،وإنه إذا طرد اليهود من إسرائيل بواسطة القوة العربية،فإن ظلماً آخر سيكون قد حل مكان الظلم القديم.

 

مجلس السفارديم

 

توجد تجمعات معارضة أخرى،ذات قيمة أكثر أو أقل،يسارية أو معتدلة،سياسية أو غير سياسية،ولعل أهم ما في هذا النطاق هو"مجلس المجتمع السفارديم" الذي يصف نفسه بأنه أقدم تجمع من نوعه في العالم.إذ يزعم أنه تأسس عام 1286،وهو يحتكر حق الكلام باسم اليهود الشرقيين في إسرائيل،ويصدر مجلة شهرية تحمل حملات منتظمة على نظام الحكم المناهض لليهود الشرقيين،والذي يمارس ضدهم أسوأ وأبشع أنواع التمييز والاضطهاد،وكان هذا المجلس قد نشر منذ سنوات كتيباً بالانكليزية اسمه"منبوذوا إسرائيل" بقلم ميخائيل سلزر(القدس 1965) ،ولكنه ما لبث غي 1967 أن قام بإبعاد سلزر هذا من عضويته لأن مواقفه انتهت كما يبدو إلى التوسع نحو إعطاء آراء بالحالة السياسية ،وهو أمر يحاول"مجلس السفارديم" أن يتجنبه قدر الإمكان،معتبراً نفسه مجرد جمعية تعنى بشؤون اليهود الشرقيين،دون أن يلزمها هذا باتخاذ مواقف ضد أي كان،ولا مع أي كان!

 

 

الزعران الجدد في الشرق الاوسط

 

ليندا منوحين

 

2010-09-14

 

بخلاف 'دعاء السفر' الذي زود به الحاخام عوفاديا يوسيف أبا مازن، وانضمت اليه حماس ايضا على طريقتها، اهتم مثقفون عرب بأن يباركوا فريق التفاوض الفلسطيني مباركة صادقة من أجل النجاح في المحادثات المباشرة مع اسرائيل. يتفق كتاب عرب على أن الفلسطينيين الذين امتازوا بإضاعة كل فرصة ممكنة للتوصل الى السلام، ليس لهم بديل أنجح. وليس لهم ببساطة ما يخسرون. والأساس ألا تلقي الولايات المتحدة عليهم تهمة الفشل.من الواضح للجميع أن عدم التفاوض يعني عدم الأمل، الذي يفضي الى يأس يمكن أن يسوق الى مواجهة اقليمية وهي مواجهة لا ترغب فيها أي واحدة من الدول العربية المعتدلة، وستخدم في الأساس ايران ومندوبيها حزب الله وحماس وفتح الاسلام والقاعدة. يرى مؤيدو الاتصالات باسرائيل أن العمليات التي تنتجها حماس تعمل في غير مصلحة الفلسطينيين في جولة المحادثات الحالية. 'حلوا المشكلة وأريحونا'، يقول سامي البحيري، وهو مصري يعيش في الولايات المتحدة. يكتب البحيري على نحو ثابت في الموقع العربي الشعبي 'ايلاف'، ويلخص جملة تعتعات تصحبه منذ ولادته، ويشارك فيها كما نفترض عشرات ملايين العرب. يشهد البحيري على أنه سمع منذ ولادته في خطب يوم الجمعة كيف يلعنون اسرائيل ويدعون الله ان يرمل نساءها، وييتم أبناءها ويجعل جميع سكانها قتلى على أيدي العرب. بعد ذلك أتى اليساريون وأملوا طرح اسرائيل في البحر. بعد الأيام الستة، أتت المطربة اللبنانية فيروز وغنت أغنية شوق للقدس كانت ترمي الى اذابة قلب العدو. بيد أنه لا الدعوات ولا الغناء ولا البلاغات الخطابية ولا الحروب ساعدت في هزيمة اسرائيل. وأسوأ من ذلك أن العرب فقدوا في غضون ستين سنة كل أرض فلسطين تقريبا والقدس بسبب الاحتلال وتهويد الاراضي. ودفع العالم العربي ثمنا باهظا عن تأجيج الصراع الدامي، في حين أهمل تربية أبنائه والاهتمام بمستقبلهم.يظهر تناول عقلاني للنزاع وحله في المقالة الرائعة التي نشرها رئيس مصر حسني مبارك في صحيفة 'نيويورك تايمز'. يعرض مبارك في المقالة دروسا مأخوذة من عالم الكاوتشنغ: من أجل احداث دافع الى التغيير يحتاج الى اغراء كبير يرتفع مثل شعلة إزاء أعين الطرفين. ويرى أن الحل يجب أن يمنح اسرائيل الاحساس بالأمن من جهة مع الأخذ في الحساب الصدمة الكبيرة في ماضيها التي تثقل على الحاضر، وأن يعرض من جهة أخرى السلام على جميع الدول العربية، على حسب مخطط المبادرة العربية التي تقوم على انسحاب من جميع الأراضي العربية.تدرك أكثر الدول العربية اليوم أنه اذا لم يحدث شق طريق في الصراع فان الوضع قد يتدهور. فجميع الظروف تعمل الآن في مصلحة الزعران الجدد الذين أتوا حي الشرق الاوسط ويهددونه بالسلب والهيمنة الاجنبية. ومن هنا فان فكرة ان يشتمل اطار الحل على جميع دول المنطقة شرط ضروري لنجاح التفاوض. إن اتفاقا اسرائيليا مع سورية سيخلصها من حضن ايران وحزب الله وقد يأتي العراق بشيء من الهدوء. ولن نتحدث عن نوع من الهدوء للبنان وتخفيف موجة الارهاب في المنطقة كلها.والى ذلك يُطرح سؤال: هل أبناء الجيل الجديد في العالم العربي، وفيهم أبناء الفلسطينيين الذين يعيشون في الجاليات، ما زالوا مستعدين لبذل مالهم وجهدهم للقضية التي استمرت عشرات السنين؟ يخشون في الجانب الفلسطيني أن يكون جواب ذلك بالنفي.

 

معاريف 14/9/2010

 

 

من السهل ارسال المنتقدين الى الجحيم

 

صحف عبرية

 

2010-09-17

 

آلاف المنشورات عنيت في السنوات الاخيرة بمحاولة التشكيك بمفهوم 'دولة يهودية وديمقراطية'. عدد لا يحصى من الاكاديميين واجزاء واسعة من احتكار حقوق الانسان، من العالم ومن اسرائيل، جعلوا هذا الصراع مشروعا شخصيا وعالميا. وهؤلاء لم يعودوا فقط هوامش نوعام تشومسكي ونورمن فينكلشتاين. هؤلاء هم ايضا اناس كانوا في الوسط. مثلما كانوا دوما فان اليهود هم الذين يقودون الهجوم. أحد البارزين بينهم هو توني جادت، الذي توفي، وفي سنواته الاخيرة كان الناطق المركزي بلسان رفض حق الوجود لدولة قومية يهودية، أو النجم الجديد لليسار الاسرائيلي، بيتر باينرت، الذي لا يرفض، حتى الان، حق دولة يهودية في الوجود، ولكنه يتبنى اجزاء هامة من الخطاب الذي تتميز به صناعة الاكاذيب. في مقاله الشهير عن يهود الولايات المتحدة وعن اسرائيل، يقتبس فاينرت نتنياهو الذي في كتابه 'مكان تحت الشمس' رفض وجود الشعب الفلسطيني أو حق الفلسطينيين في دولة، بل انه لم يكلف نفسه عناء الاشارة الى خطاب بار ايلان، الذي قبل فيه نتنياهو مبدأ الدولتين. فكرة الدولة اليهودية الديمقراطية، إذن، تقف أمام تحالف واسع من المعارضين من الداخل ومن الخارج. يوجد فيها لاساميون، يوجد فيها مناهضون للصهيونية واحيانا يدور الحديث عمن يتظاهرون كصهاينة مع أن تطلعهم هو لدولة كل مواطنيها، في ظل دفع ضريبة لفظية في صالح حق اليهود في وطن قومي. يمكن الرد على الكسالى بسخافتهم. يمكن دحض الادعاءات المركزية لرافضي حق الوجود لدولة يهودية. غير أننا بهذا نكون قد جعلنا لانفسنا حياة اسهل مما ينبغي. وذلك لانه في كل المنشورات المعادية والمغرضة هذه توجد ايضا نوايا من الانتقاد الصحيح. لا يوجد هناك فقط رفض للفكرة الصهيونية أو لفكرة الدولة اليهودية الديمقراطية. يوجد هناك ايضا وضع مرآة امام الواقع الآخذ بالتجسد لنا امام أعيننا. وأكثر من ذلك، فمن السهل جدا ارسال المنتقدين الى الجحيم، عندما يرفضون مجرد حقنا في الوجود. غير أن الانتقاد يأتي ايضا من الساعين لصالح اسرائيل. فهو يأتي من اصدقاء، وذلك لاننا لا نبني هنا بلاد اسرائيل الكاملة، بل فلسطين الكبرى. اسرائيل، بأفعالها هي، وفرت لرافضي حق وجودها المادة الخام للدعاية ضدها. وذلك لانه اذا كانت اسرائيل تضم عمليا مناطق يهودا والسامرة وتقيم هنا واقعا ثنائي القومية، فما بالها تنزل باللائمة على من يتبنى هذا الاتجاه. هكذا بحيث ينبغي لنا أن نعترف. كل خطايا اليسار الراديكالي ستكون ناصعة البياض كالثلج امام المشروع الاسمنتي لفلسطين الكبرى. بعد عدة ايام ستنطلق الاشارة. الجرافات ستصعد مرة اخرى الى مواقع البناء، برغبة ابداع متعاظمة، بعد توقف قصير لعشرة اشهر. ومرة اخرى سينبعث مشروع فلسطين الكبرى الى الحياة. دولة واحدة كبرى، مع جوقات مرافقة من مجلس 'يشع' واحزاب اليمين الاصولية، وبادارة رئيس حزب العمل. غير أن هذه المرة ستحصل الامور مع اضافة ذات مغزى. في السنوات الاخيرة حذر رجال اليسار من رجال اليمين الايديولوجي: كيف بالضبط ستضمون المناطق، أي يهودا والسامرة، دون أن تمنحوا الحقوق للفلسطينيين، فأنتم تخلقون هنا دولة أبرتهايد؟ سؤال صحيح وعادل. لسنوات عديدة حاول اليمين سوي العقل الامساك بالحبل من طرفيه. دولة يهودية وفي نفس الوقت حرمان الفلسطينيين من الحقوق. ليس بعد اليوم. مؤشرات على الاتجاه الجديد ظهرت منذ عدة سنوات. غير أنه في السنة الاخيرة باتت هذه انشودة الجوقة. امام ناظرينا آخذ في النشوء يمين مناهض للصهيونية. يمين الدولة الواحدة الكبرى. يمين هو يسار. ليس فقط اوري اليتسور، رئيس مكتب نتنياهو سابقا ومن رؤساء 'يشع'، بل وايضا رؤساء الليكود الذين يسحبون وراءهم اصواتاً اخرى. آرنس، ريفلين، حوتبيلي والمزيد فالمزيد. هم يريدون دولة واحدة كبيرة مع حقوق للفلسطينيين. البداية متلعثمة قليلا. ليست بالضبط حقوقاً كاملة. ليس بالضبط صوت ٌ لكل فلسطيني. ليس لكل الفلسطينيين. ليس سكان غزة. غير أن الاتجاه بات يلوح في الافق. جدار الفصل بين آرنس وريفلين وبين جادت، ايلان بابه، ميرون بنبنستي ويهودا شنهاف - آخذ في التشوش. التحالف الذي يدعي هذا المقال وجوده منذ سنوات عديدة آخذ في التجسد. ليس خطأ ان شنهاف، في كتابه الاخير، يبث عطفا على المستوطنين. شنهاف يريد حل مشكلة الـ 1948. اساس انتقاده موجه 'لليسار الصهيوني'. المستوطنون الذي يعيدوننا الى وضع ما قبل الصهيونية، هم حلفاؤه. معا سيقيمون هنا فلسطين الكبرى.

 

********

 

بسخافتنا، كثيرون بيننا لا يزالون ينشغلون بالتقسيم القطبي لـ 'يمين' مقابل 'يسار'. تقسيم مر زمنه. تقسيم ليس له أي معنى. كان هذا حزب العمل هو الذي بدأ مشروع البناء الكبير. كان هذا ايهود باراك كرئيس للوزراء، بالنسبة للفترة القصيرة التي تولى فيها المنصب، أقام 4.742 وحدة سكن في المناطق في سنة واحدة، اكثر من أي رئيس وزراء آخر، قبله وبعده. وقد حصل هذا في سنوات اوسلو البهيجة. وبشكل عام، البؤر الاستيطانية ليست المشكلة. الـ 4 الاف الذين يسكنون فيها، هم أقل من 1.5 في المئة من عموم المستوطنين نحو 300 الف شرقي القدس (قرابة 200 الف آخرين). واضافة الى ذلك فان المستوطنات الاكبر هي بالذات للاصوليين موديعين عيليت وبيتار عيليت وليست للصهيونية الدينية. الاحتمال في اخلاء هؤلاء المستوطنين يقترب من الصفر. نحن في الدقيقة التسعين. يمكن أن نضم معظم الكتل الاستيطانية ومعظم المستوطنين لدولة اسرائيل. غير أن الواقع يتغير. رؤيا الرعب لبنبنستي تتحقق. الوضع آخذ بالغدو كأمر لا مردّ له. كلما اتسع البناء، فاننا نحكم على أنفسنا بدولة واحدة كبيرة. اليسار المناهض للصهيونية يتطلع لها. اليمين المناهض للصهيونية يقيمها. توقعات جديدة من مدرسة رجال اليمين، بالتعاون مع مهنيين مختلفين، تحاول دحض التوقعات عن الاغلبية العربية. مثلما كان لنا مؤرخون جدد وعلماء اجتماع جدد، ينتمون في معظمهم للمعسكر ما بعد والمناهض للصهيونية، يوجد لنا الآن ديمغرافيون جدد. وهم في ذات الاتجاه. لنفترض بانهم محقون. ولكن توجد مشكلة. أولا، حسب المعطيات موضع الخلاف التي يقدمونها، توجد اغلبية يهودية من 67 في المئة غربي النهر، واغلبية 60 في المئة اذا ادرجنا قطاع غزة. لنفترض أن هذا صحيح، فماذا يعني بالضبط؟ هل الاستنتاج هو أن نقيم هنا دولة واحدة كبرى؟ هل الحل المرغوب فيه هو بلاد اسرائيل الكاملة؟ فهل هذا يعني أنه لا توجد مشكلة في منح حقوق التصويت للفلسطينيين في يهودا والسامرة وغزة؟ إذ أن اقلية من 40 في المئة ايضا ستغير وجه اسرائيل.هل الدولة الجديدة ـ دولة واحدة كبرى، ستجعل اسرائيل بلاد ملجأ، والهجرة اليهودية ستتعاظم، أم اننا بانتظار مسيرة معاكسة؟ فـ 'دولة كل مواطنيها' الجديدة، هذه المرة من انتاج اليمين، ستكون دولة تكون فيها منذ البداية اغلبية تعارض، بمستوى ما، الفكرة الصهيونية الرسمية لدولة اسرائيل (معظم الاصوليين وكل العرب مضاف اليهم جزء من اليسار). منذ الان توجد مصالح مشتركة للقطاعين الاصولي والعربي، مثلا، في قانوني نهاري اللذين عززا التعليم الانعزالي. وهل هذه هي الدولة التي تمنيناها؟ مهما يكن من أمر، لا ريب في أن الديمغرافيين الجدد هم بمثابة روح اسناد لليمين المناهض للصهيونية.

 

*****

 

وماذا عن عرب اسرائيل؟ إذ انهم هم ايضا من شأنهم أن يصبحوا اغلبية. يوجد فارق هائل. اولا، 99 في المئة من عرب اسرائيل هم محافظون على القانون يريدون ان يكونوا جزءا من دولة اسرائيل، واغلبية الشباب، خلافا للزعماء يريدون ان ينفذوا خدمة مجتمعية، وطنية او اجتماعية. منذ قيام الدولة كمية المنضمين الى النشاط المعادي تقترب من الصفر. نسبيا، يوجد مشاركون في الارهاب في اوساط المسلمين في بريطانيا اكثر مما في اسرائيل. صحيح، يوجد تطرف من رواده الشيخ رائد صلاح، عزمي بشارة وخلفاؤه الايديولوجيون. يجب معالجة ذلك ويمكن معالجة ذلك. المزيد من المساواة والمشاركة، من جهة، ومن الجهة الاخرى يد حديدية ضد التآمر الذي يستغل خطاب الحقوق لغرض رفض حق دولة اسرائيل في الوجود. اضافة الى ذلك، حتى لو كنا نفترض بأن عرب اسرائيل يشبهون تماما عرب المناطق، الامر الذي هو ليس صحيحا، فان هذا لا يزال لا يبرر قيام دولة واحدة كبرى. وذلك لان ضم المناطق يشبه الغرق المؤكد في المكان من النهر حيث مستوى المياه متران. فهل مجدٍ أم غير مجدٍ الانتقال الى المكان الذي مستوى المياه فيه هو نصف متر؟ بالتأكيد نعم. وفي منظور تاريخي، هذه نجاة فورية، حتى وان كان هناك تخوف في أنه بعد مئة سنة في المكان الجديد ايضا سيصبح المستوى مترين. اليمين المناهض للصهيونية مثل اليسار المناهض للصهيونية يقترحون علينا خيارا ثالثا: الانتقال الى مكان في النهر مستوى المياه فيه هو ثلاثة امتار. ثمة مجال للتفكير الابداعي: بالضبط مثلما لا حاجة لضم 200 الف مواطن عربي من شرقي القدس، هكذا ايضا يجب النظر في السبل التي تتيح لعرب اسرائيل المجاورين للحدود بأن يكونوا جزءا من الكيان السياسي الذي يتماثلون معه. ليس بالقوة. ليس بالاكراه. فقط طواعية، بحيث يتاح لهم تحقيق تقرير المصير لانفسهم. غني عن الاشارة ان مجرد اصرار اغلبية العرب على أن يكونوا جزءا من دولة اسرائيل وليس جزءا من الكيان العربي الذي قد يقوم الى جانب اسرائيل هو دحض مؤكد لادعاءات صناعة الاكاذيب عن 'دولة الابرتهايد'. فاذا كانت الحال سيئة بهذا القدر في اسرائيل، فلماذا لا يكونون جزءا من الكيان الوطني المجاور؟

 

********

 

المستوطنات، يقال لنا، هي روح الصهيونية. اليهود انقذوا الارض، اقاموا بلدات في اماكن نائية، بما في ذلك في قلب السكان العرب، وهكذا خلقوا حقائق، في السياق ادت الى اقامة دولة اسرائيل. الادعاء المقارنة هذه هي قاسم مشترك آخر بين اليمين المناهض للصهيونية واليسار المناهض لها. هؤلاء واولئك يعتقدون ان الصهيونية في حينه والصهيونية اليوم واحدة هي. وليست هي. لأنه يوجد فارق بين الاستيطان في الايام ما قبل الدولة والاستيطان اليوم، حين تكون دولة اسرائيل حقيقة ناجزة. المناهضون للصهيونية يدعون بان الصهيونية هي حركة استعمارية. لا توجد كذبة أكبر من هذه. لم يكن هذا استيطانا بإسناد من قوة عظمى ما. لم تكن هناك مصادرات للاراضي. لم يكن ثمة استغلال لقوة العمل المحلية وزهيدة الثمن. انقاذ الارض كان شراء الارض، والعمل كان عبريا. هذا ليس استعمارا. ليس هكذا في مستوطنات اليوم التي توجد فيها مؤشرات واضحة للاستعمال. ومن يقارن بين الفترتين، يخدم الفكرة المناهضة للصهيونية.

 

جربنا خيار الفصل، وسبق لنا أن كنا في هذه القصة، كما سيدعي مؤيدو الضم، إذ في غزة انسحبنا الى خطوط 1967، ومنذئذ الوضع تدهور فقط. فهجر يهودا والسامرة سيجلب الكاتيوشا على المطار. هذا ادعاء صحيح. ولهذا السبب، فان همّ هذا المقال لا يتمثل في رفض الاحتلال. الاحتلال مبرر، طالما لا توجد ترتيبات امنية تمنع تهديد الكاتيوشا او جعل يهودا والسامرة موقعا متقدما آخر لايران. المشكلة هي اقامة دولة واحدة كبرى. وبتعبير آخر: نعم للاحتلال. لا لدولة ثنائية القومية، من خلال توسيع المشروع الاستيطاني.

 

******

 

كل ما قيل حتى الان لا يؤدي الى الاستنتاج بان 'دولة فلسطينية' هي الحل المرغوب فيه. مشكوك فيه أن يكون هناك حق وجود لمثل هذه الدولة، اضافة الى الاردن، الذي هو دولة ذات اغلبية فلسطينية. ومشكوك فيه أن يكون هناك أي فارق بين سكان القطاع وسكان مصر في شمالي سيناء. ضمهم الى مصر، سياسيا وجيوسياسيا، هو تسوية افضل بكثير. غير أن همنا هنا هو الاختيار بين خيارين على الطاولة: دولة يهودية ام دولة ثنائية القومية. رئيس الوزراء يطلب من الفلسطينيين اعترافا بدولة اسرائيل كدولة يهودية. غير أن هذا المطلب يجب أن يوجهه نتنياهو لنفسه. فأي دولة يقيمها هنا؟ يهودية أم ثنائية القومية؟ التعريف الذاتي لنا ليس منوطا بالفلسطينيين. يوجد قرار تأسيسي من الامم المتحدة لاقامة دولة يهودية. المشكلة هي مشكلتنا. لا يحتمل أن نكون نحن نطالب بدولة يهودية، ولكن نصر على مشروع ديمغرافي وجغرافي، حسب نظرية المراحل، لاقامة دولة ثنائية القومية. لا تناقض بين يهودية وديمقراطية. يوجد تناقض بين يهودية وثنائية القومية. الاغلبية تريد دولة يهودية. حان الوقت لوقف بناء الدولة ثنائية القومية.

 

معاريف 17/9/2010

 

عن الحمار والسلام

 

صحف عبرية

 

2010-09-17

 

منذ زمن لم تثمر لقاءات قمة هذا القدر الكبير من الابتسامات والجو الطيب كما في جولة المحادثات في واشنطن الشرم القدس. يدخل الزعماء، وفيهم رئيسان وملك اللقاءات المغلقة ويخرجون منها وهم يبتسمون وكأنهم قضوا الجلسات في منافسة فيمن يروي أفضل الفكاهات. إن الذي أعطى الصبغة هو الرئيس اوباما في واشنطن ومبعوثته هيلاري كلينتون هنا. وقد أصبحت أشد امتلاء ً منذ علقت في منافستها في الرئاسة لاوباما، لا تكاد توجد صورة خلدت فيها دون ابتسامة من الأذن الى الأذن.على نحو شاذ، هذه أول مرة تقريبا حتى هذه اللحظة لا توجد فيها تسريبات من المحادثات الطويلة، بل تقديرات وضع لمحللين سياسيين قدماء. التفاؤل يملى من أعلى، أي من الرئيس اوباما الذي استقر رأيه على تولي شؤوننا هو نفسه مع تغيير بارز لتوجهه شبه المعادي لاسرائيل.ازاء مكانته التي أخذت تضعف في العالم، الانطباع الان ان من المهم عنده جدا شخصيا واستراتيجيا، أن ينجح ها هنا. وعندما تعلن وزيرة الخارجية بعد لقاء مع الرئيس بيريس أن بيبي وأبو مازن جديان في نيتهما تجديد المسيرة السلمية فان هذا الامر في هذه الاثناء شوقاً عند اوباما أكثر من كونه انطباعا واقعيا عن جولة المحادثات حتى الان.قام نتنياهو بإجراء زعامي عندما وافق على تجميد البناء في المناطق عشرة أشهر. لم يصدق أحد أن يجرؤ على التمسك بهذا القرار حتى النهاية. لكن من الحقائق أنه أجاز القرار في الحكومة ولم يستقل أي واحد من وزرائه وفيهم وزراء اسرائيل بيتنا. يجب أن نتذكر مع ذلك أن بيبي فضلا عن أنه التزم بالفلسطينيين والامريكيين، التزم ايضا بالجمهور الاسرائيلي ان الحديث عن عشرة أشهر 'لا يوم واحداً آخر'. يمكن ان نمتدحه لأنه فعل شيئا لم يفعله أحد قبله، لكن من شبه المحقق أن يكون في معسكره من لا يغفرون له اذا نكث بوعده للاسرائيليين. والى ذلك رفض الفلسطينيون دخول محادثات مباشرة وأضاعوا تسعة أشهر. لو أنهم أجروا في فترة التجميد تفاوضا فلربما كنا نقف الان في مكان آخر تماما. وبينت المحادثات في واشنطن أيضا عمق الفروق بين الجانبين. الان وقد بدأ الجانبان يتحادثان مباشرة برعاية الرئيس اوباما، زال شأن التجميد بصفته شرطا للتحادث كله. يمكن التحادث أيضا وجها الى وجه وعدم البناء أيضا في وقت واحد في المناطق التي سنخليها أصلا. الان وقد بدأت تقطر كل يوم تقريبا صواريخ من غزة ويهددنا وزير حربية حماس، أحمد الجعبري بالحرب، فان السؤال الذي يواجهنا هو: ألم يحن الوقت لفعل ما نستطيع للتوصل الى تسوية مع السلطة بدل التدهور الى 'حرب سلامة مستوطنتي يتسهار وتفوح'؟ ليست اطالة التجميد المفروض على اسرائيل ضرورية لتجديد المحادثات المباشرة برعاية امريكية. وذلك عن تفاهم مع الرئيس اوباما أن يكون هنالك بناء 'مخفف'، اذا وجد كي لا ننشىء وضعاً فوضويّاً في المناطق قبل التوصل الى اتفاق شامل مع الفلسطينيين. ففي الاتفاق مع مصر ايضا، وقعنا قبل ذلك وبعد ذلك أزلنا مستوطنات رفح.تحافظ الادارة على ضباب معركة تمهيدا لمبادرة تجديد المحادثات المباشرة. لكن من الواضح أن اوباما هو الذي سيقرر هل يخرج دخان أبيض من مدخنة البيت الأبيض. إن حقيقة أنهم قد بدأوا يوزعون عندنا الأقنعة الواقية توزيعا عاجلا تدل على أننا والادارة نتابع بقلق تلك التهديدات التي سنحتاج الى مواجهتها إن عاجلا أو آجلا. والسؤال هو: هل يريد الفلسطينيون وهل يستطيعون التوصل الى تسوية سلام ما يزال مطروحا؟ وما تزال نفس الشكوك في نتنياهو قائمة فهل بني من مادة بحيث يستطيع اتخاذ قرارات عظيمة؟ يقف أكثر الليكود وراء بيبي برغم تهديدات سلفان شالوم. واذا كان قد أجاز التجميد فانه يستطيع ان يجيز كل شيء في الحكومة، ومن المحقق ان يكون ذلك بتأييد كثيف من أكثر الجمهور الذي يطمح الى السلام.في يوم الغفران قبل 37 سنة دفنا 2700 ضحية لم تكن بنا اليهم حاجة للتوصل الى الاستنتاج الذي توصل اليه موشيه ديان عند توقيع معاهدة السلام مع مصر وهو أن الحمار فقط هو الذي لا يغير رأيه.

 

هآرتس 17/9/2010

 

 

ليس لنا شريك

 

شلومو تسزنا وعاموس ريغف

 

2010-09-22

 

ما زال لا يوجد لنا شريك. وما زال أبو مازن لم يبرهن على أنه شريك في السلام. واذا كان شريكا في شيء ما فانه شريك في هذه الاثناء في نظرية المراحل للقضاء على اسرائيل، عن مدرسة ياسر عرفات.هذا رأي موشيه (بوغي) يعلون، نائب رئيس الحكومة ووزير الشؤون الاستراتيجية. بعد اسبوعين من التصريحات والمراسم في البيت الأبيض، وبعد 'تشغيل المسيرة' والحديث عن اتفاق دائم ما يزال بوغي لا يعترف بوجود من يصنع السلام معه.'عندما أسمع كلاما من أعضاء حزب العمل المشارك في الائتلاف على أنه: يحتاج الى اجراء سياسي جريء، أعتقد ان هذا كلام بلا مسؤولية'، يقول، 'هذا كلام يزيل المسؤولية عن الفلسطينيين. يجب أن يفهم الناس أنه منذ بدأ الصراع بين اليهود والعرب، لم ينتقل الفلسطينيون حتى ملمتراً واحداً عن موقفهم بل نحن الذين انتقلنا واقتربنا منهم'.يجلس بوغي يعلون في مكتب جديد حسن، بالطبقة الثامنة من مبنى رئيس الحكومة. ومع هواء نقي في الشرفة ومنظر القدس العام، ينظر في واقع الشرق الاوسط وواقع العالم المعقدين ويقول: 'الانتباه. هذا هو اسم اللعبة'.تبرز على الحائط في مكتبه خريطة 'الجبهة في يوم الهدنة': اسرائيل في يوم إعادة انتشار القوات في تاريخ 11/6/1948. وتلك من وجهة نظره خلاصة وجودنا كلها فحرب الاستقلال ما زالت لم تنقض. 'ليس لنا اليوم أيضا شريك في السلام ولا حتى بعد أن وافقنا على مبدأ تقسيم البلاد'.السلام؟ من المحقق أن الجميع يريدون السلام. رئيس الحكومة ورفاقه الوزراء وهو نفسه. 'لا أعرف شخصا ما حولي لا يشتاق الى السلام'، يقول، 'لكن أحد الاشياء التي تعلمتها في السنين السبع عشرة منذ اتفاقات اوسلو هو أنه ليس من الصحيح متابعة الأهواء لأن الآمال تتحطم لكونها أوهاما. طريق هذه الحكومة هي الانتباه من الأوهام. كيف يمكن التوصل الى سلام اذا كان لا يعترف من يفترض أن يكون شريكك بحقك في أن توجد كدولة قومية للشعب اليهودي؟ وليس مستعدا ليقول إن كل اتفاق دائم سيكون انهاء للصراع ونهاية للمطالب؟'.' ألم يترك أبو مازن طريق نظرية المراحل؟' لا بيقين. أسمعت أن أبا مازن مستعد ليقول إنه مستعد للاعتراف بأن دولة اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي؟ بل إنه ينكر صلتنا بأرض اسرائيل. قبل نحو نصف سنة، يقول يعلون، التقى أبو مازن في واشنطن زعماء يهوداً. اقتبس من كلام أبي مازن هناك وكأنه قال إنه يعترف بصلة الشعب اليهودي بأرض اسرائيل. قلت لنفسي: 'هذه مقولة تاريخية' وطلبت على الفور من ناس مكتبي الفحص عن الأقوال. بيد أنه قبل أن يستطيعوا التوجه الى محضر ذلك اللقاء، أنكر هذا الكلام في وسائل الاعلام العربية. وبيّن أنه يعترف بالوجود اليهودي في الشرق الاوسط وأن هذا مذكور حتى في القرآن. جد الفروق. ليست هذه لعبة لغوية فقط. يعتقد يعلون أن الحديث ليس عن انكار لمرة واحدة، بل عن طراز دائم عند الفلسطينيين. وهكذا كان الأمر أيضا مع ياسر عرفات. بهذا فقط يمكن أن نبين لماذا اختار العنف بدل التوقيع على اتفاق. وبهذا فقط يمكن أن نبين لماذا لم يقبل أبو مازن اقتراح ايهود اولمرت السخي. 'لم يكن أبو مازن مستعداً لأن يقول في أنابوليس بدولتين للشعبين. من لا يفهم هذا لا يفهم جوهر الصراع.' كتب المستشرق المشهور البروفسور برنارد لويس في هذا قبل أنابوليس. سأل: هل الصراع في مساحة دولة اسرائيل وحدودها أم في حقيقة وجودها؟ وكان جواب البروفسور لويس أن الحديث في الخلاصة عن عدم موافقة عربية على حقيقة وجود دولة اسرائيل. فهم لا يرون ان 'الاحتلال' بدأ في 1967 بل في 1948 بل قبل ذلك، منذ فجر الصهيونية. لهذا يجب أن يفهموا أن الحديث ليس عن صراع على أراض. يعتقدون في العالم أنه اذا نشأت فقط دولتان فسيحل كل شيء ونبلغ الراحة والاطمئنان. لكن الأمر ليس كذلك، وأبو مازن يقول إن اليهودية ديانة لكنها ليست قومية ولهذا لا يستحقون دولة.' فلماذا تمضي الحكومة الى مسيرة سياسية اذن؟' يجيب يعلون ببساطة وصدق بلا تهرب: فرض الامريكيون إطار الحوار الحالي مع الفلسطينيين، وهو تفاوض يفترض أن ينشىء اتفاقا في غضون سنة. يوجد ضغط دولي، وتوجد ضرورات ائتلافية ويجب استنفاد جميع الخيارات. لم نبادر الى اطار 'في غضون سنة'. توجد عدة لاعبات في الملعب وعلى رأسها الولايات المتحدة. يوجد اتفاق على أن المسيرة يجب أن تبنى من أسفل الى أعلى وألا توجد بعد قمم التقاط صور. يقتضيهم كون الأمر من أسفل تغييرا تربويا حادا. اذا ربي ولد في الثالثة على نهج المخربين المنتحرين، واذا ربي ولد في سن روضة الاطفال على أن دولة اسرائيل غير موجودة وأنها ولدت خطأ وأن الاحتلال واقع على الأولاد في حيفا أيضا فان الأمر لن يتقدم. أنا أتحدث عن خطط دراسية للسلطة الفلسطينية اليوم لا لحماس. اذا كان يوجد انكار شامل لصلتنا بهذه البلاد، فانها مسيرة طويلة لن تنتهي في سنة. أتستغرق خمس سنين أو عشرا او جيلا؟ هذه مسيرة تتعلق بالتنفيذ.

 

تهديد لاستقرار العالم

 

في السنة ونصف السنة التي مرت منذ ولاية الحكومة لم يكن سهلا على القدس أن تقنع واشنطن بقبول موقفها، لكن يعلون يزعم أنه سُجل تغيير كبير في إقناع البيت الأبيض وسياسة إدارة باراك اوباما.بدأنا الولاية مع الادارة الامريكية مع فجوات عظيمة. ففي الشأن الاسرائيلي الفلسطيني كانت فجوات عميقة جدا. كان هناك قول 'يوجد حل'، وأن الحديث عن 'حل معروف' وأنه 'يمكن التوصل الى اتفاق في غضون سنتين'. حدثونا آنذاك في تجميد البناء المطلق. سياسة عدم بناء 'حتى لبنة واحدة'. صور هذا الفجوات العظيمة الموجودة بين كيف رأينا المسيرة التي تمت هنا في أثناء السنين الـ 71 الأخيرة وبين كيف رآها الامريكيون. الاطار هو نفس الاطار الذي عرضه رئيس الحكومة في خطبة بار ايلان. والنجاح الكبير من وجهة نظرنا أننا نجحنا في ردم الفجوات في هذا الشأن مع الولايات المتحدة.في شأن تنسيق صد البرنامج الذري الايراني، الذي وكل اليه أيضا، يلحظ الوزير يعلون تحركا ايجابيا عند الدول المشاركة في الغرب. 'كان أحد الجدالات الجوهرية التي كانت لنا مع البيت الأبيض في سؤال أين المشكلة؟ أتى البيت الأبيض وقال إن كل شيء بسبب الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. حاربنا ورددنا الحرب بالحرب. قلنا لهم: يوجد مركز الثقل في ايران. يجب أن تواجه طهران بمعضلة أتريد الاستمرار في نشاطها التآمري في المنطقة وفي استعمال الارهاب وتقديم مشروع القنبلة الذرية؟ إن الموجة الاسلامية الجهادية بدأت من الثورة الايرانية، والقاعدة وحزب الله والاخوان المسلمون كل ذلك بدأ من ثورة الخميني. يجب أن نعالج الرأس قبل كل شيء لا الأذرع.' كففتم في المدة الأخيرة عن التصريح بتصريحات عن الخطر الايراني. هل سلمت اسرائيل لايران الذرية؟' لا على الاطلاق، لكن لا يجب أن نقفز في المقدمة. ليس الشأن الايراني تهديدا لاسرائيل فقط بل للمنطقة كلها واستقرار العالم. انهم يروننا الشيطان الأصغر والولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر. اقتربت الادارة الامريكية في الاشهر الاخيرة جدا من تصورنا ولهذا يحسن أن ندع الولايات المتحدة تقود الاجراءات المشتركة.ما زلنا غير راضين. اعتقدنا انه كان يجب البدء في موعد أسبق بالعقوبات وأن تشتمل على عزلة سياسية أيضا. العقوبات حتى الان مهمة لكنها لا تسبب الشلل.' أتوجد لنا سياسة مستقلة أم أننا نضيق الفروق فقط مع الولايات المتحدة في هذا الموضوع؟' نحن نحاول سلوك سياسة تقول 'ليت عمل الصديقين يعمله الآخرون'، لكن يجب علينا من جهة ثانية أن نكون مستعدين لأنني اذا لم أكن لنفسي فمن يكون لي.' الى أي حد يجب قطع التعلق بالولايات المتحدة؟' قطع التعلق لا يبحث فيه. مع كل الجدالات مع الادارة الامريكية، تقوم العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة على قيم ومصالح مشتركة. وتتمتع الولايات المتحدة واسرائيل ايضا بذلك.

 

لا يوجد سلام جاهز

 

لا يحب يعلون، اذا لم نشأ المبالغة، التوجه الذي يسود البلاد ودولا غربية كثيرة تطلب النصر الواضح والفوري على الارهاب. يزعم أن هذا التوجه يضعف من يناضلون حقا ولا يمكن من طول نفس حيوي في النضال الجوهري الذي يجري في وجه الاسلام المتطرف.اعتاد الناس في الغرب واقعا تنتهي فيه الحروب بنصر واضح. كان ذلك ممكنا عندما حاربت الجيوش الجيوش. وعندما يكون الحديث عن حرب لعقيدة اسلام جهادي، تتبجح بهزيمة الحضارة الغربية والارهاب أحد أبرز أدواتها، لا يمكن الحديث عن نصر سريع.يجب أن نفحص عن النصر في حرب كهذه بمفاهيم تاريخية لا يمكن الحكم عليها بولاية رئيس أو رئيس حكومة، بل النظر فيها باستراتيجية سنين. القاعدة الأكثر جذرية هي عدم الخضوع للإرهاب فاذا خضعت للإرهاب طاردك. هذا صحيح في أفغانستان وصحيح في العراق.

 

سيصحو اوباما بعد

 

يرى الوزير المسؤول عن الشؤون الاستراتيجية العالم بألوان حادة: فثمة الأخيار الذين يشاركونه نهجه والذين هم أقل خيرا مما سيكونون شركاء. بعد نهاية سنة ونصف في العمل ومنصب الموبخ على الباب يلحظ في العالم الغربي صحوة واقتراباً من تصوره.يسعدني أنني أرى صحوة هنا والآن في اوروبا والولايات المتحدة أيضا. اذا كانوا ذات مرة قد أرادوا النظر للارهاب وكأنه حادثة جنائية ونظروا الى الأسلمة وكأنها حادثة اجتماعية محلية فانهم ما عادوا يفعلون هذا اليوم.' لكن اوباما ألغى تعبير الارهاب الاسلامي!' من المحقق أنني انتقادي في هذا الشأن كما هي الحال في شؤون أخرى. ليس سراً أنه يوجد بيننا وبين البيت الأبيض غير قليل من الفروق. يمكن أن نسميها فروقاً عقائدية وفروقاً استراتيجية. ورغم ذلك يمكن أن ننظر الى السنة ونصف السنة التي تولينا الحكم فيها على التوازي وأن نمتدح رئيس الحكومة لموقفه الصلب للضغوط وفي مواجهة محاولة الارغام، واستعداده للحوار المفتوح في مقابلة ذلك. ' أنظر في سنتي اوباما. الأمر عالق. ففي تركيا على سبيل المثال، أراد الغرب تعزيز الديمقراطية لكنه عزز الاسلاميين كما حدث هنا بالضبط في السلطة الفلسطينية. يوجد في الحقيقة سلسلة من حجارة الدومينو تتصل ولا تسقط. ماذا تستطيع اسرائيل الصغيرة أن تفعل في هذا الشأن؟' نحن نتحدث في عوامل زمن لسنين معدودة، وقد لا يرى اوباما حتى نهاية ولايته ذلك وقد يراه. أنا على كل حال، ارى أن الواقع يجذبه في أماكن مختلفة لم يشأ أن يكون فيها من جهة عقائدية، وقد تكون التحولات في ايقاع سنين آخر. اذا كان الغرب راغبا في الحياة فيجب عليه أن يمسك الثورة من قرنيها. يتصاعد النظام ولا يغيب ذلك عن نظرنا ونحن نعمل في هذا الشأن.' صورة الوضع جلية واضحة جدا فكيف لا يرى الآخرون الأمر كذلك؟' توجد تصورات مختلفة، فكل واحد نشأ في بيئة ما. قد يكون لمن عاش في الولايات المتحدة او في اوروبا تصور ساذج غير ذي صلة بالشرق الاوسط. يستطيع أن يرى العالم من خلال موشور الضحايا والمذنبين. اذا تصوروا العالم على هذا النحو فانهم يرسمون محورا يصل بين كون الفلسطينيين ضحايا والسود من فترة العبودية او في جنوب افريقيا واليهود في المحرقة. يصعب على من يرى العالم على هذا النحو جدا أن يميز التشويهات التي يحدثها هذا التصور.يضعنا هذا في مكان مشكل جدا. امض وبيّنْ لهم أنه يمكن أن تكون يهوديا قوميا وألا تفرض دينك أو ثقافتك على شعب آخر وأن تكون انسانيا غير عنصري. يصعب عليهم أن يدركوا هذا. كيف تبين لأوروبا أن ما يوجد بيننا وبين الفلسطينيين بعد عصر الاستعمار ليس قضية استعمارية، ولا سيما أن أعداءنا يلعبون بالضبط على هذه البطاقة ويسهل تضليل الأوروبيين.لا يحل النظر الى الشرق الاوسط بعيون غربية. حاولت اذ كنت رئيس أمان على الدوام أن أربي رجالي على الامتناع عن خطر الفحص عن الآخر بعينيك وقيمك. أخطأنا وفعلنا ذلك مع سورية او ايران، وتخطىء الدول الغربية خطأ مشابها عندما تفحص عن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وكأننا في سويسرا.

 

المقود في يدين جيدتين

 

ليس يعلون مستعدا للكشف عن خطط للمستقبل في الساحة الفلسطينية، ويحرص على الامساك بأوراق اللعب قريبة من صدره. أرئاسة الحكومة؟ يزعم أن هذا غير ذي صلة. ' أشعر بأن المقود في يدين مخلصتين'، يطري نتنياهو. مع ذلك لا يخفي يعلون الاحتكاكات الكثيرة مع وزير الدفاع ايهود باراك.' أيقود باراك الحكومة؟' ماذا دهاك؟ لا يقود رئيس الحكومة. فرئيس الحكومة يقوده هنا نهج واضح جدا. صحيح، توجد ضغوط من الداخل ومن حزب العمل. لا من باراك فقط بل من وزراء آخرين يقولون إننا اذا مضينا الى تنازلات عن أراض فسيسهل هذا الأمر علينا في النظام الدولي.

 

هآرتس 22/9/2010

 

 

كن رجلا وجمد

 

صحف عبرية

 

2010-09-23

 

الزعماء يختبرون في قدرتهم على ايجاد الفرص واستخدامها في صالحهم، ولبنيامين نتنياهو توجد الان فرصة كهذه. عليه ان يعقد الحكومة يوم الاحد وان يعلن بان تجميد الاستيطان سيمدد بثلاثة اشهر، تدار فيها مفاوضاته مكثفة مع محمود عباس على تحديد الحدود المستقبلية بين اسرائيل وفلسطين. من جلسة الحكومة على نتنياهو أن يخرج الى بيته في شارع بلفور، ويدعو الى هناك عباس ويعرض عليه خريطة جريئة، غير متوقعة وأصيلة للحدود. ماذا سيحقق نتنياهو؟ قبل كل شيء، سيفاجىء. يتوقعون منه أن يتملص وان يخضع لضغوط المستوطنين واليمين الذين يطالبون باستئناف توسيع الاستيطان. يعتقدون انه لا يريد ولا يستطيع العمل على دفع اتفاق السلام، والذي في مركزه انسحاب من الضفة الغربية وان كل خطاباته ووعوده تأتي لكسب الوقت. ولكن اذا ما وضع على الطاولة 'خريطة بيبي' فانه سيثبت جديته، والبحث سيجري على التفاصيل وليس على مصداقيته. ثانيا، سيأخذ نتنياهو المبادرة ويقود جدول الاعمال بدل الانجرار وراء عباس واوباما، اللذين يضعانه في زاوية الرافض. وبدلا من ادارة معركة صد من موقف دون، مثلما فعل حتى الان، سيمسك وسيحتل نتنياهو التلة المشرفة. هكذا فعل أنور السادات ومناحيم بيغن عندما نسجا اتفاقا منفردا وعطلا مبادرة السلام الشاملة للرئيس جيمي كارتر. هكذا فعل ارئيل شارون بمبادرة فك الارتباط عن غزة التي ازاحت عن جدول الاعمال كل الافكار الاخرى. ثالثا، خريطة بيبي ستجبر عباس على أن يقرر وبسرعة، اذا كان شريكا في الصفقة أم مجرد دعائي يسعى الى النجاة بكرسيه واحراج اسرائيل. رفض فلسطيني رابع لاقتراح التقسيم، بعد 29 تشرين الثاني (نوفمبر) وكامب ديفيد وانابوليس سيمنح نتنياهو حرية عمل ويخفف من العزلة الدولية على اسرائيل. ولكن اذا ما تمكن اوباما من ثني ذراع عباس وانتزاع 'نعم' منه، فسيحدث انفجار كبير في الشرق الاوسط، المحور المعتدل سيتعزز حيال المحور الراديكالي بقيادة ايران، والحظوة ستنسب لنتنياهو. رابعا، عباس يقترح التركيز على الحدود وعلى الامن، وفي قبول اقتراحه تكمن فضائل كبرى لاسرائيل. كلما كان نتنياهو اكثر سخاء في ترسيم الحدود، يمكنه ان يحصل على قدر اكبر في البنود الامنية. ترسيم الحدود سيسمح للطرفين بان ينشغلا بالمستقبل بدلا من أن ينشغلا بالماضي، لدفع اقامة الدولة الفلسطينية وتأجيل البحث في المطالب الروائية، الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية و 'حق العودة' للاجئين، بحيث تعطل الواحدة الاخرى.خامسا، نتنياهو بشكل عام لا يريد أن يبني في المستوطنات. وهو يفهم بان هذه سخافة، لن تساهم بشيء لاسرائيل، ستعرضها كدولة عاقة ومتطرفة وتضعف موقفها في المفاوضات. حجته ضد تمديد التجميد في أنه شرط مسبق وغير نزيه يطرحه عباس، في الوقت الذي يتجاهل فيه نتنياهو نفسه تعابير التحريض ضد اسرائيل في السلطة الفلسطينية حجة هزيلة وغير مقنعة. في دوائر الحكم في اسرائيل ايضا يوجد تحريض (الحاخام عوفاديا يوسيف) ومعارضة صاخبة للمفاوضات (افيغدور ليبرمان وايلي يشاي). توسيع الاستيطان يرمي الى احباط تقسيم البلاد والتآمر على الاهداف التي يروج لها نتنياهو. فلماذا يعمل ضد نفسه في استئناف البناء؟سادسا، لن تجدي نتنياهو نفعا أي صفقة جانبية مع المستوطنين. لا البناء 'في الكتل فقط'، لا التجميد غير المعلن و 'الاستثناءات'، ولا 'النمو الطبيعي'. فهم سيصارعون ضده في كل الاحوال، وسيعرضونه فقط كخرقة بالية. وبدلا من الزحف اليهم عليه ان يقف حيالهم كرجل ويقول: حتى هنا. وتحدي يشاي وليبرمان في أن يقررا اذا كانا في الحكومة أم ضدها. سابعا، تحديد الحدود سيوضح مرة واحدة والى الابد ما هي المناطق التي ستضم الى اسرائيل، ويكون بوسعها ان تبني فيها كما تشاء، واي المستوطنات ستجمد الان وتخلى لاحقا. وهكذا تزاح سحابة الاستيطان التي تثقل على علاقات اسرائيل والولايات المتحدة، ويكون بوسع نتنياهو أن يدعي بحق بانه نجح اكثر من اسلافه في ان يدرج ضمن اسرائيل 'الكتل' وان يوسع الخاصرتين الضيقتين والمهددتين للخط الاخضر حول تل أبيب والقدس. محظور على نتنياهو أن ينتظر. مكانته السياسية في الذروة، وعليه أن يستغل الفرصة وينطلق في مبادرة سلام الان. ان يخاطر وان يأخذ جانبا. اذا حاول ارضاء الجميع، فانه سينزلق في المنحدر الى ان يركل مرة اخرى من السلطة.

 

هآرتس 22/9/2010