أعطني حجري ، خذ النحلة والبستان

 

شعر: تيسير نظمي

 

1-نورا لا ترانا

 

نورا لا ترانا

أغمضت عينها خجلا

كي لا نخجل من عينيها إن رأتنا ورأيناها

نورا بصمت البحر تمضي لا تتكلم

ربما رأت كل شيئ ممكن من ثرانا

ومضت في البحر ورانا

نائمة على جذعنا المكسور

لا نمور حولها الآن ولا نسور

نورا أغمضت عنا رأفة بنا كي لا نثور

فبين كل عربي وجاره سور وراء سور

ودعت دنيانا لقبر واحد

ورأت أن كل ما حولها قبور

نورا لم ترنا جيدا

لا بأس إن توجه كل منا إلى أعماله

بحزن، بصمت، أو حبور

نورا الآن توارت في ثرانا

لا ترى مدنا ، لا عواصم

لا رايات، شعارات أو قواسم

لكنها في التراب بعيدا عن قرانا

6/1/2008

 

2-أريد حجري

 

أبو غسان

 

كي أحنو عليه الآن

فيحرسني شاهدا صلبا في وجه الريح

أعطني حجري من الكوكب، ها أنا الضريح

الآن الآن لأمنحك الخلود والزمان

يا صانح المعجزات

والآيات

والمستريح في عصف الريح والمزمار

تاركا حجرا بسيطا في الإعصار

أعطني حجرا أضمه بحنان

أعانقه

فيبكيني مرة وإلى الأبد

وعلى قبري يكون شاهدا ويكون البلد

أعطنيه لأمنحك العقار والدار والدولار

دونما وساطة من سمسار

على ضريح سأسكنه وقد أنكرتني البلدان

على تراب سأصنعه رمزا للخذلان

على فوهة الزمان أنصبه

الوالد والولد

سيحرس رفاتي وترابي ويدل أترابي

على الأبد

أنا ما عدت أنا

ولا عاد الوطن البلد

أنا الحجر الباقي من الإعصار

واقفا سأظل في الدمار

أنا حجري وحجري أنا

ولتظل البلدان هي البلدان

في كل الأزمان وفي هذا المكان

أنا ما كنته

وما كانني أنا

وأنا تراب واحد تحت الحجر

أعطنيه أقبله الآن

ليعرفني وأعرفه

رفيق الأبد

والذي لو انكسرت هو الصمد

وواحد أنا وهو

وهو الباقي وهو الأحد

15/9/2008

 

3-إلى رفاق تروتسكي

 

أبو إلزا

 

دعو العاصفة تمر

دعو الخراب يكتمل

دعو البحر في مده يبلغ مداه

دون اكتمال اللوحة ، كيف تنبع الآه

دون أن يستريح العامل كيف له أن يتنهد

دون أن نطرق حديد الإرادة كيف له أن يتمدد؟

ستمر العاصفة من بيت لبيت

تقتلع الهش والمارق

ستمر العاصفة لتأخذ ما تأخذ من بيارق

وحين تمضي لمهجع السكون

لن يبقى سوى التراب والشهداء في الخنادق

وما أنت ياسمين أو غصن زيتون

وما أنت بسارق

كي تطوح بك الظنون

فمن قرميتك الضاربة الجذور

تصنع كعاب البنادق

ويكتمل الخراب

فلا بيتا لتملكه

ولا باب،

موارب،

نصف مفتوح،

أو منه أهلا وسهلا تفوح

كي تدخله ويكون الجو رائق

سيكتمل الخراب كي تشهد الصحراء عدلا

ويأسف البنيان منك لأنه كان نذلا

فلا أنت بعت

ولا كان الشراء سهلا

وفي الخراب المكتمل يا رفاقي عدل

وفي العاصفة الهوجاء قتلى وقتل

وفي البحر بعد المد جزر

في انتظار قدومكم من وراه

يتهيأ البحر لهدير أمواجكم الطالعة من رؤاه

يحلم الظلام بكم، تحلم الريح بزمانكم

ففي سواعدكم ألف مشكاة ومشكاة

وفي عيونكم شمس نهار أطفال الفلاة

طالعة على الكون

من خطى القادمين

السائرين على الدرب

الحالمين

من جباهكم تشرق شموس العائدين إذا عادوا

وتنبت أمنيات الفقراء إذا نادوا

وتتكفن جثث النائمين إذا مادوا

إلى الجحيم لو استيقظوا أو تنادوا

"يا ملح الأرض"

صبرا جميلا

عدنا لهم إن همو عادو

دعوا العاصفة تمر

دعوا الخراب يكتمل

لكنني لا أغفر لكم

ولي

إن لم بكم ثورة العصر تنفجر

12/11/2008

عمان

 

4-لـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــغــد

 

أبو ديما

 

لغد لا أصفح فيه عن طاغية عشق القتل فانقتل

لغد لا أصفح فيه عن من حطم في طفلي الأمل

لغد لا أصفح فيه عن من رمّل العروس في شهر عسل.

كان الزعيم يصدر الموت لرفاقنا ويعلق لهم المشانق

وفي اليوم التالي لا يتوقع من أهاليهم سوى القبل

وأنا لست من يصافح أو يعانق

في قصوره الخلل

فهو في التاريخ مجرد مارق

وعلى وجوه الرفاق أرى الطلل

لغد بالحبل ليس بخانق

أغذ الخطى

أرجئ المنى

وأقول:

يا فجر انتظرنا

كي ندفن موتانا

يا فجر وإن طال السهر

فالصبر أضنانا

والأحبة معلقين على جذوع الشجر

غابات من المشنوقين سرا والقلب انفطر

يا فجر هبنا من لدنك معولا كي ندفن الوردة في فم القبر الفاغر فاه

ونقول آه دون أن يسمعنا الخفر

لغد لا نموت على السكين فيه كما يموت البقر

لغد لا تتوزع فيه الجنة منحا ومكارم أو فلل

فهذا مؤمن وهذا كفر

وهذا ثري لكنه يعاني الضجر

وهذا فقير لكنه في الليلة الظلماء سرق القمر

فالسوس في معدته يعشش وفي جيوبه الطفر

لغد يأتي لنا بسويعة فيها ننام

واقفين وواقفين بطول السهر

وواقفين وواقفين إلى أمام

نموت كما يموت الشجر

12/9/2008

http://www.kaldaya.net/2009/03/Mar08_09_A1_poem.html

أنا طير

 

تيسير نظمي

********

أنا طير

 

وهل قلت أكثر عن نفسي أو زدت كلاما

لكنني هجرت غزة فليس في سمائها لمثلي مقاما

أنا طير والسماء ليس آمنة ولا السلاما

قصف طائرات يقض مضجعي وصواريخ لا تعرف مناما

أنا طير وما قلت نسر

أو صقر

أو عقابا

اعتدت أن أستريح على جذع زيتونة

أغرد ، أنطنط ،

وما دققت في البنايات الشاهقات بابا

أنا طير لايجهد الطير في رزقه

لا راتبا مرادي ولا كرسي عرش

وإنما التقطه من التراب ترابا

أنا طير بسيط

فلماذا أغرد مع حماس أو فتح

ولماذا أقصف منهم جميعا وأنا العتابا

أنا طير وهجرت غزة

كلما ساءلتكم أين الفضاء في هذي السماء

أوسعتموني شتما وسبابا

أنا حر إن طرت فوق الجدار أو الحدود

أنا حر منذ غادرت القيود

وأنا حر أنتمي لعاد أو ثمود

وأنا حر أن أحلق فوق الحدود

في أن أحط على كتف

لإنسان ودود

فكلكم تنصبون لي فخاخا

وكلكم غيرتم عاداتكم

وكلكم تفسدون هوائي والمناخا

نيران ، كم من نار هطلت حولي

كما الثيران هائجة تدك المباني

المخيمات ، الشجر والحجر

والمعاني

ولا أدري بعد ثوان

من سيسقط من بشر

أنا طير صغير الحجم

تخطئني القذيفة والوظيفة والضجر

سمائي زرقاء صافية قبل المجزرة

ويدي نظيفة

من بيضة ولدت

ومن أحلام الصغار

لا بيت لي لا دار

لا مطار

فأين سأهبط فوق الدمار

أين أطير في الإعصار

ولمن أنتمي في الشجار

أين أحتمي من أمطار في هاته الأمصار

أنا طير

بالأمس كنت في التوقيف

محجوزا لأنني لا أجيد التجديف

وفي قفص عفن في بيت مخيف

واليوم خارج القيود والخراب والصحراء والأسماء

ليس لي اسم محددا في مذكرات التوقيف

ولا طلبا منسيا في التوظيف

أنا طير رأيت ما رأيت تحتي

كل شيئ واضح ومكشوف والهواء لطيف

لكنني من طول الحصار وتهاوي الأشجار

وزمن الانهيار وتباعد الأنهار

أرى كل شيئ ظلاما

يطلع الصبح أو لا يكاد يشقشق

فتقصفه الطائرات نارا وظلاما

يهدر البحر بسفن من لبنان قادمة

فتقصفه الموانئ منعا وحراما

أنا طير لا يعرف بين غزة أو عسقلان

فرقا وإنما مكانا

لكنني هالك في هذا الزمان

إن أنا بقيت لا أجد غير الهوان

ويظل الكلام كلاما

فاغفروا لي أنني طير

واغفروا لي تبديل المكان

لا غزة ترضيني ولا عمان

لا القاع يغريني ولا قمة العربان

أنا طير

أحلق، متى شئت كيفما شئت أينما جئت حيثما هبطت

كيفما جعت أينما رشقت وحيثما ولدت :

بعنفوان

www.nazmi.org

 

http://nidal.over-blog.net/article-27657358.html

2- نص الحصار

 

تيسير نظمي

1990-1992

 

أزهر اللوز في بلاد لم تزل

 

تفر برمشة عين من يدينا

 

فكم مرة في وضح النهار سنقتل

 

ليمشي على أجسادنا الطغاة الهوينا

 

هاهنا أغمدت العربان سيوفها

 

و هاهنا شباك موصد

 

و باب مخلوع من الضلوع لدينا

 

أي الغزوات أماتت خيولهم

 

فانكفأت تبكي التاريخ

 

و لا تبكي علينا

 

نحن غيوم هذه الدنيا

 

نسافر للأقاصي و لا وطن لدينا

 

نوشوش عصفورة و نسكن سفحاً

 

أبدا الدهر ما انهار

 

إلا علينا

 

فنطلع من حطام التاريخ و قلب الأعاصير نطلع

 

من أساطير اليونان بأكفاننا نسير

 

من وجع الكتب المهملة

 

نؤسس في الأحزان مملكة لنا

 

و ننهض واقفين في فضاء المقصلة

 

و نحن الصامدون في الزمن الجريح الضريح

 

نحن شهود المهزلة

 

لا يرهبنا موت و تدفعنا الريح

 

لأعالي الجبال و لا نستريح

 

إلا بعود ثقاب يشعل مزبلة

 

ندفع صدورنا إلى أمام و إلى الأمام

 

فينا ينهض مارد لا ينام

 

قبل الجلجلة

 

فاصعد

 

معي

 

للوطن الذبيح

 

من هذا الضريح

 

فليس الزمان في عمر الجريح

 

سوى ليال

 

و اصعد معي لسمائنا الأولى إلى الأعالي

 

لشمسنا الساطعة في دروب القتال

 

فنحن قدس المسلم الأول و من بدأ السجال

 

نحن من ارض هي المنجل

 

فاصعد

 

معي للقاتل و المقتول و المقتل

 

و احصد معي غيوم الماء و الأسماء

 

فليس فوق جباهنا سوى فضاء

 

و ليس دوننا إلا شعوباً تكبل

 

فاصعد معي لسمائنا الزرقاء

 

فوق ماضينا المبجل

 

فوق ألف صحراء و صحراء

 

هو ذا قلبنا المضاء

 

في المعقل

 

تجاوز النداء

 

فلسوف تغزو القبائل بعضها بعضاً

 

و الحر يقتل

 

فاصعد معي إلى منابع روحنا

 

ياشعباً من الإباء يرحل

 

فاضت بنا الرسالات كلها

 

فاضت علينا جروحنا

 

فاصعد من العصر المخلخل

 

للأعاصير و نصب صروحنا

 

أيها الشعب المكبل

 

لتنظر كم هو حقير و كم هو صغير وراءك الكوكب

 

و تنظر لبشرية عمياء في المركب

 

فضاء الكون قلوبنا

 

تضيء .. و تحوّل إذا ما الزمان تحوّل

 

أنت نجمة و أنا الشراع

 

أنت غيمة و أنا الصراع

 

و أنت سيد المغزل

 

من حرفنا

 

الأول

 

لثوبنا الأول

 

و تحوّل

 

أنت شمس و الكون اتساع

 

أنا فلسطينيّ أهدي المشاع

 

و ضوء مسافر لكل البقاع

 

أو منجل

 

و أطرق بحديد الإرادة فولاذنا الأول

 

لنصنع في الموات لنا روحنا

 

نسافر للطفولة الأولى

 

نطوي سفوحنا،

 

نلعب أو ننام

 

نتعب أو نتحدث في وئام

 

نقول من الفضاء السحيق:

 

على الدنيا السلام

 

نعيد رسم الخيمة أو نتبدد في الزحام

 

نعشق الغيمة أو نمحو الكلام

 

نأتي بمشكاة أو بسرب حمام

 

لا لا تمت ، لا تنام

 

نحن يا رفيقتي يا رفيقي صحوة هذا الكون

 

و نحن نوارة لوز نحن اللون

 

لشعوب منهارة،

 

نحن من زيت و زيتون ،

 

نحن عصارة

 

أجمل ما في الكون

 

أن يحاصر الثوري حصاره

 

فلنا أن نكوّن أو لا نكوّن

 

و على مزبلة التاريخ كل فكرة تهيمن

 

و كل حضارة

 

لا تكون أو لا تكون إلا الشطارة

 

لنا الآن أن نلوّن أو لا نلوّن

 

لنا الآن أن نمحو القذارة

 

نشكّل أو لانشكّل: فرساً طيراً، نسراً

 

آرامياً، فرعونياً، يونانياً أو كنعانياً

 

و لا نقبل أو نستجدي يداً..أحداً

 

فاصعد معي من جنازات الوعي المزيف للمدى

 

من هذا الردى

 

لكواكبنا السيارة

 

من فضاء الموسيقى

 

صوتاً لا صدى

 

لا، لا تخف يا جبلاً من ملاحمنا يقف

 

إلى الجبال الجبال الجبال ركباً واحداً

 

لنسأل من قتل بأي الليالي استبحت دمنا

 

و كيف نزف

 

النسرالجميل و بالشمس إنقذف

 

قف الآن على جثة قاتلك

 

و ارفع قامتك في وجه منازلك

 

يا نيزك المجرات وجهي منازلك

 

في أخلاقنا النبيلة أنت شمس هذا الكون

 

أزهرت اللوز و أزهرت اللون

 

أزهر اللوز ببلاد لم تزل عليلة

 

أزهر اللوز يا شمسنا الطويلة

 

و ما حل السلام

 

و لا التقى الخل خليله.

 

بيت الذبابة
قصة قصيرة بقلم : تيسير نظمي

 

 

لا بوازع أخلاقي و لا برفق أدعيه أبقيت على حياة ذبابة صغيرة اكتشفت وجودها المؤنس على مقربة من وحدتي اللامتناهية. لم يكن الجو يوم ذاك قائظا إلى الحد الذي يستفز الذباب و لا كانت ثيابي متسخة. لم يكن ما حولي يبرر لأية ذبابة أن تتحرك فوق أجواء صمتي النحاسية. بل كنت ساهما، كعادتي، أتلمس بعيني عالمي في عزلة تنزلق على جدرانها أنثى العنكبوت و لا يألفها ذكر العنكبوت في عزلتي، لا اسمح ، كعادتي، بأي تزاوج يخل بالسلام و السكينة التي أحصل عليها بشق الأنفس وسط عالم متسارع في أجواء تشهد سقوط عشرات الذكور من العناكب كي تستمر إناثها حفاظا على ناموس الكون و استمرارية الأنواع، سواء كانت هذه الأنواع نحلا أم ذبابا أم عناكب. فقد دربت نفسي منذ الصغر أن أكون مطلق الأنانية عندما يحين وقتي الذي التحم فيه بصمتي واسمع به دقات قلبي و ليس دقات ساعة بليدة من الوقت. هكذا أنا الأصلي، قطعة من السكون المظلل بظلام شفاف تتماوج في عيني ألوان من الأسى والخسارات الممتزجة بالسماوي و أحيانا اللازوردي أو الكحلي الغامض الذي نادرا ما يزورني أو يهمس في خيالي بغير المتوقع و المعقول و الممكن. و لأن الأمر كذلك، فقد أبقيت في عام ،،1977 في التاسع من آذار على حركة ذبابة صغيرة وحيدة، أشفقت جدا على عينيها الحزينتين اللتين رأيت فيهما بقدراتي الذهنية المجهرية أنهما تنتميان لمسحة حزن ظليل حدد لي سماتي النفسية و الإنسانية منذ الخليقة بأكثر مما حدده لي حمض الـDNA اللعين. هي غير ضارة و غير مزعجة، لا طنين لها يعلو أكثر من طنين الصمت و آلام البشرية التي لا يسكنها غير الموت القديم العتيق الأصيل الواقعي الصلب الجيولوجي المتراكم الطبقات من الأجيال والشعوب إناثها بذكورها صغارها و شيوخها المسنين. هكذا تهاتفت النفس مع النفس نافية فكرة استخدام وابل من الكيماويات و المبيدات المخترعة في مصانع الموت ضد ذبابة صغيرة لا حول لها و لا قوة. و هكذا راق لها رغم صغر السن أن تتغذى على الطمأنينة الثقيلة و الهواء الثقيل الذي أكاد أتنفسه بشق الأنفس نتيجة لإصابتي المزمنة بانخفاض الضغط و نقص الأملاح و هبوط الروح التي أجدها أحيانا بين قدمي كعثرة من العثرات التي لا تنتهي أو تزول من دربي. روحي اعرفها منذ أمد بعيد، كرة قدم معدنية غير قابلة للطيران أو التدحرج فوق سطح عالم دبق يأسرها في صدري كمعيق لاستنشاق الهواء الطلق العليل المليء بأوكسجين الحياة الدافق. و هكذا فكرت بمسؤولية عالية أنني قد أتحمل مسؤولية انجذاب تلك الذبابة الصغيرة إلى روحي الكسلى عن الحياة. فلست بغباء ذكر العنكبوت كي اقبل دون حكمة أو تعقل على الحياة كي أرشف منها رشفة الموت اللعينة. منذ الصغر كنت أتجنب الأنثى. أراقبها عن بعد إذا كانت جميلة. أشاركها الأسى إن لم تكن جميلة و أستبقي لحظة عينيها بخيالي و بسمتها أو صوتها لمسراتي الخاصة دون أن أقترب و أخوض فيها و في غموضها أو انقلاباتها المسكونة بمفاجآت الملل أو الروتين أو الغدر كما لو كانت بمثل ما يقال عن مثلث برمودا. فكيف لي أن أقترب إذا ما كنت عارفا بأسرار أنثى العنكبوت التي يقتل ذكرها بعد ليلة الدخلة فتواصل العيش دونه و دون فحولته الغبية. و ما دامت ذبابة فلم أكترث في الرابع عشر من نيسان إن كانت تلك الصغيرة من ذكر الذباب أم من أنثاه، فقلما خطر ببالي تفحص الذباب أو التفرقة حسب الجنس أو اللون فقد أدركت أنها صغيرة و غير مؤذية و هادئة بل ووديعة لا طنين لها يعلو على طنين الروح الثكلى أو الزمن النائم أو السكون المنصوب فوق روحي مثل خيمة في لهيب صحراء الربع الخالي. و هكذا آنست فيها مؤنسا لعالمي الذي اتسع للضواري و الوحوش فكيف لا يتسع لذبابة! وما أن عدت من يوم عملي الشاق حتى وجدتها قد غيرت مكانها فإذا بها فوق مكتبي. أزحت لها الكتب كي لا أغفل فأغلق عليها سهوا كتابا فتموت. و منحتها مساحة معقولة من المكتب. وفي اليوم التالي عدت إلى المكان ذاته لأجدها فوق كرسي المكتب، و لم أرد إزعاجها، فانتظرت حتى ملت الجلوس فوق كرسي المكتب و أخذت تتمشى على مسنده ثم قفزت إلى كتاب رأس المال لكارل ماركس و بالقرب من اسمه المكتوب على الغلاف جلست دون حراك. فخشيت عليها من هذا الموقع الخطير و على ذكراه هو أيضا. لذلك مددت يدي برفق نحوها فإذا بها تجلس فوق سبابتي التي أكتب بها. و بقيت ديمقراطيا معها لا أريد إرغامها على ما لا تريده أو تراه مناسبا عقب تدخلي في موقعها على الكتاب لأسباب أيديولوجية. لذلك ألغيت مشروع كتابة رواية أو قصة حرصا على حسن سلوكياتي و ممارستي مع ذبابة صغيرة لا حول لها ولا قوة، لا حزب لها و لا تنظيم، لا عائلة لها و لا مصدر رزق. بل أنها ربما تعاني عند غيابي عن المنزل من مشاهد الموت المرعبة المتمثلة بعبوات الـDDT والغازات السامة التي جعلتها الحضارة في متناول أيدينا لإبادة الصراصير و البعوض و الذباب و الصمت و الأوكسجين و الحزن و أشياء جميلة لا حصر لها. لكنني في الشهور التالية بدأت ألاحظ ما طرأ عليها من تغيرات، فقد غدت كبيرة و أصبح لها طنين و شرعت تتجول بزهو في المنزل و دون حياء. فقلت لنفسي: أو ليس هذا حقها في النمو و التطور و الفرح والحبور؟ لكن هذا الاعتقاد سرعان ما طرأ عليه ما يزلزله من أساسه المكين. فقد عدت ذات يوم و تحديدا في صيف عام 1982 لأجدها بحجم عصفور يجلس دون وجل على مكتبي و تأكل السكر و تشرب الشاي و بعض الكعك الذي لم يرق لي أن أذوقه بعد ممارستي لعبث الشراء. و كأنما كنت على موعد مع هذه الطفرة، فالعالم أصبح يستخدم كل مخترعاته دون حكمة أو تعقل في كل شيء ، فلماذا لا تكون هنالك طفرة في نمو الذباب أو على الأقل في نمو ذبابة واحدة فقط تعاني مثلي من العزلة و الصمت و الضياع و الحزن ؟ غير أن كل معتقداتي و عقلانيتي وواقعيتي اهتزت اليوم عندما عدت إلى المنزل لأجدها ذبابة بحجم الذئب و بأنيابه و بتكشيرة لبؤة تجلس في مكاني و تقول: من سمح لك بالدخول؟

 

PoliticsFictionPaintingPoetryPressCriticsT.NazmiElza

The Poet Dead In A Military Airport

http://pulpit.alwatanvoice.com/content-174661.html

قصة مدوية لتيسير نظمي أخفاها كمصدر دخل ثم أطلقها مجانا:(أحد عشردبا ووردة) للكرك - دنيا الرأي

http://pulpit.alwatanvoice.com/content-161285.html

Welcome to Tayseer Nazmi website!

 

مرحبا بكم في موقع تيسير نظمي

Site is underconstruction, we offer you other sites at the moment:

http://nazmis.com

http://nazmi.org

http://nazmi.us

http://tnazmi.com

الموقع قيد الإنشاء حاليا ويمكنكم زيارة مواقعنا الأخرى أعلاه

Destroyed 100 Political Pages:

مواقعنا المتجددة

 

Nazmis.com

Opinions

Politics

Press-

Archive-Reports

Articles

Literature-

Poetry

Destruction

Books-

Elza-

Dima

Oras

AICL

JPR

Music

X

� Nazmi.org

Main Home

Home Page

Politics

Press

Our Sites Now

Arts

Music

Poetry

Theatre

Opinion

Articles

ArchiveReports

Manifesto

 

 

http://www.nazmis.com/

Old Poetry Pages from OM:

 

Poetry Homepage OM

 

About Us

 

 

Our Products

 

 

Product Catalog

 

 

Our Policies

 

 

Contact Us

 

 

Poetry 1

 

 

Poetry 2

 

 

Poetry 3

 

 

Poetry 4

 

 

Poetry 5

 

 

Poetry 6

 

 

Jerash Participant Poets2

 

poetry07

 

للإتصالبنا

 

الدهام يستقبل نظمي في مكتبه والمهرجان يوم 14 نوفمبر

استقبل مدير مهرجان المسرح الأردني ومدير مديرية الفنون والمسرح الدكتور سالمالدهام ظهر اليوم في مكتبه في جبل اللويبدة مدير عام حركة إبداع الأستاذ تيسير نظميوقد حضر اللقاء المخرجان المسرحيان حكيم حرب وغنام غنام وعدد من الفنانين والعاملينبمديرية المسرح وقد سعدت حركة إبداع بالتفعيل غير المسبوق للفعاليات المسرحية فيالأردن الذي يقوم به الأكاديمي الناشط الدكتور الدهام وحصلت إبداع على معلومات ليستللنشر حاليا وسيعلن عنها في حينه من قبل وزارة الثقافة

انتخابات لجان رابطة الكتاب الجمعة القادمة

تستعد حركة إبداع لخوض انتخابات لجان رابطة الكتاب في الأردن يوم الجمعة المقبل فيالثاني من أكتوبر /تشرين أول ومن المنتظر أن تركز الحركة على تفعيل لجنة الدراساتوالنقد تفعيلا غير مسبوق لفلترة ما يعتري نشاط الرابطة من شوائب دون المستوى الذيتطمح إليه

 

Share |

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رئيسةأوميديا

Omedia Website:

موقع أوميديا

تقارير

�سياسية

أدبيات�

حضارات�

شعر وصحافة

راسلنا�

صور تتكلم

كتب ميديا�

نقد دولي

مقالات صديقة

سيلة الظهر

مهرجان أربي

غزة 3

غزة 4�

بعد غزة�

وراء غزة

فكشن

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Elza Websites:

موقع إلزا الجديد

رئيسةإلزا

 

أدب

شعر

���نقد

روايات

��سياسة

تشكيل���

تصوير��

���كتب

مهرجانات

أرشيف

الزمان��

���محمود درويش���

شأن أردني

��شأن فلسطيني

شأن إسرائيلي

Share |

موقع إلزا القديم

Elza's Old Website:

The Most Dangerous Site

That Had Been Attacked:

Tayseer Nazmi's Contributions to alwatanvoice.com :

 

مساهمات تيسير نظمي في دنيا الوطن

1.������ ������ هل كشفت هآرتس عن عملائها في الأردن ? بقلم:تيسير نظمي

2.������ ������ ناجي العلي...خارج النسق.. داخل الالتزام بقلم:تيسير نظمي

������ محنة الغراب بقلم:تيسير نظمي

3.������ ������ صيف ساخن وطويل من المواجهة مع إيران ترجمة: تيسير نظ

4.������ ����� ابن الحداد يعيد طهران إلى إيران الثورة بقلم: تيسير نظمي

5.����� ������ شاعر القصة القصيرة المبدع تيسير نظمي في لقاء معه حول الكتاب الخامس

1.������ ������ النهر تائهاً عن مجراه بقلم:تيسير نظمي

2.������ ������ شعرها طويل حتى الفجر بقلم: تيسير نظمي

3.������ ������ شعرها طويل حتى بابل بقلم: تيسير نظمي

4.������ ������ النمور في اليوم الـ23 تشرب ماء العدس بقلم:تيسير نظمي

5.������ ����� أصابع منتصف الليل بقلم:تيسير نظمي

6.������ ������ سيدة الكون بقلم:تيسير نظمي

7.����� ������ مناقيش بعيدة بقلم: تيسير نظمي

1.������ ��حمارنا لا يرغب حمارتكم بقلم:تيسير نظمي

2.������ ������ ظاهرة الأدب الفلسطيني الفصائلي المسلح وسلبياتها ..تيسير نظمي

3.������ ������ تيسير نظمي كان يتمنى لو أنه إدغار ألن بو أو فرانز كافكا بقلم:عبد الستار ناصر

4.������ ������ تيسير نظمي:قصصي أطول عمراً من عمر الحكومات العربية

5.������ ������ مجرد تأخير بقلم:تيسير نظمي

6.������ ������ مهرجان أيام عمان المسرحية الحادي عشر: 12 يوماً و12 عرضاَ و9 أفلام

7.����� ������ أمير التورية و غواص الأعماق ..تيسير نظمي بقلم:نزار ب. الزين

1.������ ����� أمير التورية و غواص الأعماق ..تيسير نظمي بقلم:نزار ب. الزين

2.������ ������ ثلاث قصائد عن الوقت والمرأة والطريق ..تيسير نظمي

3.������ ������ نورما خوري رمت حجراً في مياه راكدة بقلم:تيسير نظمي

4.������ ������ شهادة بالصوت المسموع بقلم:تيسير نظمي

5.������ ������ فكرة و سكّيران و باب بقلم: تيسير نظمي

6.����� ������ حرب وبحر و بلور بقلم: تيسير نظمي

1.������� بيت الذبابة بقلم : تيسير نظمي

2.������ ������ ما رأته الفراشة بقلم:تيسير نظمي

3.������ ������ الجنرال بقلم: تيسير نظمي

4.������ ������ بلدي تسكن آخر النمور بقلم: تيسير نظمي

5.������ ������ وزراء شيوعيون سابقون في حفلة خمسة نجوم بقلم:تيسير نظمي

6.������ ������ أبطال غير بشريين في قصص دنيا الوطن بقلم : زكي العيلة

1.������ ������ شقير وشكيرة والواقعية التلفزيونية بعد فرانكفورت بقلم: تيسير نظمي

2.������ ������ بعد عزلة 22 عاماً تيسير نظمي يفاجئنا بوليمة وحرير وعش عصافير

3.������ ������ كاتب المهمة الصعبة يجعلها ولا أسهل بقلم: تيسير نظمي

4.������ ������ خطوط التلاقي والافتراق في قراءة نقدية لمحمود درويش بقلم: تيسير نظمي

5.������ ������ بن جلون يكتب عن سيرك العرب في فرانكفورت ! بقلم : تيسير نظمي

6.����� ������ براءة (أفق 6) من (تجمع الفشل)بقلم : تيسير نظمي

Originality Website's Political Articles Pages:

صفحات المقالات في قديم حركة إبداع

Ar t icles

 

Articles

1�23�� 4 56� 7�� 8�� 9�� 10

 

الاردن والوطن البديل بقلم : د عمر حمد

Is Palestine the alternative homeland for the Jordanians ?

We, just ask questions in a satiric way in order to direct the Arabs' way of thinking,

though the writer in this article is not so brave to say something new.

Another question may emerge here

Is Jordan dedicated equally to all Jordanians

When a country is dedicated for only 10% of its population, then it is not a democracy nor it is a country.

http://pulpit.alwatanvoice.com/content-174448.html

 

 

 


Share |


شكرا للإعصار(من يوميات المجزرة)للشاعر:تيسير نظمي

 

تاريخ النشر : 2009-01-28القراءة : 1358

 

إلى الرفيقة جوزيفا ... شكرا للإعصار

 

(من يوميات المجزرة)

 

هل قلت شيئا للسفن الراسية في الميناء

 

هل قلت شيئا للأشرعة الراكدة تحت سماء

 

فوق بحر ينتظر الريح ؟

 

هل قلت شيئا للمياه الراكدات

 

كي أستريح ؟

 

فقط تأملت صورتك قرب الرواسي

 

وقلت سلاما

 

وتأملت فصول الجحيم في غزة

 

وما في دفتر الذكريات من مآسي

 

ولربما قلت كلاما

 

.......

 

كانت الريح تهب وتعصف بي

 

بغزة بالجماهير

 

بالرفاق

 

والعراق

 

ولم أقل شيئا لغرناطة

 

ولم أبلغك السلاما

 

.......

 

كل ما كان أستطيعه أن أعيد رسم ابتسامتك

 

من عمان إلى غرناطة

 

لم أكن أعلم أن السفن الجاثمة في الميناء

 

لا تنتظر ريحا من شواطئنا تهب

 

أو أن الفرنسيين سيرسلون بفرقاطة

 

بيني وبينك في المتوسطي تخب

 

كل ما تعلمته حتى هاتيك اللحظات

 

أن أرسم فقط بحرا جديدا

 

وسفنا جديد

 وسماء

 

لا تهطل موتا على موت

 

وأن تهب الحياة

 

لكل ذكرى في الممات

 

وأن أحنو على كل من قصفته الطائرات

 

وأن أغبط نفسي على سكون الريح

 

التي لم تهب بما يكفي لتوصلني إليك

 

كي أستريح

 

أو توصلك إلي قليلا

 

فأنا اليوم جريح ابتسامتك

 

(ومن بدونك لا يصبح عليلا)

 

وما حملته رياح البريد من صور

 

وأنا محظوظ بصحبتك

 

لكن غزة في الظلام بلا قمر

 

وأنا ... رغم المراكب

 

ما زلت أحرس البحر أراقب

 

إلى أين ستفضي بنا هذه الكواكب

 

إلى الأرض ثانية مثلا

 

أم إلى الطريق؟

 

أسمعيني يا جوزيفا كلمة رفيق

 

فأنا في أمس الحاجة لها

 

وسط هذا الحريق

 

كي نكمل السير نحو غرناطة

 

لقد عشنا زمن السحر في الماضي الجميل

 

ويفرقنا اليوم بحر وفرقاطة

 

هل قلت شيئا للسفن الراسية في الميناء ؟

 هل قلت شيئا للأشرعة المسدلة ؟

 

هل قلت شيئا لغرناطة ؟

 

أرسم ، أتأمل ،

 لا أتكلم .

 

لا أكتب .

 لأني فقط أتألم

 

لا أكذب ، فقط أرسم أو أرى

 

ما بعد غزة مدى

 

بحر وصدى

 

وأنت راسية في الميناء

 

مثل ريح تنتظر الهبوب

 

أو مثل بينيلوب

 

تنتظر انتهاء الحروب

 

بقرار من الحزب أم بقرار من الرب

 

وتصارع الخطوب

 

وما أنا شريك في طروادة ولا طروادة بيتي

 

ولكني عليل بكل ما هو جميل

 

وبسحر بسمتك

 

وبظل طويل

 

في المساء هو ظلك

 

وفي الصباح هو ظلي

 وفي السماء ظل الله على الأرض

 

وعلى الرفات

 

لم يحن الوقت على اليأس من الحياة

 

شكرا لصورك المرسلة

 

ولصورك غير المرسلة

 

وللمظاهرات

 

التي لم نسر فيها

 

وللتي سارت في مآقينا

 

شكرا لغرناطة

 

للأندلس

 

وشكرا لبيكاسو

 

للجورنيكا

 

للريشة

 

للطير الذي ضحى بشيئ من جناحه وطار

 

شكرا للإعصار

 

وشكرا لكل ما لم يصر بعد وللذي صار

 

ما زلت أحلم بخراب أجمل

 

ومازلت كما لوركا

 

كما جيفارا

 

واحدا من الثوار

 

شكرا للأسوار

 

التي لا تنتظر كي تنهار

 

سوى سواعد الثوار

 

سواعد الثوار

 

.. شكرا لكل صديق وصديقة

 

شكرا لأصحاب الطريقة

 

شكرا للنار

 

وشكرا لسياسي لا يدون للتاريخ غير العار

 

شكرا لك وللشعراء والأشعار

 

شكرا لوردة حمراء من دمنا

 

زينت باب الدار

 

شكرا للحب وللصداقة

 

وللبريد الممكن والمستحيل

 

شكرا للمعلن والمكتوم

 

شكرا للضاحك والمكلوم

 

شكرا للتاريخ ولهذا اليوم

 

وشكرا لإلبوم صور

 

وشكرا للقمر

 

الذي في ظلام غزة

 

رسم الطريق إلى الضحية

 

ورسم الطريق إلى البحر

 

وشكرا لغزة أنقذت هذه العواصم من ضجر

 

شكرا للمطر

 

لحزن الماء في السماء

 

فلكثرة ما بكى من بشر

 

لم يعد لديه

 

لكثرة ما انهمر

 

شيئا ليدلقه فوق النفط من دولار

 

شكرا لكل من آمن

 

وشكرا لمن كفر

 

وشكرا أن لم نغدوا وحوشا

 

ومازلنا بشر

 

شكرا للأغنياء ومن اغتنى

 

شكرا للطفر

 

....

 

في عيد ميلادك لا تطفئي الشموع سريعا

 

رجاء .... لا تطفئي الشموع

 

واتركيها تبكي بصمت ما بها من دموع

 

في عيد ميلادك جددي الحب ليسوع

 

وللأنبياء الصغار الذين لم يولدوا بعد

 

في عيد ميلاد الرفيقة

 

نجدد العهد

 

والوعد

 

رغم البعد

 

ورغم الشعر بالحقيقة

 

بلمحة

 

لا تحتاج لكي نرى أن تكتمل دقيقة.

 

28/1/2009

 

صباح الخير

 

www.omedia.jeeran.com/bg.html

 

Mailto:origin_m2000@hotmail.com

 

tayseernazmi@yahoo.com

 

كــافافـي وهامْلِت

 

ســعدي يوســف

 

12/02/2010

 

مَرَّ نحوٌ من ثلاثين عامـاً على نقلي إلى اللغة العربيةِ مُعْظَـمَ أشعارِ اليونانيّ العظيم كونستانتين كافــافي ( 1863- 1933 ). لقد صدرتْ طبعاتٌ عدّةٌ للترجمة المذكورةِ، ووجدت أشعارُ كافافي سبيلاً لها في المتنِ الشعريّ العربيّ الأحدث ممّا ظلَّ يُشعِرُني بأن اختياري كافافي، في بغداد المكفهرّة، آنذاك، كان لجوءاً إلى حِـمى الشِعرِ وحمايتِــه، ومحاولةً لقهرِ النوائبِ عن طريق الفنّ، ومفتتَـحــاً لمنبعٍ شعريّ يغتذيهِ الناسُ، من محبّي الشِعرِ وممارسيـهِ. في هذه الأعوامِ الثلاثين لم تنقطعْ علاقتي بالرجل، وهو الـمَـعْــلَـمُ والـمُـعَـلِـمُ. كنتُ ألتجيءُ إلـيه، وأتعلَّـمُ منه، وأرتاحُ لعِـشـرتِـهِ ، بل فكّرتُ أكثرَ من مرّةٍ في إعادةِ نقلِهِ إلى لغةِ قومــي، مستزيداً، ومدقِّــقــاً. كم تبدو الحياةُ باهتةً، وكم يبدو التاريخُ غبيّــاً، بدون كافافي! قبل أيامٍ، وفي دكّانةٍ ٍ بإحدى القرى الإنجليزية، في منطقتي غربيَّ لندن، دكّانةٍ للثيابِ و الكتب المستعمَـلةِ، عثرتُ على ترجمةٍ مدقّقةٍ موثّقةٍ، مع هوامشَ، لأشعارِ كافافي. عدد القصائد التي يضمُّها الكتابُ كان مائةً و أربعاً وسبعين قصيدةً، أي أن الكتاب هو الأشملُ في ما اقتنَيتُ من كتبٍ لأشعارِ كافافي. وقد فوجِئتُ بقصائدَ رائعةٍ لم أكن اطّلعتُ عليها من قبلُ. من بين هذه القصائدِ، واحدةٌ عن هاملِت، هاملِت أمير الدانيمارك، شخصية شكسبير الإشكالية دائماً. والأغربُ في الأمرِ أن هذه القصيدة هي الطولَـى، في كل ما كتبَ كافافي، وتضمُّ اثنَينِ وتسعين بيتاً. والمعروفُ عن كافافي أنه يفضِّلُ القصيدةَ القصيرةَ. عنوانُ القصيدةِ 'الملك كلوديوس' وتتكوّنُ من مقاطعَ يبلغُ عدد أبياتِ المقطعِ الواحدِ منها أحد عشــرَ، وهي غيرُ مقفّاةٍ، على غير عادةِ كافافي الغالبة في التقفية. أمّا الملك كلوديوس، فـهو عمُّ هاملِتْ، الذي تزوَّجَ أمَّ الأميرِ الشابّ، بعد موتِ الأبِ.في ما يأتي، ترجمتي للقصيدةِ ، وهي ترجمةٌ حرّةٌ، أي أنها لا تتمتّعُ بجهدٍ عروضيّ، عربيّ، يقرِّبُـــها من العروضِ الإغريقيّ الذي كتبَ به، كافافي، قصيدتَه هذه. وقد لا أكون الوحيدَ في هذه الـمَـثْـلَــبــةِ الفنّـيّـةِ. فأرجو المعذرة

 

الملكُ كْـلودْيـوس

 

شِعر: كونستانتين كافافي

 

فِكري يطوفُ الآنَ في أماكنَ نائيةٍ.

 

أنا أمشـي في شــوارعِ ألسينور،

 

خلالَ ساحاتِها، وأستذكرُ

 

الحكايةَ الحزينةَ ذاتَها

 

ذلكَ الملِكَ ذا الحظِّ العاثرِ

 

الذي قتلَـهُ ابنُ أخيــهِ

 

بسببٍ من وسواسٍ و شكوكٍ.

 

في كل بيوتِ الفقراءِ

 

كانوا يبكونَ، في الســِـرَّ، حزناً عليهِ

 

(كانوا يخافونَ فورتنبراس).

 

إنه امرؤٌ هادئ، مهذّبٌ

 

أحَبَّ الســلامَ

 

(عانتْ بلادُهُ، الكثيرَ، من حروبِ سَـلَــفِـهِ)

 

وكان كريماً في تعامُلِـهِ مع الجميع ،

 

الرفيع بينهم والوضيع.

 

ما كان مستبدَّ الرأي، أبداً

 

كان يَنشدُ المشورةَ

 

في شؤونِ المملكةِ

 

من أناسٍ ذوي حِنكةٍ وتجاريبَ.

 

أمّا لماذا قتلَـهُ ابنُ أخيــهِ

 

فأمرٌ لم تتَسَـنَّ معرفتُهُ، البتّــةَ.

 

شـكَّ الأميرُ في أنه ارتكبَ القتلَ

 

أمّا أساسُ الشكِّ فهو هذا:

 

بينما كان يمشــي، ليلاً، على شرفةِ حِصْنٍ

 

ظنَّ أنه رأى شبحاً

 

وأنه تكلَّمَ مع هذا الشبحِ؛

 

ويُفترَضُ أنه سمِعَ من الشبحِ

 

اتّهاماتٍ معيّــنــةً ضد الملِك.

 

يجب أن تكونَ نوبةَ تهاويلَ،

 

أو توَهُّماً بَصَــرِيّــاً

 

(كان الأميرُ بالغَ العصبيةِ؛

 

حين كان يدرسُ في وِتـِنْــبَـرغ،

 

كثيرٌ من زملائهِ، الطلبةِ، ظـنّــوه مجنوناً).

 

بعد بضعةِ أيّامٍ، ذهبَ

 

إلى غرفةِ أُمِّــهِ، ليتحدّثَ معها

 

عن شــؤونٍ عائليةٍ ما. وبغتةً،

 

بينما كان يتكلّمُ، فقدَ السيطرةَ على نفسِــهِ،

 

وشــرعَ يصيحُ ويصرخُ

 

بأنّ الشبحَ كان أمامَه، هناك.

 

لكنّ أُمَّــه لم ترَ شيئاً البتّةَ.

 

وفي ذلك اليومِ نفسِـهِ،

 

وبلا أدنى سببٍ

 

قتلَ سيِّداً شيخاً من البلاطِ.

 

ولأنّ الأميرَ كان ينبغي أن يبحرَ إلى إنجلترة

 

في يومٍ أو اثنَينِ،

 

أرادَ الملِكُ أن يُسَــرِّعَ في مغادرتِهِ

 

بُغْــيـةَ إنقاذِهِ.

 

لكنّ الشعبَ كان مستشيطَ الغضبِ

 

على فِعْـلةِ القتلِ البشعةِ،

 

حَدَّ أن المتمردينَ نهضوا

 

وحاولوا اقتحامَ بوّاباتِ القصرِ

 

يقودُهم ابنُ القتيلِ،

 

السيدُ النبيلُ ليرتِس

 

(وهو شابٌّ شجاعٌ، طموحٌ أيضاً؛

 

وقد هتفَ، في الفوضى الضاربةِ، أصدقاءُ لهُ:

 

يعيشُ الملِكُ ليرتِس!).

 

في ما بَعْدُ، حينَ هدأت المملكةُ

 

وسُجِيَ الملكُ في قبرِهِ-

 

قتلَهُ ابنُ أخيهِ، الأميرُ،

 

الذي لم يذهبْ إلى إنجلترة، البتّةَ

 

بل هربَ من السفينةِ التي كانت تأخذه إلى هناك-

 

شخصٌ يُدْعَى هوراشيو، تقدَّمَ

 

وحاولَ أن يبريءَ ساحةَ الأميرِ

 

بحكاياتٍ من اختلاقِهِ، هو.

 

قال إن الرِّحلةَ إلى إنجلترةَ

 

كانت مؤامَرةً ســرِّيّــةً، وإن أوامرَ

 

قد صدرتْ لقتلِ الأميرِ هناك

 

(لكن ذلك لم يتّضِحْ أبداً)

 

كما تحدَّثَ أيضاً عن خمرٍ مسمومةٍ-

 

خمرٍ سـمَّـمَـها الملِكُ.

 

صحيحٌ أن ليرتِسْ تحدَّثَ عن هذا أيضاً.

 

لكنْ، أليسَ ممكناً أنه كان يكْذِبُ؟

 

أليسَ ممكناً أنه كان مخطئاً؟

 

ومتى قال ذلك؟

 

قالها، وهو يُحتضَرُ من جراحِهِ، وقد اضطربَ عقلُهُ

 

وصارَ كلامُهُ هذياناً.

 

أمّا عن الأسلحةِ المسمومةِ

 

فقد تبَيَّنَ في ما بَعدُ أن التسميمَ

 

لم يكنْ فِعلةَ الملكِ ، بتاتاً :

 

لِيرتس هو مَن فعلَ ذلك.

 

لكن هوراشيو، كلّما ضُيِّقَ عليه الخِناقُ

 

قَدَّمَ حتى الشبحَ، شاهداً:

 

الشبحُ قالَ هذا وذاكَ،

 

الشبحُ فعَلَ هذا وذاكَ!

 

وبسببٍ من هذا كلِّــهِ، ومع السماحِ لهوراشيو بأن يقولَ ما يقول

 

فإن الناسَ، في غالبِهم، وفي أعماقِ قلوبِهم

 

كانوا يترحَّمونَ على الملكِ المسكينِ،

 

الذي

 

مع كل تلك الأشباحِ والحكاياتِ الخرافيةِ

 

قُتِلَ ظُــلْــماً

 

وتَـمَّ التخلُّـصُ منه.

 

لكنّ فورتنبراس

 

الذي اعتلى العرشَ بكلِّ يُسْــرٍ

 

انتبَهَ

 

مُقَدِّراً

 

كلَّ كلمةٍ قالَها هوراشــيو.

 

ــــ

 

- ألسينور، هي قلعةٌ على البحر في كوبنهاجن، العاصمة الدانيماركية، جرتْ فيها الأحداثُ المؤلمةُ لقصة هاملِت. وقد زرتُ القلعةَ، صحبةَ دُنى غالي وزوجها، وكان من نتيج هذه الزيارة كتابتي ثلاث قصائد عن 'شُرفة هاملِت'.

 

ملحوظة : كتبَ كافافي القصيدةَ في شهر تموز من العام 1899.

 

*

 

علاقةُ كافافي باللغة الإنجليزية وأدبِها ليستْ طارئةً. وعلاقتُه بشكسبير ليستْ طارئة أيضاً. كتابتُه باللغة الإنجليزية محدودةٌ جداً، بل نادرةٌ، ويؤثَرُ عنه أنه كتب مقالةً يطالب فيها باسترداد الآثار اليونانية الموجودة في المتحف البريطانيّ. أمّا شكسبير فقد قرأه كافافي جيداً، كما يبدو، وحاولَ أن يترجمَ مسرحية 'جعجعة بلا طَحْنٍ '

 

Much Ado About Nothing

 

إلى اللغة اليونانية، لكنه لم يتقدّم كثيراً في المشــروع. إلاّ أننا الآنَ أمامَ عملٍ كاملٍ، أمامَ أطولِ قصيدةٍ كتبَها كافافي، وهي لصيقةٌ بشكســبير، بل بواحدةٍ من أهمّ مســرحيّاته بإطلاقٍ.

 

*

 

كيف أطلَّ اليونانيّ (الهِـلِّـينيُّ) على النصّ الشكسبيريّ ؟من قراءتي الثانية لقصيدة 'الملك كلوديوس'، حظِيتُ بتلخيصٍ عجيبٍ، ماهرٍ، للمســرحية ، المعقّدة من زوايا عدّةٍ، تلخيصٍ لن يقدرَ عليه إلاّ قاريءٌ ماهرٌ، قاريءٌ براغماتيٌّ إن شِئتَ. لقد قدّمَ كافافي المسرحيةَ الشكسبيريةَ جاهزةً على طبقٍ، كأننا في مطعمٍ يونانيّ جيدِ الخدمةِ!

 

*

 

بدءاً من العنوان 'الملك كلوديوس'، نهجِسُ أن كافافي يريد توجيه دفّةِ السفينةِ نحو بحارٍ أليفةٍ، نحو مياهٍ يونانيةٍ جنوبيةٍ، لا أوروبيةٍ شماليةٍ. كلوديوس، اسمٌ كأنه آتٍ من سلوقيا أو البطالسة. حتى في النصّ الشكسبيريّ لا يُستدعى الرجل إلاّ بصفة 'الملك'، أي أن لفظ كلوديوس لم يأتِ لدى شكسبير إلاّ في قائمة الشخصيات.بإمكاننا الإشارةُ، ونحن نتحدّث عن تاريخية القصيدة الكافافية، إلى أن هذه القصيدة معْنيّــةٌ عنايةً واضحــةً بالصراع على الـمُلْكِ أو الـحُـكمِ في الفترة الهلّينيةِ بخاصّةٍ، ولدينا من الشواهدِ ما يكفي. كما بإمكاننا الإشارةُ إلى أن تلك القصائد المعنيّة بالتاريخ الهلّـينيّ، تلتقطُ الشخصياتِ الأكثر تأثيراً في الحدث (الســياسيّ عادةً)، وتُغْفِلُ الأشخاصَ الأقلَّ تأثيراً، حتى لو أدّى الأمرُ إلى إخلالٍ ما بالواقعة التاريخيةِ. قصيدة ' الإله يخذل أنطونيو ' مثلاً، لم يأتِ كافافي على ذِكْــرِ كليوباترا، فيها، مكتفياً بهيأةِ أنطونيو وهو يودِّعُ الإسكندرية من شـرفةِ القصرِ. في 'الملك كلوديوس' لم يأتِ كافافي على ذِكْــرِ أوفيليا، البتّـةَ!هكذا بقرارٍ عجيبٍ، غابت أوفيليا، مع أغانيها المؤلمة، ونهايتِها الأكثر إيلاماً!حتى الملكةُ الأمّ (أُمّ هاملِتْ ) لم يأتِ ذِكْرُها إلاّ عابراً، ملقّـبةً، لا مسمّاةً. لكنه في قصائده الهلّينيةِ يذكرُ، بتمجيدٍ في أحيانٍ كثيرةٍ، أسماءَ ملكاتٍ إغريقيّاتٍ؛ غير أن علينا ملاحظة أن هؤلاء الملكاتِ كان لهنّ دورٌ في لُـعبةِ الـمُلْكِ، وفي إعلاء شأنِ الهلّـينيــةِ في ما كان يُسَـمّى اليونان الكبرى.وربما كانت قصيدته 'في إسبارطة' صالحةً للتمثُّلِ في هذا السياق:

 

لم يعرف الملكُ كليومَنيس، ولم يجرؤْ

 

لم يعرفْ كيف يُخبرُ أمَّــه

 

بأمرٍ كهذا : طلب بطليموس، لضمان المعاهدةِ بينهما

 

أن تذهبَ أمُّــهُ أيضاً إلى مصرَ

 

وتُحتجَزَ هناكَ رهينةً

 

إنه لأمرٌ مُهينٌ، وغيرُ لائقٍ.

 

وكان يوشك أن يقوله لكنه يتردد

 

وكان يبدأ لكنه يتوقّف.

 

لكنّ السيدةَ الجليلةَ فهمتْـهُ

 

(كانت سمعتْ شائعاتٍ حول ذلك)

 

وشجّعتْـه أن يفصحَ عمّا في نفسِهِ

 

وضحكتْ، قائلةً إنها ذاهبةٌ طبعاً،

 

سعيدةٌ بأنها حتى وهي في تلك السنّ

 

ما زالت نافعةً لإسبارطة.

 

أمّا المَهانةُ فلن تَلحَقَ بها، إطلاقاً.

 

صحيحٌ أن طارئاً مثل 'لاجِــد'

 

قد لا يفهم الروحَ الإسبارطيةَ؛

 

ولذلك، فإن طلبه لن يُلحِقَ الإهانةَ

 

بسيّدةٍ من الأســرةِ الـمالكةِ مثلِها،

 

أُمٍّ لِـمَـلِـكٍ إسبارطيّ

 

*

 

بعدَ الاستبعاد الواضحِ (من جانب كافافي) للعنصرَينِ النسائيّينِ، في النصّ الشكسبيريّ، يمكنُنا الحديثُ عن الطريقةِ التي تناولَ كافافي، بها، شخصيةَ الأميرِ الشابّ، هاملِت. معروفٌ تواتُراً، أن كافافي يرى في عشرينيّاتِ الفِتيانِ، الـعُمْرَ الجميلَ. وليس عسيراً علينا الرجوعُ إلى نصوصِه التي (تنصُّ) على ذلك العمرِ الجميل.من قصيدة 'في المرفأ': إيميس، فتيٌّ، في الثامنة والعشرين.

 

من قصيدة 'الطاولة المقابلة': يجب أن يكون بالكادِ في الثانية والعشرين. من قصيدة 'جاء هناك ليقرأ': لكنه في الثالثة والعشرين، وجميلٌ جداً. وهناك قصائدُ أخرى تحتفي بالعمْرِ الجميلِ هذا. هاملِتْ، أيضاً، محظوظٌ بأنه في ذلك العمْرِ. لكنْ، لِمَ لم يكن محظوظاً، مع كافافي؟الفِتيانُ، أو الشبّانُ، الذين يتمتّعون بالمرْتبةِ الأثيرةِ لدى كافافي، هم مندرِجون في سياقٍ معيّنٍ، كان، كما بــدا لنا، جانباً من الحياةِ في المستوطناتِ الإغريقية، وفي الحضارة الهلّـينيّــةِ. هم بِضعةٌ من واقعٍ قائمٍ فعلاً. لكنّ هاملِتْ، كما قدّمه شكسبير، وكما عالجَه كافافي، لم يكنْ يعيش في الواقعِ المتاحِ. هاملِتْ كان يعيش مع الوهمِ. شاهدتُ مؤخراً، الممثل البريطانيّ الشابّ، ديفيد تينَتْ، في دور هاملِت، لكنْ ضمنَ إطارٍ معاصرٍ، في ما يتعلّق بالديكور والملابس. . إلخ. لقد بذل ديفيد تينت جهداً خارقاً ، في النصّ، والأداءِ، لكنّ هاملِت، بالرغم من تلك الجهودِ كلِّـها، ظلَّ بعيداً. والسببُ في هذا، واضحٌ، كما أعتقدُ ؛ بل بسيطٌ : هاملِتْ يحيا في الوهمِ، لا في الواقعِ. أين نجدُ هاملِت، في جوِّهِ المفضَّـلِ؟أعني، أين نجده، مستريحاً في استجابتِه؟لا بدَّ لنا هنا، من مراجعةِ العملِ الشكسبيريّ أوّلاً. ولنستبعِدْ شاعرَنا الإسكندريّ قليلاً!يبدو لنا هاملِتْ، في المسرحية الشكسبيرية، مستريحاً، كالسمكة في الماء، كما يقال، حين يكون بمنأىً ما عن الواقع. زملاؤه الطلبة، كما يُروى، يعتبرونه مختلّ العقل. في القصرِ، يخضع لمراقبةٍ خفيّةٍ، ذهبَ أبولونيوس ضحيةً بائسةً لها. لكنه مستريحٌ تماماً في موضعَينِ: حين يكون مع هوراشــيو، الذي ظلَّ يعزف على وترِ الشبحِ (الوهمِ).وحين يكون مع الكوميديّـينَ، الذين يحكون عن الواقع ويحاكونه من موقعهم غير الواقعيّ (الوهم). حتى مقتل أبولونيوس، حدثَ في عالَمٍ من الوهمِ. لقد قُتِلَ الرجلُ من خلف ستارةٍ (إشارة إلى الوهم).

 

*

 

إذاً، لم يكن الأمير الدانيماركيّ، مؤثِّراً في الأحداثِ. كان متأثراً بها، وضحيةً لها. هوراشيو اختلقَ ما اختلَقَ، وخلطَ الحابلَ بالنابلِ، ضمنَ خطّةٍ معقّدةٍ وقاسيةٍ ودمويّةٍ ، لكي 'يعتلي فورتنبراس العرشَ بكل يُسْــرٍ' حسب تعبير كونستانتين كافافي.

 

*

 

لقد لخّصَ كافافي، حكايةَ أميرِ الدانيمارك، بطريقتِه، معتبِراً الأمرَ كلَّــه، مؤامرةً في قصرٍ ملَكيّ، شبيهةً بتلك المؤامراتِ التي اشتهرَ بها البطالسةُ (في مصر)، والسلوقيّــون (في ســوريا وما جاورَها)، وهي ذاتُ موقعٍ أثيرٍ في اهتمامات كافافي، التاريخية، والشِعرية. لكأنّ قصيدة كافافي عن أمير الدانيمارك تقول:

 

ماتَ الملِك.

 

عاشَ الملِك!

 

*

 

وفي لُـعْــبــةِ الـمُلْـكِ القــاسيــة، بل بالغةِ القســوةِ، سقطَ ضحايا عديدون، لم يكن هاملِت أفضلَـهم بأيّ حالٍ. فنِّـيّــاً، أعتقدُ أن كافافي قدَّمَ نصّــاً أكثرَ تماسُكاً، وأقلَّ ترَهُّلاً من مســرحية شكسبير:

 

هاملِت، أمير الدانيمارك . لقد كان شكسبير واحداً من الضحايا!

 

لندن 08.02.2010

 

مُــلــحَـقٌ

 

قلعةُ ألْـسِــينور (قلعةُ هاملِت)

 

سـعدي يوســف

 

الخندقُ ذو الماءِ الأخضرِ تعْبرُهُ أغصانٌ وعصافيرُ

وتعْبرُهُ أحذيةُ الســوّاحِ

وأشباحُ البحّارةِ في سُفُنٍ غرِقـتْ. ..

أنا أعْبرُهُ أيضاً.

لكني أتحسّـسُ ألواحَ الجِســرِ

أُحِسُّ بها، لَـيِّــنـةً

ومُباغِتــةً

ماءٌ في لونِ الخشبِ. ..

القلعةُ تسْكنُ في القلعةِ

كالدمِ في الدمِ،

أنتَ، اللحظةَ، لن تتقرّى ألواحاً أو حَجــراً

لن تدخلَ من بابِ التاريخِ

ولن تأْنسَ باللوحاتِ المعروضةِ في البهوِ

ولن تسمعَ وشوشــةَ البحرِ

الآنَ ستدخلُ في نفسِكَ

كالحلَزونِ اللائذِ بالقوقعةِ. ..

......................

......................

......................

الآنَ ستهجِسُ وقْعَ خُطىً في ليلٍ ناءٍ

وستُنصِتُ للأصواتِ المكتومةِ

تُنصِتُ للدرَجِ الصاعدِ نحوِ الأسئلةِ. ..

انـتـبِـهِ الآن !

لندن 09.07.2002

عمان أو ...

 

في فجر الجمعة 12/9/2008

لا أستطيع التوفيق بين حبي للنحلة والوردة وحبي لملعقة العسل.لا أستطيع ابتلاع جهود ألف نحلة لرحيق ألف وردة في ملعقة واحدة.ومن يحبون العسل الطبيعي عليهم نسيان الورد والنحل دفعة واحدة.يا لهم من أشقياء. المعدة غير العين ، والتراب ليس الرؤيا ، ومع ذلك تضج الحياة بمن نجحوا بمعجزة الجشع أن يحبوا ويقتنوا العسل والورد والنحل في مزرعة واحدة. وأنا لا أمتلك سوى ذكريات جميلة عنك. فقولي لأبنائنا: من أنتم ؟ العسل أنتم أم النحل أم بساتين عمرنا الملأى بالورد؟ أيتها النحلة الدؤوب ... صباح الياسمين كلما تفتحت عيناك على شعاع يوم حزين ، لا يكون سوى اسمي في عقود الزواج ولوائح المحاكم.أنا ذاهب للنوم .. أرجو أن يكون طويلا كما أنتظرته منذ افترقنا...الخامسة..ص

 

يوميات شاعر مؤجل -3-9-2008

 

إلى مناضلة ...

 

لم يخطر ببالي تعزيتك بمحمودين، أنت تعرفين لماذا؟ مع أنني لا أعرف.لكن وقد فقدت الصديقين على التوالي، كنت حاضرة في الذهن بكل بسالتك ونضارة حبي.أوراس ؟ يا له من خلود في الجبل.. أوراس ، وياله من الصبر في الشجن، أعتذر لدموع عينيك فلم يخطر ببالك ، ربما ، كم لدي من آبار الوفاء المشتعلة. أم غسان ، كبرت عن حبي المراهق باتجاه الثورة الدائمة. تماما مثلما كبر محمود الثاني عن الأستذة لــ " تلميذ يساري" ولم يخن الاتفاق السري المبرم بين السرد والأغنية، بل تطور باتجاه يوميات فواز تركي ليكون آخر كتبه. أحسست له بامتنان ما، ولمن كان يعجل بالنهر على الفجر كي يبزغ. أقصد إدوارد سعيد. ولكن دعينا الآن لما هو أهم. أقصد إلزا وما تبقى بيننا من ذكريات لم تعد تخصنا وحدنا. لا أنت ولا أنا وإنما إلزا وغسان وديما. الرواية الآن تحتاج لساردين اثنين على الأقل. والمخفي لا بد لنا من التلويح به لأن الورثة لمحمود الثاني باتوا كثر ويكذبون أنفسهم. فإذا كان السرد قد بات أجمل من الأغنية فإن الحقائق البسيطة أجمل من الفن ذاته. ودعيني أذكرك بما ضحيت من عمرك لأجله: قبرص مثلا..أو اسطنبول،، أو بودابست وهي الأهم عموما لأننا ربما استرحنا فيها قليلا من تبعات الإدعاء. مريد البرغوثي وكتاب رضوى عاشور وابنهم تميم ورعاية أبو عمار لرواتب العاملين في مكاتبه الخارجية التي لم ولا كانت تعنينا أنا وأنت كوننا من بقايا الهنود الحمر في الخليج. فهل أدركت يا رفيقتي حجم بلائنا المشترك الذي أورثناه لإبنتنا الكبيرة؟ ومن الطبيعي أن يكون هنالك فرق بين ناجي ومحمود بين العلي ودرويش بين مخيم ومخيم أو بين رشاد ويحيى. الفترة التي توصلت أنت لاختتامها دون نهايات قصصية هي التي يجري اليوم تزويرها في الاعلام والميديا وحتى على الانترنت. لذلك يا أم إلزا أرجو عدم تزويرها أو المساهمة غير المقصودة في هذا التزوير على الأقل بالنسبة لأبنائنا فلا ذنب لهم في كل هذه الديماغوجيا من حولهم والتي سوف تطول بإذن الله. مع ذلك أراهن على ديما في ما يخص الأدب وعلى غسان في ما يخص الكاميرا وعلى إلزا في ما يخص الفداء والتضحية. ربما كان لها من طفولتها ما يخص السخرية المبكرة من إبر الانفلونزا لا أعادها الله لها بقية العمر.الرفيقة ،، أتفهم الحقائق على جرعات بالنسبة لما يخص المشترك من مستقبلهم ،، مستقبلنا المشترك دون عقود زواج سارية المفعول. لكن ما يخص يهوديتي ققد بات حقيقة لا مجال لنكرانها في النهايات. لم أكن أعرف ذلك إلا عندما قرأت متأخرا محمود،، ولذلك / وبذلك أريحك من عناء الحب الذي جف لدي من زمن عصي على اللم وكثير الغم.وكم أحس وعلى أوراس أو غسان أن يحس بالامتنان، أن شاهد أباه، للشيوعيين العراقيين ممثلين بالشاعر الكبير سعدي يوسف حيث كانت البلطجة والسمسرة الفتحاوية على أشدها في ربيع الجزائر عام 1987 ولولاهم لما كانت ديمة الأمل التي أسهم في تربيتها محمود درويش بهذا القدر أو ذاك. لم أزل يا .... متمسكا بوحدتنا الوطنية،، وحدة غزة والضفة وحيفا،، وحدة الأمل التي لم تعد تخصنا أنا وأنت بعد كل هذا اليأس. وإنما تخص أحفادنا الذين نأمل أن نراهم ذات يوم قبل مغيب الشمس على جسر جالاتا أو فوق سفوح جبل القبيبات.أردت بهذه اليوميات أن أخصك بالحفاظ على ما تبقى من الذاكرة. ذاكرة كفاح مشترك خذلنا محمود درويش أكثر من مرة في أن يجعله ملحميا في السرد كما هو ملحمي في الحياة لكنه على ما يبدو نجح في استعارة القفلات القصصية لحياته هو يوم حدد السادس من أغسطس موعدا لعمليته الثالثة ، في الولايات،، فكان أغسطس ولم يعد آب في هذه السنة،، لذلك يتوجب في النهاية زيارتنا نحن لجميع من نحب وبنهايات نظيفة كما نحن.

تيسير

3/9/2008

 

في الصعود إلى ضريح تروتسكي

 

في الصعود إلى ضريح تروتسكي لم يكن بصحبتي غير سيزيف ، وهو أيضا لن يراهن عليه ، فقد خرجت الآلهة من توابيتها القديمة كي تنتقم منه، وسوف تكون بانتظاره عند أول منعطف، عندها لن يبق في الطريق إليه غيري.والطريق طويل وقد وهن العظم مني.لكن لا وراء ، إلى الأمام وليس غير الأمام أمامي. كنا أنا وسيزيف قد شاهدنا في طريقنا ستالين جالسا مثل أرملة بانتظار الوعود. وشاهدناه أيضا يتخفى من رفاق مغدورين.سيزيف أراد أن يتهور ويلقي عليه بصخرته الضخمة. قلت له..لا ..لا تفعلها يا سيزيف. أولا تعلم أنه حليف الآلهة الجدد. قلت له: أولا تعلم أننا في الطريق سنحاول ما أمكننا تعزية بروميثيوس وأن شعلته هي التي تضيء لنا الطريق. أحجم سيزيف وفكر مليا. في الصعود إلى ضريح تروتسكي مررنا بمشاجرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين المستوطنين.قلت لسيزيف فلتجعل من نفسك اليوم أعمى. دعنا إلى ما نحن إليه ماضون ودعهم وشأنهم المستوطنون.قال لا وكاد أن يتهور ويلقي عليهم بصخرته الضخمة. ومضينا تارة أدفع بها للأعلى كي أريحه قليلا وتارة يدفع بها هو دون كلل. في الطريق إلى ضريحك ، قابلتنا دورية أردنية وطلبت منا التصاريح وبطاقة الأحوال والرقم الوطني. وبالنتيجة تم اعتقال سيزيف لعدم تحديد الهوية. أما أنا فقد كان يشاع بينهم أنني يهودي، لذلك تركت وشأني كي أكمل الطريق وحدي، ومازلت منذاك أغذ الخطى للأعالي حيث الرفيق الأعلى والسماء الأعلى وتناقص الأوكسجين. ولما مررت ببعض السحب إليك يا إلهي تهت أربعين عاما قبل أن أكتشف نفسي في مستشفى للأمراض العقلية. تأخرت كثيرا ، نعم ، ولم أذهب للتعزية بالحكيم في يوم ثلجي ، نعم ، ولم أحاول تكفيل سيزيف أو انتداب محام له ، نعم . فقد لم يتبق من العمر الكثير ويتوجب عليّ المسير. تماما كما لو كنت آخر من تبقى من الجيش الأحمر. وأقول والقلب يلهث بالصعود : الله أكبر .. الله أكبر ، والدمع بعيني أغذ الخطى، لعلي على ضريحك أكتب مرثية، يا باني الجيش الأحمر.

8/7/2008

عمان ومكسيكو سيتي

 

بيت برناردا إلزا

 

في البدء ، كان يغمرني من كل الاتجاهات ، الحزن الذي اعتدت أن أغوص فيه أو أقفز إليه من رفاسات واقع طبقي موغل في القبح والبشاعة. فيه يكون ثمة ما يقيك وأنت تغوص وتغوص لولا قلة الأكسجين وعدم تخلق الخياشيم السمكية التي تجعلك في قاع المحيطات آمنا لا غبار عليك. في البدء كان الحزن قبل الموسيقى وقبل النواح المتصل. لكنني وهنت من ناحية وكبرت معه الرفيق. أصبح لدي دربة وخبرة كيف لو ارتفعت أسعاره أجده متوفرا في المرتبانات بعد أن أكون عجنته وقسمته على الأسابيع والشهور والسنين. وهل أستطيع اليوم أن أعيش دونه الحزن المعتق الجميل البهي الطالع توا من الثواني والصمت الربيعي والعيون؟ الحزن في بيتي لا يفسد كما بقية الأشياء في المطبخ والثلاجة ، الهجران لا ينال منه فهو معد وفق خبراتي يقيه الملح من كل سوء ومن الرطوبة أحاذر عليه أن يتلف فأحكم إغلاق كل مرتبان على حدى كي لا يختلط الحزن الوطني بالأيدولوجي بالإجتماعي بالمبّهر بالسخرية السوداء بالحزن الضاحك فاتح اللون بذياك البنفسجي أو الكستنائي.كل الأنواع لدي منه كالمعلب والمجفف والمعجون بكميات وافرة أو ذلك من نوع يلزم في الأفراح والمناسبات الاحتفالية والذي يبدو للناظر إليه أشبه بالحلوى المجففة أو الثمر الفاكهي المربى بسكر الأيام دون تحديد جهة الصنع والمنشأ. لا لم أفكر بفتح قبو بصل له أو المتاجرة به فكثرة العرض تجعله رخيصا لا إقبال عليه ولذلك لم أعرض أية كمية منه للبيع. لكن ما أثار حفيظتي أن الصديق السويسري ماركوز وصديقته البارعة ...... أتقنوا صنع شبيه له بما لدي من المخفي منه في خريفية هاملت .. يا هاملت العربي كم مرة قتلت أخيك الفلسطيني عن طريق الخطأ ؟ يا هاملت الفلسطيني اليهودي ، أخوك ، فلماذا تحتكر السؤال وحدك وأوفيليا تغني تارة أو تبكي أبيها في معمان دورة البوليس في شوارع الزرقاء عام 1994 ؟ أوفيليا ،، يا إلزا إنهضي من حزنك الآن لم يمت أبيك في الفحيص تماما ولا كانت محافظة الزرقاء لأمك وستالين ختاما. يا ابنتي مالذي يحزنك الآن في قبضة أخيك راضع أحقاد أمك وشهوة إمرأة الجيران ؟ لا لم تنقض الفأس الصغيرة على جمجمة أبيك في المكسيك بعد لأنه ويا لبؤس غباء أمك يعيش دون جواز سفر. لقد أصبحت الفأس الصغيرة طي الكتمان والتاريخ كما الملح تجمد من الرطوبة في مرتبان مكسور وملئ بشظايا النسيان. أفيقي يا ابنتي من هذه الأدوية التي تبتاعها لك المسجلة لدى الدائرة أنها تكون أمك وتكون أبيك وتكون مهدك وتكون للحدك غطاء من المرض المصدر من حولي للزرقاء الجديدة ؟ هل تناولت الدواء من يد قاتلة بعد ؟ إن لم تفعلي ذلك فاكرهيني كما يكرهون اليهودي كي تعيشي بفضل قليل من النسيان. أما غسان فاغفري له أن لم يستيقظ بعد على أي كأس ليشربه عوضا عن أمه أو عن أبيه. ها هاملت ستجعلكما في الضحك سواسية، وفي البيت سواسية وفي اشتباك الملامح أيضا بينك وبين ديمة لم تمطر بعد سوى اللؤم الوراثي وإدعاء تحرير غزة من العابر والمعابر حتى البحر. لا تمضي للبحر وحدك يا ابنتي فالبحر غادر. ولا تأتي فارعة الكبرياء إلى الأرز فلبنان ضاقت بها المقابر. لا تشربي في المرة القادمة من هذا الماء ولا تطمئني تماما لتشابه الأسماء. وامهليني يا ابنتي كي لا يتجرع تروتسكي مرارة ابنته وابنه الأكبر والأصغر دونما ذنب اقترفه سوى أنه فكر وتدبر. هذا زمان المدبرين يا ابنتي إلى مخافر البوليس في الدول الشقيقة والصديقة ونكران الحقيقة. فامهليني يا إلزا ترولييه فبك على شفتي بعض قصيدة لم يكتبها أراغون بعد ولا خطرت ببال الرفيقة. ها ماركوز جاء بالدواء وأخلد في إطرائي للصمت والمعنى. ثمة بقايا فضول لديه عن بيت برناردا ألبا برناردا إلزا برناردا لوركا وعرس الدم. لا تصدقي أن أعراسنا أبقت بعد اليوم قطرة واحدة من دم. من مرتبان الرصيع في المطبخ الوضيع حتى آخر قطرة من ندم ومن الكويت حتى العدم.وأخيرا اغفري لي أن من نوع حزنك لم أستطع له شبيها.تيسير 26/4/ 2008 عمان

 

�29 September 2010

Wednesday morning : On The Eve Of Time (Poem by T. Nazmi)

 

على حافة الوقت كنت ساهما

سرب من الحمام أتي

و مضى مع الغمام

على حافة الوقت كنت ساهما أفكر:

أحلم ما أرى أم أنه اليمام؟

سرب من الحمام أتى

وسرب من الأيام على كفي بكى و نام

على حافة العمر تأخر بي الوقت

وفي الفضاء عويل الماضي و زحام

لم أنتبه لنفسي عندما التفت إلى كتفي

فإذا بواحدة حطت على كتفي

بكيت لما ضاع من الوقت

عندما وجدت

واحدة

حطت على كتفي وانتظرت

لحظة الوقت

التي

فيها أنام

سرب من الحمام أتى

وسرب من اليمام

مضى

مرة أخرى

حدقت في عينيها الجميلتين

و تأكدت أنها ما يخصني من الهدوء في الزحام

وتأكدت أننا هاهنا وحيدين

والأصدقاء الجميلون في الثرى

نيام أو حمام

لم نتحدث سويا إلا قليلا

و ساهما تساءلت غير مصدق

حمامة جميلة هذه التي على كتفي

أم أنها مجرد أوهام ؟

www.tayseernazmi.com/Poetry.php


لأول مرة بالعربية: الأعمال الشعرية الكاملة لبودلير

 

 

 

رفعت سلام يقدم سفرا جديدا يضم النصوص المحذوفة ووثائق محاكمة ' أزهار الشرّ'

 

 

 

2010-10-04

 

 

 

 

القاهرة ـ ' القدس العربي': في مجلد واحد يقع في 920 صفحة من القطع الكبير، صدرت - لأول مرة باللغة العربية - الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الفرنسي شارل بودلير، عن ' دار الشروق' القاهرية، من ترجمة وتقديم الشاعر رفعت سلام.تتصدر الترجمة ثلاث مقدمات مختلفة. يقدم الشاعر رفعت سلام - في مقدمته الأولى ' شاعر الشر الجميل' - تناقضات حياة بودلير مع ظروفه العامة والخاصة في منتصف القرن التاسع عشر، خلال إنجازه لجذور الحداثة الشعرية الفرنسية والأوروبية، والمرتكزات الأساسية لشعريته المتجاوزة لجميع المدارس الشعرية السابقة عليه والمتزامنة معه، وتأسيسه للحداثة الشعرية في فرنسا وأوروبا، وملامح هذه الحداثة وتجلياتها في نصوصه ورؤيته النقدية.وترصد المقدمة الثانية سيرة حياة بودلير تأريخيـّاً، بالتسلسل الزمني، متوقفةً عند أهم محطات حياته الشخصية والشعرية والثقافية، وأزماته، وأهم أعماله الشعرية ورسائله الكاشفة لعلاقاته ورؤاه الحياتية والفكرية.وتمثل المقدمة الثالثة مقالة بول فاليري الهامة بعنوان ' موقف بودلير'، التي يرصد فيها أهمية بودلير القصوى في الأدب الفرنسي، والتحدي الذي واجهه في تأسيس حداثة شعرية مفارقة لزمنه، وكيف استطاع إنجاز دوره الحاسم خلال سنوات إبداعه الشعري المحدودة، بالمقارنة مع فيكتور هوغو على سبيل المثال.وتتخلل المقدمات ألبومات صور بودلير: وجوه بودلير منذ بداياته إلى أعوامه الأخيرة، رسوم بودلير، رسوم كبار الفنانين لبودلير.ويبدأ المتن الشعري بقصائد ديوان ' أزهار الشر' في طبعته الثانية، التي أشرف بودلير بنفسه على إصدارها عام 1861. وهي الطبعة الأخيرة التي صدرت في حياته. بعده، يأتي ديوان ' البقايا' الذي أصدره بودلير في بروكسيل عام 1866، ويتضمن القصائد المحذوفة من ' أزهار الشر' بموجب الحكم القضائي الذي صدر ضد الديوان - والتي لم تتضمنها الطبعة الثانية - فضلا عن القصائد الجديدة التي كتبها بودلير فيما بعد الطبعة الأولى من الديوان الشهير. وتلي ديوان ' البقايا' القصائد الإضافية المستمدة من الطبعة الثالثة من ' أزهار الشر' التي طبعت بعد وفاة بودلير عام 1869، تليها قصائد متفرقة تنتمي غالبًا إلى فترة شباب وبدايات بودلير الشعرية. ويتضمن المتن الشعري كذلك مجموعة القصائد ' الهجائية' اللاذعة التي كتبها بودلير عن بلجيكا وأهلها، عقب خيبة أمله في رحلته إلى هناك.

 

 

 

كما تتضمن الترجمة النص الكامل لديوان ' سأم باريس'، الذي يضم قصائد النثر التي كتبها بودلير، وفقًا للترتيب الذي وضعه الشاعر قبيل رحيله، دون أن يتسع له الوقت لإصداره بنفسه، مع مقدمة تاريخية للديوان كتبها المترجم.

 

 

 

وفيما يلي المتن الشعري، يتضمن الكتاب عددا من الملاحق والوثائق الهامة: مشروعات مقدمة ' أزهار الشر'، مشروعات خاتمة ' أزهار الشر' التي كتبها بودلير، دون أن يستقر على الصياغة النهائية لها ونشرها بالفعل في مواضعها كما كان يخطط قبل رحيله؛ فضلا عن الوثائق الكاملة لمحاكمة بودلير عن ديوانه ' أزهار الشر'.

 

 

 

كما تتضمن الملاحق ' مشروعات، خطط، عناوين' متعلقة بديوان ' سأم باريس'، وشهادات معاصريه من الكتاب والشعراء، وشهادات عدد من الكتاب والشعراء المنتمين إلى الأجيال اللاحقة؛ مع ' إضاءات' القصائد، التي تتضمن رصدًا لمسيرة القصائد منذ نسختها الأولى إلى نسختها الأخيرة، ورصد وتحديد التعديلات التي أجراها بودلير على نسخها المختلفة، من طبعة إلى أخرى.ويختتم الكتاب بقاموس الأعلام والمصطلحات المتعلقة بزمن بودلير، القرن التاسع عشر، الواردة خلال المقدمات والنصوص المختلفة. ونجتزىء هنا بعض مقتطفات من المقدمة المهمة التي صدر بها الشاعر رفعت سلام الأعمال الكاملة للشاعر الفرنسي الأشهر مع بعض القصائد التي تضمنتها هذه الترجمة الجديدة.يقول سلام في مقدمته:بعد حوالي قرن ونصف القرن من صدور الطبعة الأولى من ' أزهار الشر'، يظل هذا الديوان الصغير أكثر فعالية وحضورًا في الشعرية الفرنسية والعالمية من كل معاصريه. ويظل بودلير أكثر حياةً وتأثيرًا من شعراء قرنه اللامعين.لم يكن أحد ليستطيع التنبؤ بذلك، بل لعل الاستخفاف نفسه لم يكن غائبًا عن بعض كتابات معاصري بودلير إزاء صدور الديوان، إن لم نرصد التشفِّي والعدائية- التي تصل إلى حدِّ الغِلّ - لدى بعض الصحافيين ضيقي الأفق. وبالفعل كانت ' المعاصرة'- بالنسبة إلى زمن بودلير- أكثر من ' حجاب' يُعمي البصر ويُشوش على البصيرة.فخلال حياته، كان معاصروه يميلون عمومًا إلى وضعه جانبا، في الركن، عقابًا له، باعتباره ' ولدًا خبيثًا'، أو كشخص ' غريب الأطوار'.فالقرن التاسع عشر هو قرن 'يكتور هوغو ولامارتين وشاتوبريان وجوتييه ودي موسيه ودي 'يني، كقامات إبداعية شاهقة هيمنت على النصف الأول من القرن هيمنةً ساحقة. وفي ظل تلك الهيمنة، صدرت الطبعة الأولى من ' أزهار الشر' ( 25 حزيران / يونيو 1857)، في 1100 نسخة.فكيف كان لمعاصريه - شعراء ونقادًا وصحافيين - أن يدركوا أن هذا الديوان الصغير، للشاعر الذي لم يتجاوز عمر الشباب، سيكون ألمع ما أنتجه القرن، بما انطوى عليه من فتوحات لا تُستنفَد؟لن يدرك ذلك سوى 'يكتور هوغو- ببصيرته الخارقة - حين كتب له: ' إنك تخلق رعشةً جديدةً في الشعر الفرنسي'.وبعد وفاته، في الثانية والأربعين من عمره، كان اعتقاد الأجيال التالية أنه إنما عاش في الجحيم، حيث يشهد مصيره على استمرارية رهيبة للعذاب طوال حياته. ولحظة الوفاة، لم يكن لديه سوى كلمة وحيدة، ' سُحقًا!'، وصورة الشاعر الملعون التي يحملها معه إلى النهاية.

 

 

 

حياةٌ بائسةٌ عاشها بودلير في قلب القرن التاسع عشر، على الصعيد الشخصي، فيما بين 9 نيسان ( أبريل) 1821، تاريخ ميلاده، و31 آب ( أغسطس) 1867، يوم وفاته. حياةٌ مرتبكةٌ، قلقةٌ، متوترةٌ، متخبطةٌ وعصيبةٌ، تبدأ بوفاة أبيه وعمر بودلير 6 سنوات، لتتزوج أمه - بعد عام واحد من الترمل - بأحد العسكريين اللامعين، الصارمين، ضيقي الأفق. لم يكن الرجل معاديًا للطفل المشاكس، لكنه لم يكن يعرف سوى التربية العسكرية، باعتبارها المثل الأعلى لكل تربية وسلوك، والمستقبل العسكري أو البيروقراطي باعتباره المستقبل المأمول الذي ينبغي لابن زوجته أن يعمل من أجله.أما شخصية بودلير، فتتكشف مبكرًا مضادةً - بطبيعتها الأولية - لهذا النمط من التفكير والحياة والسلوك، والنفور العميق من ' المؤسسة' على إطلاقها: المدرسة، والمنزل البرجوازي، والزواج، والوظيفة، وبقية المؤسسات، لا بحثًا عن مؤسسة بديلة، بل عن التحرر من كل مؤسسة.وفي المواجهة الأولى، يتم طرد بودلير من المدرسة. شخصيةٌ مضادة، مناقضة، معاكسة. ومجتمع يقوم على مؤسسات متراتبة، وقواعد وقوانين وأخلاق وأعراف ما أنزل الله بها من سلطان.

 

 

 

******

 

 

 

يبدأ الصراع بين الشاعر والجنرال بحصول بودلير على شهادة البكالوريا. ويخطط الجنرال لابن زوجته مستقبله كدبلوماسي، اعتمادًا على نفوذه لدى السلطات العليا. لكن بودلير يصمم على تكريس نفسه للأدب. يعيش حياة بوهيمية ولا يحضر أية محاضرات في كلية الحقوق التي سجل فيها. عالمه الأثير هو عالم الشخصيات الأدبية لتلك الفترة، والعاهرة سارة، التي سيكتب عنها قصيدته ' ليست لديَّ كعشيقة لبؤة'. أما العائلة، فيشتعل قلقها من تراكم ديونه، وحياته البوهيمية، وعدم اكتراثه بالارتباط بوظيفة.ويقرر الجنرال وضع الخطة ' الإصلاحية' لهذا الناشز، ويتم دفعه إلى القيام برحلة ' تربوية' بحرية طويلة، يقيم خلالها في جزيرة موريشيوس، بعد تعرض الباخرة لعاصفة واضطرارها إلى الرسو في الجزيرة. لكنه يقرر عدم استكمال رحلته، والعودة إلى الوطن: ' لا أظن أنني أعود والتعقل في جيبي'.لكن هذه الرحلة ' التربوية' الإجبارية الفريدة ستصبح مصدرًا للعديد من القصائد الهامة اللاحقة، وستمنح شعر بودلير مذاقًا ' استوائيًّا' لاذعًا. لكنها - خارج هذا الإطار الشعري - ستبدو بلا جدوى ' تربوية'. فمؤسسة الأسرة - التي تبنت فكرة ' إصلاح' الابن الضال - لم تدرك المفارقة: أن الابن ' الضال' مضادٌّ لكل ' إصلاح' بالمعنى البرجوازي التقليدي، ولكل أخلاق رائجة، وأنه - على النقيض - يبحث عمَّا يتجاوز هذه القيم، أو ما يهدرها، أو ينفيها.

 

 

 

*****

 

 

 

في 25 حزيران ( يونيو) 1857، تصدر الطبعة الأولى من ' أزهار الشر'. وبعد أيام، تنشر جريدة ' لو فيغارو' مقالاً يحرض على ملاحقة الديوان قضائيًّا. وبعد يومين فحسب من نشر المقال، يتم بالفعل تقديم بودلير وناشريه ـ بوليه - مالاسي ودبرواز- إلى المحاكمة بتهمة انتهاك الأخلاق العامة وانتهاك الأخلاق المسيحية. وتطالب النيابة العامة بحذف 10 قصائد، ست منها بدعوى إهانة الأخلاق العامة، وأربع بدعوى إهانة الأخلاق المسيحية.وتقضي محكمة الجنح بأن بودلير وناشريه ' مذنبون'، وتغريم بودلير 300 فرنك، وكل من الناشرين 100 فرنك، مع حذف القصائد الست المتهمة بإهانة الأخلاق العامة، وعدم الاعتداد بتهمة إهانة الأخلاق المسيحية.لكن بودلير يكتب إلى أمه: ' إني سعيد تقريبًا لأول مرة في حياتي. فالكتاب جيدٌ تقريبًا، ولسوف يبقى، هذا الكتاب، شهادةً على قرفي وحقدي على جميع الأشياء'. فهو لم يعنه من الحُكم سوى أمرين: بنية الديوان - الصارمة فنيًّا - التي اهتزت بفعل حذف ست قصائد، والغرامة الباهظة التي لم يكن بمقدوره سدادها، و' تتجاوز قدرات الفقر مضرب الأمثال للشعراء'، كما كتب في رسالته إلى الامبراطورة. أما بعض مقالات التشهير والنميمة الصحافية، التي سبقت وصاحبت وأعقبت المحاكمة، فلم تستوقفه طويلاً، رغم غيظه منها.والمفارقة أن الأم لم تهرع لنجدة ابنها ماليًّا، المهدد بالحبس لمدة عام إن لم يدفع الغرامة. كم هي بعيدةٌ بعيدة، في تلك اللحظة. كما لم ينجِده الوصي على أمواله، بدفع الغرامة من ميراثه الواقع تحت سلطانه، ليُضطر بودلير إلى مخاطبة الامبراطورة نفسها، لتخفيض الغرامة إلى مبلغ معقول. فعليه أن يخوض المعركة وحيدًا إلاَّ من الدعم المعنوي والثقافي لعدد محدود من الأصدقاء الكتاب.لكن الحُكم كان حافزًا - في المقابل - على إصلاح الخلل البنيوي للديوان، بالانكباب على الكتابة من جديد، بما يسد الفراغ البنيوي في الديوان بعد حذف القصائد الست المدانة. وفي بضعة شهور، كُتبت ' الرحلة'، ' البجعة'، ' رقصة جنائزية'، ' العجائز السبع'، ' خصلة الشَّعر'، ' القناع'، ' الهيكل العظمي الكادح'.. بما يكشف أن الفراغ البنيوي قد تم تجاوزه بزلزلة داخلية أكثر عمقًا؛ فهذه القصائد ليست فحسب الأكثر رحابة في أزهار الشر، بل أيضًا الأجمل في الديوان، وربما في الشعر الفرنسي.وأيضًا، كشف الحُكم عن اتساع وعمق الهوة الفاصلة بينه وبين العالم المحيط؛ هوة لا يمكن القفز عليها، أو ردمها، أو التغاضي عنها.ولا أوهام لديه في ذلك، ولا رغبة في إقناع أحد بشيء، أو تفسير شيء، أو تبرئة نفسه من شيء. حالةٌ من الرواقية الواعية والغريزية في آن: ' قال البعض لي إن هذه الأشعار يمكنها أن تؤذي؛ فلم أبتهج بذلك. وآخرون، من ذوي الأرواح الطيبة، قالوا إنها قد تفعل خيرا؛ وذلك لم يحزنّي'. لا بهجة، ولا حُزن.إنه إيمانه العميق والنهائي بأن ' فرنسا تمر بمرحلة من السوقية. فباريس، مركز وإشعاع الحماقة الكونية'، وأن ' الفرنسي حيوان قن، مُدجَّنٌ إلى حد أنه لا يجرؤ على عبور أي حاجز. انظروا إلى ذوقه في الأدب والفن. إنه حيوانٌ من السلالة اللاتينية، لا تزعجه القذارة في بيته، وفي الأدب هو آكل بُراز. إنه مولعٌ بالغائط'.وسيكون على معاصريه أن ينتظروا وفاته، ليعثروا في أوراقه على تصوره لدور الأديب في الحياة: ' الأديب هو عدو العالم'؛ ولهذا فـ ' الأمم لا تنجب العظماء إلاَّ مُرغمة. فلن يكون المرء عظيمًا ـ إذن - إلاَّ إذا انتصر على أمته كلها'.وسيكون عليهم أن يدركوا- بعد وفاته - جدية صورته عن نفسه، ليست صورةً بقدر ما هي كشف ذاتي لأعماق شخصيته التي حيرتهم: ' إنني أتمتع بإحدى الشخصيات المحظوظة التي تستمد البهجة من الكراهية، والتي تتمجد في الاحتقار. ومزاجي المولع - بصورة شيطانية - بالحماقة يجعلني أجد ملذات خاصة في تحريف البهتان. طاهرًا كما الورق، بسيطًا كالماء، مدفوعًا إلى الورع مثل مقدّمة القربان، غير مؤذ كضحية، لن يزعجني أن أُدعَى ماجنًا، سكيرًا، ملحدًا وقاتلاً'.

 

 

 

******

 

 

 

يرصد مؤرخو الأدب - لأسباب تاريخية وأدبية - تأخر الحركة الرومانتيكية الفرنسية عن نظيراتها في المانيا وانكلترا، حيث نشر لامارتين أول مجموعة شعرية رومانتيكية عام 1820 بعنوان ' تأملات شعرية'، فيما لم تصعد الرومانتيكية إلى المسرح الفرنسي إلاَّ مع ' هرناندي' لهوغو عام 1830. لكن سيكون لبودلير أن يعيد الاعتبار إلى الأدب الفرنسي إزاء الآداب الأوروبية. فانطلاقًا منه، أصبح الشعر الفرنسي محط اهتمام الأوساط الأدبية بالقارة، ليصبح الرائد الذي تقتفي خطاه - بفعل كشوفاته واكتشافاته الشعرية والنظرية - حركاتٌ وأصواتٌ شعريةٌ على امتدادها، فضلاً عن فرنسا، متخطيًا ' الجروح التي لا تندمل' بفعل الرومانتيكية، منتقلاً بالشعر- بصورة حاسمةٍ ونهائية - إلى ' الحداثة'.وهنا مختارات من بعض قصائد بودلير:

ترجمة: رفعت سلام

 

 

 

قصائد

 

 

 

إلى القَـارئ

 

 

 

الْحَمَاقَةُ، وَالْخَطَأُ، وَالْفُجُورُ، وَالشُّح

 

 

 

تَحْتَلُّ أَرْوَاحَنَا وَتَسْتَوْلِي عَلَى أَجْسَادِنَا،

 

 

 

وَنُغَذِّي نَدَامَاتِنَا الْمَحْبُوبَة،

 

 

 

مَثْلَمَا يُغَذِّي الشَّحَّاذُونَ هَوَامَّهُم.

 

 

 

خَطَايَانَا عَنِيدَةٌ، وَنَدَمُنَا بَلِيد؛

 

 

 

وَنَدْفَعُ ثَمَنًا بَاهِظًا لاعْتِرَافَاتِنَا

 

 

 

وَنَعُودُ مُبْتَهِجِينَ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُوحِل،

 

 

 

مُعْتَقِدِينَ أَنَّ دُمُوعًا زَهِيدَةً تَغْسِلُ أَوْسَاخَنَا.

عَلَى وِسَادَةِ الشَّرِّ إِبْلِيسُ الْمُعَظَّم

 

 

 

الَّذِي يُهَدْهِدُ طَوِيلاً أَرْوَاحَنَا الْمَسْحُورَة،

 

 

 

وَمعْدَنُ إِرَادَتِنَا النَّفِيس

 

 

 

تَبَخَّرَ تَمَامًا عَلَى يَدِ هَذَا الْكِيميَائِيِّ الْعَلِيم.

 

 

 

هُوَ الشَّيْطَانُ الَّذِي يُمْسِكُ بِالْخُيُوطِ الَّتِي تُحَرِّكُنَا!

 

 

 

فَنَجِدُ الْفِتْنَةَ فِي الأَشْيَاءِ الْمَقِيتَة؛

 

 

 

وَنَنْحَدِرُ كُلَّ يَوْمٍ خُطْوَةً إِلَى الْجَحِيم،

 

 

 

بِلاَ هَلَعٍ، عَبْرَ الظُّلُمَاتِ الآسِنَة.

 

 

 

هَكَذَا كَفَاجِرٍ بَائِسٍ يُقَبِّلُ وَيَلْتَهِم

 

 

 

الثَّدْيَ الشَّهِيدَ لِعَاهِرَةٍ عَتِيقَة،

 

 

 

نَخْتَلِسُ - فِي الطَّرِيقِ - لَذَّةً مُحَرَّمَةً،

 

 

 

نَعْتَصِرُهَا بِقُوَّةٍ كَبُرْتُقَالَةٍ قَدِيمَة.

 

 

 

مُتَرَاصِّينَ، مُتَزَاحِمِينَ، كَمِلْيُونِ دُودَةٍ مَعَوِيَّة،

 

 

 

يُعَرْبِدُ فِي عُقُولِنَا حَشْدٌ مِنَ الْجِنّ،

 

 

 

وَعِنْدَمَا نَتَنَفَّسُ، يَنْحَدِرُ الْمَوْتُ إِلَى رِئَاتِنَا،

 

 

 

نَهْرًا خَفِيًّا مَعَ الأَنَّاتِ الصَّمَّاء.

 

 

 

وَإِذَا مَا كَانَ الاغْتِصَابُ، وَالسُّمُّ، وَالْخِنْجَرُ، وَالْحَرِيق،

 

 

 

لَمْ تُوَشِّ بَعْدُ بِرُسُومِهَا الهَازِئَة

 

 

 

اللَّوْحَةَ التَّافِهَةَ لِمَصَائِرِنَا الْبَائِسَة،

 

 

 

فَلأَنَّ أَرْوَاحَنَا ـ لِلأَسَفِ - لاَ تَمْلِكُ الْجُرْأَةَ الْكَافِيَة.

 

 

 

لَكِن بَيْنَ أَبْنَاءِ آوَى، وَالْفُهُودِ، وَكِلاَبِ الصَّيْدِ،

 

 

 

وَالْقُرُودِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالْعُقَابِ، وَالأَفَاعِي،

 

 

 

وَالْوُحُوشِ العَاوِيَةِ، وَالنَّابِحَةِ، وَالْمُزَمْجِرَةِ وَالزَّاحِفَة،

 

 

 

فِي مَعْرَضِ الْوُحُوشِ الشَّائِنِ لِخَطَايَانَا،

 

 

 

هُنَاكَ مَا هُوَ أَكْثَرُ بَشَاعَةً، وَفَظَاظَةً، وَقَذَارَة!

 

 

 

رغْمَ أَنَّهُ لاَ يُصْدِرُ حَرَكَاتٍ وَاضِحَةً وَلاَ صَرَخَاتٍ فَادِحَة،

 

 

 

وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُحِيلَ الأَرْضَ إِلَى أَطْلاَل

 

 

 

وَيَبْتَلِعَ فِي إِحْدَى تَثَاؤُبَاتِهِ الْعَالَم؛

 

 

 

إِنَّه الضَّجَر!- تِلْكَ الْعَيْنُ الْمَغْرَوْرِقَةُ بِدَمْعٍ لاَ إِرَادِي،

 

 

 

تَحْلُمُ بِالْمَشَانِقِ وَهيَ تُدَخِّنُ النَّارجِيلَة.

 

 

 

تَعْرِفُه، أَيُّهَا الْقَارِئُ، هَذَا الْوَحْشَ الرَّهِيف،

 

 

 

- أَيُّهَا الْقَارِئُ الْمُنَافِقُ،- يَا شَبِيهِي،- يَا شَقِيقِي!

 

 

 

بَركَـة

 

 

 

عِنْدَمَا تَجَلَّى الشَّاعِرُ فِي هَذَا الْعَالَمِ الضَّجِر،

 

 

 

بِقَرَارٍ مِنَ الْقُوَى الْعُلْيَا،

 

 

 

أَشْهَرَت أُمُّه المَذْعُورَةُ الطَّافِحَةُ بِالتَّجْدِيف

 

 

 

قَبْضَتَيْهَا نَحْوَ الرَّب، الَّذِي يُشْفِقُ عَلَيْهَا:

 

 

 

- ' آه! لِمَ لَم أَضَع حَشْدًا مِنَ الْحَيَّات

 

 

 

أَفْضَلَ مِنْ إِرْضَاعِ هَذَا الْمَسْخ!

 

 

 

فَاللَّعْنَةُ عَلَى لَيْلَةِ الْمَلَذَّاتِ الْعَابِرَة

 

 

 

الَّتِي حَمَلَت فِيهَا بَطْنِي كَفَّارَتِي!

 

 

 

' وَطَالَمَا أَنَّكَ اخْتَرْتَنِي مِنْ بَيْنِ كُلِّ النِّسَاء

 

 

 

لأَكُونَ مَوْضِعَ اشْمِئْزَازِ زَوْجِيَ الْحَزِين،

 

 

 

وَلأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ رَمْيَ هَذَا الْمَسْخِ الضَّامِر

 

 

 

فِي النَّارِ، مِثْلَ رِِسَالَةِ حُب،

 

 

 

' سَأَصُبُّ كَرَاهِيَتَكَ الَّتِي تُثْقِلُنِي

 

 

 

عَلَى الأَدَاةِ اللَّعِينَةِ لِشُرُورِك،

 

 

 

وَسَأَقْطَعُ تَمَامًا هَذِهِ الشَّجَرَةَ الْبَائِسَة،

 

 

 

فَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْمُو بَرَاعِمُهَا الْمَوْبُوءَة!'

 

 

 

هَكَذَا تَبْتَلِعُ زَبَدَ كَرَاهِيَتِهَا،

 

 

 

وَإِذْ لاَ تَعِي الأَقْدَارَ الأَبَدِيَّةَ الْمَرْسُومَة،

 

 

 

تَرُوحُ تُعِدُّ بِنَفْسِهَا فِي قَاعِ الْجَحِيم

 

 

 

الْمِحْرَقَةَ الْخَاصَّةَ بِالْجَرَائِمِ الأُمُومِيَّة.

 

 

 

لَكِن، تَحْتَ حِمَايَةِ مَلاَكٍ خَفِيَّة،

 

 

 

يَسْكَرُ الطِّفْلُ الْمَحرُومُ بِالشَّمْس،

 

 

 

وَفِي كُلِّ مَا يَشْرَبُ وَيَأكُل

 

 

 

يَجِدُ الرَّحِيقَ وَمَاءَ الْحَيَاةِ الْوَرْدِي.

 

 

 

يَلْعَبُ مَعَ الرِّيحِ، يَتَكَلَّمُ مَعَ الْغَيْم،

 

 

 

يَنْتَشِي بِالإِنْشَادِ لِطَرِيقِ الصَّلِيب؛

 

 

 

وَالرُّوحُ الَّتِي تَتْبَعُه فِي طَوَافِه

 

 

 

تَبْكِي مِنْ رُؤْيَتِهِ سَعِيدًا مِثْلَ عُصْفُورِ الْغَابَة.

 

 

 

أَمَّا مَنْ كَانَ يَهْفُو إِلَى حُبِّهِم فَيُرَاقِبُونَه بِوَجَل،

 

 

 

أَو، مُجْتَرِئِينَ عَلَى سَكِينَتِه،

 

 

 

يَبْحَثُونَ عَمَّا يَدْفَعُه إِلَى الْعَوِيل،

 

 

 

وَيُمَارِسُونَ عَلَيْهِ وَحْشِيَّتَهُم.

 

 

 

وَفِي الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ الْمَرْصُودِ لِفَمِه

 

 

 

يَمْزِجُونَ الرَّمَادَ وَالْبُصَاقَ الْقَذِر؛

 

 

 

وَبِنِفَاقٍ يَرْمُونَ كُلَّ مَا يَلْمَس،

 

 

 

وَيَلُومُونَ أَنْفُسَهُم عَلَى وَضْعِ أَقْدَامِهِم عَلَى خُطَاه.

 

 

 

وَتَصْرُخُ زَوْجَتُه فِي السَّاحَاتِ الْعَامَّة:

 

 

 

' طَالَمَا يَرَانِي جَمِيلَةً إِلَى حَدِّ الْجَدَارَةِ بِالْعِبَادَة،

 

 

 

فَسَأَتَّخِذُ مِهْنَةَ الْمَعْبُودَاتِ الْقَدِيمَة،

 

 

 

وَمِثْلَهُنَّ، أُرِيدُ أَنْ أَتَحَلَّى بِالذَّهَب؛

 

 

 

' وَسَأَسْكَرُ بِالنَّاردِينِ وَالْبخُورِ وَالْمُر،

 

 

 

بِالرُّكُوعِ، بِاللَّحُومِ وَالْخُمُور،

 

 

 

لأَعْرِفَ قُدْرَتِي - وَأَنَا ضَاحِكَةٌ - عَلَى اغْتِصَاب

 

 

 

الْقَرَابِينِ السَّمَاوِيَّةِ مِنَ الْقَلبِ الْمُعْجَبِ بِي!

 

 

 

' وَعِنْدَمَا أَضْجَرُ مِنْ هَذِهِ الْهَزْلِيَّاتِ الْكَافِرَة،

 

 

 

سَأَضَعُ عَلَيْهِ يَدِي الْهَشَّةَ الْقَوِيَّة؛

 

 

 

وَأَظَافِرِي، الشَّبِيهَةُ بِأَظَافِرِ الْخَفَافِيش،

 

 

 

سَتَشُقُّ طَرِيقَهَا حَتَّى قَلْبِه.

 

 

 

' وَمِثْلَ عُصْفُورٍ صَغِيرٍ يَرْتَعِشُ وَيَرْتَجِف

 

 

 

سَأَنْتَزِعُ هَذَا الْقَلْبَ الأَحْمَرَ مِنْ صَدْرِه،

 

 

 

وَلأُشْفِي غَلِيلِيَ الْغَبِي،

 

 

 

سَأَرْمِيه لَه عَلَى الأَرْضِ بِازْدِرَاء!'

 

 

 

إِلَى السَّمَاءِ، حَيْثُ تَرَى عَيْنُه عَرْشًا رَائِعًا،

 

 

 

يَرْفَعُ الشَّاعِرُ الْوَادِع ذِرَاعَيْهِ فِي وَرَع،

 

 

 

وَالْبُرُوقُ الشَّاسِعَةُ لِرُوحِهِ الصَّافِيَة

 

 

 

تَحْجُبُ عَنْهُ مَرْأَى الْحُشُودِ الْهَائِجَة:

 

 

 

- ' مُبَارَكٌ أَنْتَ، يَا رَبُّ، يَا مَنْ تَمْنَحُ الأَلَم

 

 

 

كَتِريَاقٍ سَمَاوِيٍّ لِقَذَارَاتِنَا

 

 

 

وَكَالْجَوْهَرِ الأَنْقَى وَالأَرْقَى

 

 

 

الَّذِي يُهَيِّئُ الأَقْوِيَاءَ لِلْمَلَذَّاتِ الْقُدْسِيَّة!

 

 

 

' أَعْرِفُ أَنَّكَ تَحْتَفِظُ بِمَكَانٍ لِلشَّاعِر

 

 

 

فِي صُفُوفِ الأَبْرَارِ مِنَ الأَفْوَاجِ الْمُقَدَّسَة،

 

 

 

وَأَنَّكَ تَدعُوه إِلَى الْحَفْلِ الأَبَدِي

 

 

 

لِلْمَلاَئِكَة، وَالْفضَائِلِ، وَالسِّيَادَة.

 

 

 

' أَعْرِفُ أَنَّ الْعَذَابَ هُوَ النُّبْلُ الْفَرِيد

 

 

 

الَّذِي لَنْ يَأكُلَه أَبَدًا التُّرَابُ وَلاَ الْجَحِيم،

 

 

 

وَلِكَي أَضْفُرَ إِكْلِيلِيَ الرُّوحِي

 

 

 

لاَ بُدَّ مِنْ تَغْرِيمِ الأَزْمَانِ وَالأَكْوَان.

 

 

 

' لَكِنَّ الْمُجَوْهَرَاتِ الضَّائِعَةَ لِبَالمِيرَا الْقَدِيمَة،

 

 

 

وَالْمَعَادِنَ الْمَجْهُولَةَ، وَلآلِئَ الْبِحَار،

 

 

 

الَّتِي أَعَدَّتْهَا يَدُك، لَنْ تَسْتَطِيعَ الْوَفَاء

 

 

 

بِهَذَا التَّاجِ الْجَمِيلِ، الْبَاهِرِ الْوَهَّاج

 

 

 

' لأَنَّه لَنْ يُصْنَعَ إِلاَّ مِنْ نُورٍ صَافٍ،

 

 

 

مُسْتَقًى مِنْ نَارٍ مُقَدَّسًَةٍ لِلأَشِعَّةِ الأُولَى،

 

 

 

وَإِزَاءَهَا لَن تَكُونَ الْعُيُونُ الْفَانِيَةُ، عَلَى رَوْعَتِهَا الْكَامِلَة،

 

 

 

سِوَى مَرَايَا مُعْتِمَةٍ نَائِحَة!'

 

 

 

طَـائر القطرَس

 

 

 

كَثِيرًا مَا يَصِيدُ الْبَحَّارَةُ، لِلتَّسْلِيَة،

 

 

 

طُيُورَ الْقَطْرَس، الطُّيُورَ الْبَحْرِيَّةَ الْهَائِلَة،

 

 

 

الَّتِي تَتْبَعُ، كَرِفَاقِ سَفَرٍ كَسَالَى،

 

 

 

السَّفِينَةَ الْمُنْسَابَةَ عَلَى اللُّجَجِ الْمَرِيرَة.

 

 

 

وَمَا إِنْ يَرْمُوا بِهِم عَلَى سَطْحِ السَّفِينَة،

 

 

 

حَتَّى يُجَرْجِرَ مُلُوكُ السَّمَاءِ هَؤُلاَء، الْحَمْقَى الْخَائِبُون،

 

 

 

أَجْنِحَتَهُم الْكَبِيرَةَ الْبَيْضَاءَ إِلَى جَانِبِهِم

 

 

 

بِشَكْلٍ يُرْثَى لَه، مِثْلَ الْمَجَاذِيف.

 

 

 

هَذَا الْمُسَافِرُ الْمُجَنَّحُ، كَم هُوَ أَخْرَقُ وَضَعِيف!

 

 

 

هُوَ، الْجَمِيلُ مُنذُ قَلِيلٍ، كَم هُوَ مُضْحِكٌ وَقَبِيح!

 

 

 

أَحَدُهُم يُشَاكِسُ مِنْقَارَه بِغلْيُون،

 

 

 

وَالآخَرُ يُقَلِّدُ، وَهوَ يَعْرُجُ، الْعَاجِزَ الَّذِي كَانَ يَطِير!

 

 

 

وَالشَّاعِرُ شَبِيهٌ بِأَمِيرِ الْغُيُوم

 

 

 

يَغْشَى الْعَاصِفَةَ وَيَهْزَأُ بِالسِّهَام؛

 

 

 

مَنْفِيًّا عَلَى الأَرْضِ وَسْطَ صَيْحَاتِ السُّخْرِيَة،

 

 

 

تَعُوقُه أَجْنِحَتُه الْعِمْلاَقَةُ عَن الْمَسِير.

 

 

 

سُـمُوّ

 

 

 

فَوْقَ الْمُسْتَنْقَعَاتِ، فَوْقَ الْوِدْيَان،

 

 

 

وَالْجِبَالِ، وَالْغَابَاتِ، وَالْغُيُومِ، وَالْبِحَار،

 

 

 

فِيمَا وَرَاءَ الشَّمْسِ، فِيمَا وَرَاءَ الأَثِير،

 

 

 

فِيمَا وَرَاءَ حُدُودِ الأَفْلاَكِ الْمُرَصَّعَةِ بِالنُّجُوم،

 

 

 

تَنْسَابِينَ، يَا رُوحِي، بِرَشَاقَة،

 

 

 

وَمِثْلَ سَبَّاحٍ بَارِعٍ يَنْتَشِي بِالْمَوْج،

 

 

 

تَشُقِّينَ بِبَهْجَةٍ أَغْوَارَ الْفَضَاء

 

 

 

بِشَهْوَةٍ رُجُولِيَّةٍ فَوْقَ الْوَصْف.

 

 

 

فَلْتُحَلِّقِي بَعِيدًا عَن هَذَا الْعَفَنِ السَّقِيم،

 

 

 

وَلْتَتَطَهَّرِي فِي الأَثِيرِ الأَعْلَى

 

 

 

وَلْتَشْرَبِي، مِثْلَ شَرَابٍ صَافٍ وَسَمَاوِي،

 

 

 

النَّارَ الْمُنِيرَةَ الَّتِي تَغْمُرُ الْفَضَاءَاتِ النَّقِيَّة.

 

 

 

وَرَاءَ الضَّجَرِ وَالأَحْزَانِ الْكَبِيرَة

 

 

 

الَّتِي تَنُوءُ بِوَطْأَتِهَا عَلَى الْوُجُودِ الضَّبَابِي،

 

 

 

سَعِيدٌ مَنْ يَسْتَطِيعُ، بِجَنَاحٍ قَوِي،

 

 

 

الانْطِلاَقَ إِلَى الْحُقُولِ الْمُضِيئَةِ السَّاكِنَة!

 

 

 

مَنْ تَقُومُ أَفْكَارُه، مِثْلَ الْقُبَّرَات،

 

 

 

بِانْطِلاَقٍ حُرٍّ فِي الصَّبَاحِ إِلَى السَّمَاوَات،

 

 

 

- مَنْ يُحَلِّقُ فَوْقَ الْحَيَاةِ، وَيَعِي بِلاَ عَنَاء

 

 

 

لُغَةَ الزُّهُورِ وَالأَشْيَاءِ الصَّامِتَة!

 

 

 

تجـاوبَا

 

 

 

الطَّبِيعَةُ مَعْبَدٌ فِيهِ أَعْمِدَةٌ حَيَّة

 

 

 

تُصْدِرُ أَحْيَانًا كَلِمَاتٍ مُبْهَمَة؛

 

 

 

هُنَاكَ يَمْضِي الإِنْسَانُ خِلاَلَ غَابَاتٍ مِنْ رُمُوز

 

 

 

تَرْقُبُه بِنَظَرَاتٍ وَادِعَة.

 

 

 

وَكَأَصْدَاءٍ مَدِيدَةٍ تَمْتَزِجُ فِي الْبَعِيد

 

 

 

فِي وِحْدَةٍ مُعْتِمَةٍ وَعَمِيقَة،

 

 

 

شَاسِعَةٍ مِثْلَ اللَّيْلِ وَالضِّيَاء،

 

 

 

تَتَجَاوَبُ الْعُطُورُ، وَالأَلْوَانُ، وَالأَصْوَات.

 

 

 

هُنَاكَ عُطُورٌ نَدِيَّةٌ مِثْلَ أَجْسَادِ الأَطْفَال،

 

 

 

رَهِيفَةٌ كَالْمَزَامِير، وَخَضْرَاءُ كَالْبَرَارِي،

 

 

 

- وَأُخْرَى مُتَهَتِّكَةٌ، خِصْبَةٌ وَمُفْحِمَة،

 

 

 

لَهَا أَرِيجُ الأَشْيَاءِ اللاَّنِهَائِيَّة،

 

 

 

كَالْعَنْبَرِ، وَالْمِسْكِ، وَاللّبَانِ وَالْبخُور،

 

 

 

الَّتِي تُغَنِّي فَورَاتِ الرُّوحِ وَالْحَوَاس.

 

 

 

رَبةُ الشِّـعر العليلة

 

 

 

يَا رَبَّةَ شِعْرِيَ العَلِيلَةَ، وَا أسَفَاه! مَاذَا جَرَى لَكِ هَذَا الصَّبَاح؟

 

 

 

عَيْنَاكِ الْغَائِرَتَانِ مُفْعَمَتَانِ بِالرُّؤَى اللَّيْلِيَّة،

 

 

 

وَعَلَى سِحْنَتِكِ يَنْتَشِرُ، وَاحِدًا وَرَاء الآخَر،

 

 

 

الْجُنُونُ وَالرُّعْبُ، وَالْبُرُودَةُ وَالسُّكُوت.

 

 

 

فَهَل صَبَّت الشَّيْطَانَةُ الْخَضْرَاءُ وَالْعِفْرِيتُ الْوَرْدِي

 

 

 

عَلَيْكِ الْخَوْفَ وَالْحُبَّ مِنْ جِرَارِهِمَا؟

 

 

 

هَل أَغْرَقَكِ الْكَابُوسُ، بِقَبْضَةٍ مُسْتَبِدَّةٍ عَاصِيَة،

 

 

 

فِي أَعْمَاقِ ' مِينتُورن' خُرَافِيَّة؟

 

 

 

كَم أَوَدُّ أَنْ تَغْشَى الأَفْكَارُ الْقَوِيَّة دَائِمًا

 

 

 

صَدْرَكِ الَّذِي يَفُوحُ بِأَرِيجِ الْعَافِيَة،

 

 

 

وَأَنْ يَنْسَابَ دَمُكِ الْمَسِيحِيُّ فِي دَفْقَاتٍ إِيقَاعِيَّة

 

 

 

مِثْلَ الأَصْوَاتِ الْمُوَقَّعَةِ لِلْمَقَاطِعِ الْقَدِيمَة،

 

 

 

الَّتِي يُهَيْمِنُ عَلَيْهَا بِالتَّنَاوُبِ أَبُ الأَغَانِي

 

 

 

فُويبُوس، وَبَان الْعَظِيمُ سَيِّدُ الْحَصَاد.

 

 


Available Album(s):

Current Album is:
Books By Tayseer Nazmi

To change albums, highlight your
choice and click the 'Change Album' button.
         
 http://tayseernazmi.com/media/ALDAHS.doc

The Crush - Aldahs - 1982 (Kuwait) 4th. Short Stories Collection-2nd. book
 
       1     2     3     4     5     6     7     8     9    10